قانون الطوارئ بمصر.. إرث تاريخي

أسامة عبد المقصود-الجزيرة نت
لن ينسى المصريون قرار رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوي -عشية الذكرى الأولى لثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011- بإسدال الستار على 30 عاما من الحالة الاستثنائية، وسيعدون القرار امتدادا لمنجزات الثورة، كحل الحزب الوطني الحاكم سابقا، ومحاكمة رموز نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك وإيداعهم السجون، وحل جهاز مباحث أمن الدولة، واقتحام مقراته.
الحالة الاستثنائية "الطوارئ" حكمت مصر ثلاثة عقود متصلة، بدأت بعيد اغتيال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، وظل البرلمان المصري يمدد العمل بها طيلة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، بناء على المادة 148 من الدستور التي تنص على أن "يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ لمدة محدودة ولا يجوز مدها إلا بموافقة مجلس الشعب".
إشكالية الطوارئ مركبة، كونها تبدأ وتنتهى بيد رئيس الجمهورية، فهو الذي يقرر الحالة التي أعلنت بسببها، والمنطقة التي تشملها، وتاريخ بدء سريانها.
ومن حق رئيس الجمهورية أن يتخذ بأمر كتابي أو شفهي تدابير مقيدة للحريات بل وتنتهكها في كثير من الأحيان، كوضع القيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والتنقل والإقامة والمرور في أوقات معينة أو أماكن محددة، مع الترخيص بالاعتقال والتفتيش دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية.
وكان القانون المنتهي إلى الأبد -كما يتمنى المصريون- يتيح للرئيس مراقبة الرسائل أيا كان نوعها وكذلك مختلف أشكال المحتوى الإعلامي بكل وسائله، كما يعطيه الحق في الاستحواذ على أي شركة أو عقار أو منقولات وكذلك فرض الحراسة عليها، إضافة إلى كون القانون يمنحه سلطات تحديد مواعيد فتح وإغلاق المحال العامة.
استخدام سياسي
وبدلا من استخدام القانون في الزمان والحالة المناسبتين كحالات الحروب أو وجود تهديد للبلاد أو وقوع كوارث طبيعية وخسائر غير محدودة، استخدم مبارك القانون استخداما سياسيا استنادا لبنود تتيح له إحالة القضايا إلى محاكم أمن الدولة التي لا يجوز الطعن عليها. ويتحكم -بموجب القانون- الرئيس في أحكامها كما يشاء، إذ لا ينفذ الحكم إلا بعد تصديقه ولا يسقط إلا بقراره، وهو من يحق له تخفيف أحكامها.
وظهر الاستخدام السياسي للقانون منذ بدء عصر مبارك عام 1981 وطال كل معارضيه أو من كان يراهم معارضين له، بداية من جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية المختلفة وصولا إلى الحركات التي نشأت في بداية القرن الحادي والعشرين مثل كفاية و6 أبريل وغيرهما.
ورغم مرور مصر بتحديات حقيقية كالإرهاب وغيره، فإنها لم تعطه مبررا باستمراره العمل بالقانون طيلة فترة حكمه.
مسيرة الطوارئ

لكن قانونيين يؤكدون أن مصر عاشت أغلب فترات تاريخها الحديث في حالة طوارئ، منذ أدخلها الاحتلال الإنجليزي تحت مسمى الأحكام العرفية عام 1914 أثناء الحرب العالمية الأولى، وإن تم التعامل بشكل استثنائي قبلها في حادثة دنشواي الشهيرة عام 1906 عندما حكم على مجموعة من أهالي القرية بالشنق وآخرين بالجلد، حيث صرح اللورد كرومر وقتها بضرورة وجود إجراءات استثنائية.
تتابع بعد ذلك النص على حالة الطوارئ فى الدساتير المصرية، فنصت المادة 45 من دستور سنة 1923 على أن "الملك يعلن الأحكام العرفية ويجب أن يعرض إعلان الأحكام العرفية فورا على البرلمان ليقرر استمرارها أو إلغاءها، فإذا وقع هذا الإعلان فى غير دور الانعقاد وجب دعوة البرلمان للاجتماع على وجه السرعة".
وجاءت أول تسمية للطوارئ في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في دستور 1956 الذي نصت مادته 144 على أن "يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ على الوجه المبين بالقانون، ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس الأمة خلال الـ15 يوما التالية له ليقرر ما يراه فى شأنه، فإن كان مجلس الأمة منحلا يعرض الأمر على المجلس الجديد فى أول اجتماع له"، وفرضت الطوارئ أثناء حرب عام 1967.
ثم نص دستور سنة 1971 المعلق حاليا فى مادته رقم 148 على أن "يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ على الوجه المبين فى القانون، ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس الشعب خلال الـ15 يوما التالية ليقرر ما يراه بشأنه، وإذا كان مجلس الشعب منحلا يعرض الأمر على المجلس الجديد فى أول اجتماع له. وفى جميع الأحوال يكون إعلان حالة الطوارئ لمدة محددة ولا يجوز مدها إلا بموافقة مجلس الشعب".
ومن المؤكد أن لحظة خطاب المشير الذي أنهى فيه حالة الطوارئ ستبقى مطبوعة لمدة طويلة في أذهان المصريين، لكن الأكثر تأكيدا حسب المراقبين أنهم لن يسمحوا بعودة مثل هذه الحالة مرة أخرى، لاسيما وأن أغلبية برلمان الثورة المنوط به إعداد أول دستور بعد ثورة 25 يناير عوقبت بهذا القانون المشبوه.