الخرطوم وجوبا بين الخصومة والتصالح


عماد عبد الهادي-الخرطوم
ما أن وقّع السودان وجنوب السودان على اتفاقهما الأخير بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا وتحولت لهجة العداء إلى التصالح، حتى برزت بعض التساؤلات عن أسباب ذلك التحول من جهة وما إذا كان مؤقتا أو دائما من جهة أخرى.
وبدا أن الترحيب الدولي والإقليمي كان أحد أسباب التساؤلات التي لا تزال دون إجابة حيث سارعت الإدارة الأميركية ومن بعدها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي إلى الإشادة باتفاق الطرفين واتجاههما لمعالجة الخلافات.

وكان وفدا الخرطوم وجوبا قد وقعا في الثالث عشر من الشهر الحالي اتفاقيتين، الأولى لرسم الحدود، والثانية لمعالجة أوضاع مواطني البلدين بما يمكنهم من حرية التنقل وحرية العمل وحرية التملك وحرية التجارة.
واعتبر كبير مفاوضي حكومة جنوب السودان الأمين العام للحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب باقان أموم أن العلاقات بين البلدين أصبحت "إيجابية" بعد الاتفاق.
أما رئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير ميارديت فأشار إلى ضغوط دولية تتعرض لها حكومته بشأن التوصل لاتفاق مع حكومة الخرطوم، وأن جوبا ستواصل التفاوض مع الخرطوم لإيجاد صيغة جديدة فيما يخص النفط. لكنه كشف عن وجود مشكلة لدولته مع من أسماهم عصابة الخرطوم، في إشارة للحكومة السودانية.
مسكوت عنه
ورغم رفض قطاعات سودانية واسعة الاتفاق كونه لا يخدم السودان في شيء بعد انفصال الجنوب، يرى محللون أن هناك ما لم تبح به أي جهة من الجهات سواء السودانية أو الجنوبية. ولم يتضح بعد ما إذا كان الموقف السوداني سيتغير بعد تصريحات سلفاكير ووصف حكومة السودان بأنها "عصابة الخرطوم".
واعتبر مراقبون حينها أن ما أطلقه الرئيس الجنوبي لغة خارجة عن إطار المرحلة. ليأتي ما يشبه الرد من نائب رئيس الجمهورية السودانية الحاج آدم يوسف الذي نفى اتفاق الطرفين على ملف الحريات الأربع، مشيرا إلى أن الدولتين لم تتفقا على الملف و"لم يتم تناول الموضوع بالنقاش المستفيض حتى الآن".

وقال يوسف للصحفيين إن ملف المواطنة سيتم التداول بشأنه عقب الانتهاء من الاتفاق وتنفيذ أجندة الملف الأمني بين الدولتين.
لكن وزير الخارجية السوداني علي كرتي أكد أن توقيع اتفاق الأحرف الأولى مع دولة جنوب السودان يمثل خطوة إيجابية ستعمل على تشجيع الطرفين للوصول إلى حلول للقضايا الأخرى، مشيرا في تصريحات صحفية إلى أن ما جرى يشجع على إيجاد روح إيجابية تدفع بمسارات التفاوض في المسائل الأخرى سواء البترول أو القضايا المالية.
ويعتبر الكاتب والمحلل السياسي محيي الدين تيتاوي أن الأوضاع الاقتصادية تفرض على الدولة الجنوبية التنازل عن بعض مطالبها غير الموضوعية، مشيرا إلى أن الشروط الجنوبية السابقة "كانت تعطل كافة مسارات الحل بين الدولتين".
وأكد أن اللهجة التصالحية لحكومة الجنوب جاءت "ربما لتعرّضها إلى ضغوط خارجية، وهي تعلم نتائج ما سيؤول إليه الوضع بالدولة الجنوبية بعد حين"، مشيرا إلى وجود صراع بين قوى دولية متباينة من الموقف حيال السودان.
وتوقع تيتاوي في حديث للجزيرة نت أن ينجح تيار التصالح وذو الرؤية المستقبلية في مسعاه لتجنيب الجنوب مشكلات المستقبل، مؤكدا أن الحزام الأفريقي، المكون من كينيا وإثيوبيا وأوغندا وجمهورية كونغو الديمقراطية (زائير) وأفريقيا الوسطى، يعاني من الفقر والحاجة بما يدعم موقف المتصالحين مع السودان.
في حين لم يستبعد أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين حسن الساعوري أن يقود توقيع الاتفاق وعودة لهجة التصالح بين الطرفين إلى انفراج ربما للعلاقة المتوترة بينهما، مشيرا إلى وجود أسباب قوية "تقف وراء الانفراج".

علاقة عضوية
وقال الأكاديمي السوداني للجزيرة نت إن الطرفين أدركا عدم وجود حل لأزمتهما إلا بالتعاون المشترك حيث "العلاقة العضوية" التي يصعب فصلها بين السودان وجنوب السودان، متوقعا أن يكون الطرفان قد تعرضا لكثير من الضغوط من أجل التوصل لمثل ما اتفقا عليه خاصة من الاتحاد الأفريقي والإدارة الأميركية.
ولم يستبعد الساعوري أن يكون للتمرد في الدولتين أثره المباشر في تحولهما من خانة العداء إلى إمكانية التصالح، "لأنه ليس بمقدور اقتصاد الدولتين مواجهة تمرد داخلي وحرب دولية مع الآخر".
لكن الساعوري يرى وجود أسباب أخرى أكبر تأثيرا لم يفصح عنها الطرفان، والتي تكون ربما مرتبطة بالعلاقات السودانية الأميركية أو بإمكانية عودة الجنوب إلى الشمال بصورة أو بأخرى أو بعلاقات الجنوب مع واشنطن.