قتلى وجرحى باحتجاجات سوريا
سقط عشرات القتلى والجرحى في احتجاجات عمت عدة مدن ومحافظات في سوريا, في تحد غير مسبوق لنظام حكم الرئيس بشار الأسد, الذي قدم وعودا بالإصلاح تتضمن دراسة رفع حالة الطوارئ ورفع مستوى المعيشة.
وقد اندلعت أعنف الاحتجاجات في مدينة درعا في الجنوب التي تشتعل فيها الاحتجاجات منذ أسبوع, حيث تدخلت قوات الأمن بإطلاق النار والغاز المدمع على حشود ضمت محتجين بالآلاف.
وأضرم المحتجون النار في تمثال للرئيس الراحل حافظ الأسد الذي يحكم ابنه بشار البلاد منذ عام 2000.
ودوت شعارات تطالب بالإصلاح والحريات العامة أثناء تشييع عدد من القتلى الذين سقطوا في درعا يوم الأربعاء، وبلغ عددهم 37 على الأقل عندما هاجمت قوات الأمن مجموعات مطالبة بالديمقراطية في أحد مساجد المدينة.
كما صب المحتجون غضبهم على ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري وقائد الحرس الجمهوري ورامي مخلوف ابن خال الرئيس الذي يملك أنشطة تجارية.
وطبقا لرويترز, فقد دعت الشعارات شقيق الرئيس السوري إلى إرسال قواته لتحرير هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. وتحدثت رويترز وشهود عن إطلاق نار كثيف, بينما هرع المتظاهرون بحثا عن ملاذ آمن.
وقبل صلاة الجمعة في درعا جاب موكب سيارات شوارع المدينة حيث أطلقت أبواقها رافعة صور الرئيس، وكانت هناك أيضا تجمعات مؤيدة للأسد في مناطق أخرى.
ودعا أئمة المساجد في درعا عبر مكبرات الصوت الناس في الصباح لحضور صلاة الجنازة على بعض القتلى المدنيين الذين سقط أغلبهم عندما أطلقت قوات الأمن النار على المتظاهرين في المدينة يوم الأربعاء.
ودعت صفحة على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي تحت عنوان الثورة
السورية إلى التجمع في "جمعة الكرامة" في كل المساجد والمحافظات والميادين الكبرى.
من جهة ثانية, تحدث محمد إبراهيم –وهو شاهد عيان- للجزيرة عن سقوط عشرين قتيلا في بلدة الصنمين القريبة من درعا, فيما تحدث مسؤولون حكوميون لوكالة الصحافة الفرنسية عن سقوط عشرة قتلى فقط.
أما في حماة بوسط البلاد, فقد تدفق المتظاهرون إلى الشوارع عقب صلاة الجمعة وهتفوا بشعارات تطالب بالحرية. وكان الرئيس الراحل حافظ الأسد قد أرسل قواته إلى حماة في 1982 لسحق عناصر جماعة الإخوان المسلمين مما أسفر عن مقتل الآلاف.
وفي دمشق, فرقت قوات الأمن مظاهرة صغيرة واعتقلت العشرات من بين حشد ضم نحو 200 هتفوا بشعارات مؤيدة لدرعا. وتحدث سكان عن مقتل ثلاثة متظاهرين في ضاحية المعظمية القريبة من دمشق, وأشاروا إلى أن قوات الأمن تطوق الضاحية.
كما قالت مصادر متطابقة للجزيرة إن الأمن السوري أغلق مدينة اللاذقية ومنع دخول وخروج السيارات.
وفي التل قال شهود إن نحو ألف شخص احتشدوا في البلدة التي تقع إلى الشمال من العاصمة السورية، وهتفوا بشعارات تصف أقارب للأسد باللصوص.
من ناحية أخرى, دعا المعارض السوري مأمون الحمصي المجتمع الدولي للتدخل لوقف ما وصفه بأنه مذبحة ضد المدنيين يرتكبها نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وعود بالإصلاح
يأتي ذلك رغم تعهد غير مسبوق من الرئيس بشار الأسد بتوسيع الحريات وتحسين مستوى معيشة السوريين ودراسة رفع الطوارئ.
وذكرت رويترز نقلا عن شخصيات المعارضة السورية أن وعود الأسد لا تلبي مطامح الشعب، "ومماثلة لتلك الوعود التي تكررت في مؤتمرات حزب البعث، حيث يتم تشكيل لجان لدراسة إصلاحات لا ترى النور أبدا".
وقالت بثينة شعبان مستشارة الرئيس في مؤتمر صحفي الخميس إن الأسد لم يأمر قوات الأمن بإطلاق النار على المحتجين. وذكرت أن الرئيس سيقدم مشروعات قوانين تمنح حريات لوسائل الإعلام وتسمح بتشكيل حركات سياسية غير حزب البعث.
هادئ تماما
وبدوره, قال وزير الإعلام السوري محسن بلال إن الوضع "هادئ تماما" في جميع أرجاء سوريا. ونقلت إذاعة "كادينا سير" الإسبانية عن بلال قوله "السلام التام يسود المدن السورية، وقد تم اعتقال الإرهابيين".
وأضاف أن "الأحداث التي وقعت الأربعاء في مدينة درعا جنوب سوريا كان وراءها إرهابيون.. وسنكشف قريبا عن هويتهم للعالم كله".
وقد خرج المئات في دمشق بعد صلاة الجمعة في مسيرات بعشرات السيارات تأييداً للرئيس بشار الأسد. وهتف المشاركون في المسيرات للرئيس ولسوريا، بينما كانت المسيرات الآلية تجوب عددا من شوارع العاصمة السورية.
كما تجمع مئات السوريين أمام مكتب الجزيرة في دمشق، وهم يرفعون الأعلام السورية وصور الرئيس السوري.
الموقف الدولي
في هذه الأثناء, قال وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس إنه "يتعين على سوريا أن تحتذي بالنموذج المصري، حيث امتنع الجيش عن إطلاق النار، وساعد الشعب في الإطاحة بحكم الرئيس السابق حسني مبارك".
وقال غيتس الذي يزور إسرائيل "ما تواجهه الحكومة السورية هو في الحقيقة نفس التحديات التي تواجه العديد من الحكومات في أنحاء المنطقة، وهي مظالم شعوبها السياسية والاقتصادية التي لم تتم تلبيتها".
بدوره, أبدى وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك تحفظا تجاه احتمالات حدوث انتفاضة كبيرة في سوريا, وقال "فيما يتعلق بفرص السلام مرة أخرى لا يمكننا أن نصدر حكما في الوقت الراهن بشأن ما إن كانت جيدة أو غير جيدة وهل الوضع مناسب أم لا، لكن الوقت الذي تقرر فيه الحكومة السورية أنها منفتحة على بحث التفاوض معنا فإننا سنكون منفتحين".
وأضاف "أعتقد أن هذا الموقف المختلف لا يخلق فقط مخاطر وتحديات وإنما فرصة أيضا، ويجب أن نتحلى باليقظة حتى نتمكن من انتهاز هذه الفرص عندما تلوح بدلا من تركها تفلت من أيدينا ونواجه حالات غموض ناجمة عن فوضى أعمق في الشرق الأوسط".
وفي باريس دعا المتحدث باسم الخارجية الفرنسية سوريا إلى إصلاحات حقيقية وسريعة, وأشار إلى ضرورة رفع حالة الطوارئ, موضحا أن فرنسا أخذت علما بوعود الإصلاح التي أعلنت أمس الخميس.
أما في تركيا, فقد دعت الخارجية حكومة سوريا إلى الوفاء بوعود الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في أسرع وقت ممكن.
وأعربت وزارة الخارجية التركية عن أسفها لسقوط ضحايا بسبب العنف الآخذ في الانتشار في أنحاء جارتها الجنوبية الشرقية، ودعت العائلات التي سقط منها ضحايا إلى الهدوء.
تعتيم إعلامي
على صعيد آخر, ذكر مراسل الجزيرة في درعا المعتز بالله حسن أن قوات الأمن منعت وسائل الإعلام من دخول المدينة، وطلبت منهم العودة إلى العاصمة دمشق وعدم الرجوع إلى درعا، وأرفقت موكبهم بسيارتين أمنيتين إحداهما في مقدمة الموكب والثانية في مؤخرته.
وأوضح أن السلطات احتجت بأن سبب المنع هو للحفاظ على سلامة الصحفيين، وطلبت منهم إحضار موافقة خطية من وزارة الإعلام كي يسمح لهم بدخول المدينة، رغم أن يوم الجمعة يعتبر عطلة رسمية لكافة الدوائر الحكومية.