مصر وآمال الدور العربي

لقاء مكي-القاهرة
يمكن لمن يزور مصر بعد الثورة أن يتلمس وعي الناس هناك للمدى الذي بلغه نظام حسني مبارك في الإساءة لدور مصر العربي، وتحويلها من دولة قائدة إلى أداة للسياسة الأميركية وحتى الإسرائيلية في المنطقة، وهو ما تسبب في تشويه دور مصر ومكانتها العربية.
ومن الصعب أن تجد مصريا يدافع عن سياسة خارجية لبلاده خارج المجال العربي، بل إن كثيرين يرغبون باستعادة مصر زعامتها التقليدية، لكن ممارسة مثل هذا الدور لا تبدو ضمن أولويات المصريين في الوقت الحاضر على الأقل بسبب طغيان الانشغالات المحلية التي تستغرق الجميع وهم يعيشون مرحلة انتقالية وتأسيسية صعبة وحساسة.
ويقول نائب رئيس الوزراء المصري الدكتور يحيى الجمل إن انتماء مصر للأمة العربية ليس اختيارا وإنما هو قدر ومصير، يضاف له امتداد أفريقي.
ويضيف الدكتور الجمل في تصريح خاص للجزيرة نت إن قاعات مجلس الوزراء المصري لم تسمع منذ ثلاثين عاما عبارة الأمة العربية إلا الآن، ويؤكد أن قيادة مصر في مرحلتها الانتقالية تدفع الأمور دفعا في اتجاه الانتماء للأمة.

متغيرات
وربما تؤشر سياسات مصرية مختلفة منذ الثورة إلى انطباعات عامة حول عودة مصر لممارسة دورها التقليدي في إطار العمل العربي، لا سيما فيما يتصل بالقضية الفلسطينية، لكن باحثا مصريا هو الدكتور محمد مجاهد الزيات نائب رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط بالقاهرة لا يتوقع سياسة خارجية "ثورية"، لا الآن ولا في المستقبل، وهو يتوقع انشغالا من قبل أي حكومة مستقبلية بالأوضاع الداخلية المعقدة والمتشعبة، في سبيل حل المشكلات التي تتقدمها المشكلة الاقتصادية، التي ستجعل الشأن الخارجي يأتي في المقام الثاني.
ويضيف الدكتور الزيات أنه مع ذلك يمكن أن تحصل متغيرات هامة على السياسة الخارجية المصرية ولاسيما فيما يتصل بالشأن العربي، ومن أبرز ملامحها الخروج من الدائرة الأميركية والإسرائيلية، وعدم استبدال إيران بإسرائيل، وتجاوز سياسة المحاور المرتبطة أساسا بمصالح غربية.
إن مصر -يقول الزيات- دولة دور، وهي مضطرة لتأدية دورها في المنطقة، لكن التعامل سيكون تدريجيا، وستحتاج مصر إلى اتخاذ مواقف أكثر قوة ووضوحا، لكنها ستقيم علاقات مع كل الأطراف، بما يتيح لها أن تكون مرجعية عربية ووسيطا بين البلدان العربية.
وتبدو توقعات الدكتور الزيات وجيهة مع ما حصل في مصر والمنطقة من متغيرات، لا تجعلنا نتوقع بالطبع أن تعاود مصر ممارسة سياسة إقليمية على الطريقة الناصرية مثلا، فعدا الاتفاقيات الملزمة من أمثال معاهدة السلام مع إسرائيل، وكذلك العلاقات الاقتصادية مع الغرب ومع المؤسسات المالية الدولية، فإن نمط واتجاهات المناخ الثوري في مصر لا تتضمن الكثير مما يتصل بالسياسة الخارجية، ومنها العلاقات العربية.

بعد ثانوي
ولعلنا نضيف أيضا أن عموم الشعب المصري لم ينكر عروبة بلاده، وربما يوافق على دورها القيادي، لكنك لن تجد عند الناس حماسة لهذا الدور، فالبعد العربي لمصر ليس أولوية في الوقت الحاضر في حسابات الرأي العام، ونادرا ما تجد صدى لهذه القضية في وسائل الإعلام المصرية أو الجدل السياسي الحاد بمصر.
ومثل هذا الاستنتاج مفهوم ومتوقع بسبب طبيعة المرحلة الانتقالية الراهنة، لكن تجب الإشارة أيضا إلى أن جيلين أو ثلاثة في مصر كانوا ضحية لعملية امتصاص لزخم الفكرة القومية التي كانت تسود مصر، حيث بدأ الرئيس الراحل أنور السادات عقب كامب ديفيد ومن بعده حسني مبارك محاولات ممنهجة ومنظمة للتقليل من شأن الانتماء العربي لمصر ومحاولة بناء مرجعية فرعونية تارة وأفريقية تارة أخرى بديلا عن المرجعية العربية.
وحتى مع اتخاذ مصر بعد الثورة جملة قرارات ومبادرات، من أبرزها فتح معبر رفح مع غزة ونجاحها في تحقيق المصالحة الفلسطينية، فإن دور مصر يمتد إلى أبعد من ذلك بكثير، ويرتبط بآمال شعبية عربية عريضة تنتظر أن يكون للقاهرة مواقف قوية من القضايا العربية المتعددة والمعقدة.
لكن يبدو أن على هذه الآمال أن تنتظر حتى تستكمل مصر ترتيب أوضاعها الداخلية، وهو ما يؤكده السياسي والإعلامي المصري المخضرم محمد الخولي بقوله للجزيرة نت فيما يتصل بدور بلاده العربي "إن مصر غير جاهزة لهذا الدور الآن".
لكن حتى بعد أن تستقر الأوضاع الداخلية، فان التساؤل الأهم سيكون إلى أي حد يمكن لمصر أن تصل بأداء دورها العربي، وفي أي اتجاه؟