سفير أميركي بدرجة مواطن بالصين
عزت شحرور-بكين
لم تشفع له أصوله الصينية ولا حداثة عهده في المنصب، فقبل أن يكمل شهره الأول أقدمت الخارجية الصينية على استدعاء السفير الأميركي لديها غاري لوك، وسلمته احتجاجا شديد اللهجة على صفقة أسلحة ومعدات عسكرية تنوي بلاده بيعها إلى تايوان.
وكان لوك -الذي تولى حقيبة وزير التجارة في إدارة الرئيس أوباما قرابة عامين ونصف العام- قد عين سفيرا لدى الصين ليصبح بذلك أول سفير أميركي ينحدر من أصول صينية يشغل هذا المنصب منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين عام 1979.
وعلى الرغم من الفترة القصيرة التي قضاها لوك في الصين حتى الآن، إلا أن سلوكاته اليومية أثارت جدلا واسعا، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قبل أن تتحول إلى مادة دسمة في بعض الصحف الصينية واسعة الانتشار.
فمنذ وصوله قادما من سياتل منتصف أغسطس/آب الماضي، فاجأ مستقبليه الصينيين بأنه قطع رحلته التي تستغرق أكثر من عشر ساعات على الدرجة الاقتصادية وليس على درجة رجال الأعمال، ليكتشفوا لاحقا أن هذا هو دأب السفير الحالي والوزير السابق في ترحاله.
لوك اصطحب معه جو بايدن نائب الرئيس الأميركي في زيارته الأخيرة إلى بكين الشهر الماضي مع ثلاثة من أعضاء وفده إلى أحد المطاعم الشعبية، ولم تتجاوز فاتورة وليمة الرجال الخمسة يومها عشرين دولارا |
بسيط واجتماعي
فقد رفض عرضا لنقله من الدرجة الاقتصادية إلى درجة رجال الأعمال على متن رحلة داخلية من مقاطعة ستشوان غرب الصين إلى العاصمة بكين، كما رفض الخدمات الاستثنائية التي حاولت المضيفة تقديمها له بصفته "رجلا مهما".
وعادة ما يظهر السفير برفقة أسرته متأبطا حقيبة سفر سياحية على ظهره في أزقة بكين القديمة أو في مطاعمها ومقاهيها الشعبية، بل كان قد اصطحب معه جو بايدن نائب الرئيس الأميركي في زيارته الأخيرة إلى بكين الشهر الماضي مع ثلاثة من أعضاء وفده إلى أحد تلك المطاعم الشعبية، ولم تتجاوز فاتورة وليمة الرجال الخمسة يومها في مجملها عشرين دولارا.
اختار السفير لوك أن يكون أول نشاط غير رسمي له هو زيارة معرض خيري لأبناء العمال الصينيين المهاجرين، فذهب برفقة زوجته وأطفاله الثلاثة ذوي السحنة الصينية الذين ذابوا بلباسهم العادي والبسيط جدا في أبناء العمال الصينيين، الأمر الذي استدعى منه التوضيح لبعض الحضور ممن التبس عليهم الأمر فأمسك بيد ابنته قائلا: "إنها ابنتي".
كما اختار أن يوجه أول خطاب له إلى مجموعة من الطلاب الصينيين، حيث أكد لهم علمه بأنهم يتوقعون منه الكثير لتعزيز العلاقات الصينية الأميركية باعتباره أول سفير ينحدر من أصول صينية، وقال إن ذلك ما سيقوم به وما قام به إبان توليه لمنصب محافظ ولاية واشنطن، أو بعد ذلك عندما تولى منصب وزير التجارة.
وأضاف أن سلوكه اليومي الذي أثار كثيرا من اللغط إنما يعبر عن شخصيته الحقيقية وانفتاحه لتحقيق الهدف الذي يصبو إليه، وهو كسر الحواجز وتعزيز الفهم المشترك والثقة المتبادلة بمنتهى الشفافية وفق وصفه.
البعض ذهب إلى حد وصفه "بالرفيق لوك" أو "الرفيق السفير" وبالطبع لم يرق هذا للكثير من وسائل الإعلام الرسمية |
الرفيق السفير
قد يكون السفير الأميركي بسلوكه هذا قد لقي تفهما لدى قطاع واسع من الشعب الصيني، لكن هذا التفهم سرعان ما تحول إلى مرآة ومجال للمقارنة بين سلوك هذا المسؤول الأميركي ونظرائه من المسؤولين الصينيين.
وتطور ذلك إلى جدل واسع على صفحات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، فهناك من رأى في سلوك السفير دروسا في التواضع والانفتاح على الجماهير وعدم التعالي عليهم مقارنة بالتعامل معهم من وراء حجاب، والتوقف عن إهدار المال العام والحرص على أموال دافعي الضرائب.
بل إن البعض ذهب إلى حد وصفه بـ"الرفيق لوك" أو "الرفيق السفير"، وبالطبع لم يرق هذا للكثير من وسائل الإعلام الرسمية، حيث اعتبرت بعض الصحف أنه حظي باهتمام أكثر مما يستحقه منصبه، بينما طالبته أخرى بالتصرف سفيرا، والاهتمام بصلب مهامه لتحقيق أهدافه المرجوة التي جاء من أجلها، وهي دفع وتعزيز العلاقات الصينية الأميركية بدلا من إضاعة الوقت في أن يصنع من نفسه نجما معروفا.
وذهبت بعض الصحف إلى القول إنه من المؤسف اعتبار تصرفات السفير الأميركي مقياسا للنزاهة والشفافية أو نموذجا لسلوك المسؤولين الأميركيين، فقضايا الفساد والبيروقراطية لدى المسؤولين الحكوميين موجودة في كل زمان ومكان.