دعوات لبوتفليقة لإنقاذ الإصلاحات

هشام موفق-الجزائر
لم يكد البرلمان الجزائري ينتهي من المصادقة على مشاريع قوانين عضوية مقترحة، حتى اندلعت بين أعضائه حرب تصريحات، تتهم فيها المعارضةُ أحزابَ الموالاة بتمييع الإصلاحات السياسية، داعية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للتدخل من أجل إنقاذها.
وقد توالت هذه الدعوات من أحزاب من تيارات فكرية مختلفة، ففي الوقت الذي يدعو فيه الإسلاميون الرئيس إلى تحمل مسؤولياته، يجدد الاشتراكيون المطالبة بتشكيل مجلس تأسيسي وانتخابات مسبقة "تنهي مظاهر الفساد".
وكان بوتفليقة قد وعد في خطاب 15 أبريل/نيسان الماضي بإجراء إصلاحات عميقة، وشكل لجنة لإدارة "مشاورات" مع الطبقة السياسية وفعاليات من المجتمع المدني، إلا أن شخصيات وطنية "من الوزن الكبير" قد قاطعت تلك الجلسات.
وبعد انتهاء عمل اللجنة ورفع تقريرها النهائي، بدأت الحكومة تعدّ حزمة "قوانين الإصلاح"، وقالت إن مضمونها جاء تلبية لما تمخضت عنه هذه المشاورات.
وكان رئيس الجمهورية أمام خيارين، إما التشريع بمراسيم بين دورتيْ البرلمان، كما يخوله الدستور، أو إحالة هذه القوانين على الهيئة التشريعية. وقد اختار الطريق الثاني.
لكن بعض الأحزاب كان ضد هذه الخطوة، بحكم أن البرلمان يسيطر عليه حزبا جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، بشكل أثار تخوفات من فرض خياراتهما السياسية في مشاريع القوانين المعروضة للتصويت. وهو ما حدث بالفعل، حسب هذه الأحزاب.

دعوات
وترى هذه الأحزاب أن الحزبين قد التفا على مشاريع قوانين الإصلاح وميّعاها بما يخدم مصالحهما فقط، بحكم أنهما يمثلان الأغلبية في المجلس الشعبي الوطني (البرلمان).
وتستدل هذه الأحزاب بمجموعة التعديلات التي اقترحتها على مواد مختلف القوانين، لكن نواب الحزبين أسقطوها عند التصويت "بما يخدم مصالحهما".
وقال النائب عن حزب النهضة (إسلامي معارض) امحمد حديبي للجزيرة نت إن حزبيْ "جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي هما المستفيدان من المرحلة السابقة، وقد صار تعاظم نفوذهما خطرا على البلاد، وعليه ندعو رئيس الجمهورية -لما يملكه من صلاحيات دستورية- إلى التدخل من أجل إنقاذ الإصلاحات".
وحسب حديبي، فإن أول خطوة على الرئيس القيام بها هي تجميد هذه القوانين، وحلّ الحكومة الحالية "الفاشلة"، ثم الذهاب إلى تشكيل "حكومة كفاءات" للتحضير للانتخابات المقبلة عام 2012.
وحتى حزب حركة مجتمع السلم (حمس) الإسلامي المشارك في السلطة، انتقد شريكيْه في التحالف الرئاسي دون ذكرهما، وحمّلهما مسؤولية مآل الإصلاحات. وجاء في بيان نشره الحزب على موقعه بالإنترنت إن "تدني سقف الإصلاحات وتحزيبها ضيّق هوامش الحريات وأسرف في الإحالة على التنظيم".
ودعا حزب حمس الرئيس بوتفليقة إلى تحمل مسؤوليته وإنقاذه إصلاحاته "بعرضها على الاستفتاء الشعبي، لرد الأمل إلى المنتظرين لثمرات هذه الإصلاحات وانعكاساتها على السلم والأمن والتنمية الوطنية".

قراءة ثانية
من جانبها، لم تترك الأمينة العامة لحزب العمال (اشتراكي معارض) لويزة حنون مناسبة إلا وفتحت فيها نيرانها على حزب جبهة التحرير، واصفة إياه بـ"الحاجز أمام التجدد السياسي" في الجزائر.
وكشفت حنون -في ندوة صحفية- عن لقاء لها مع الرئيس بوتفليقة الشهر الماضي، أطلعته فيه على "المخاطر التي تهدد الإصلاحات التي أجهضت وأفرغت من محتواها"، محمّلة نواب حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وكتلة الأحرار في البرلمان مسؤولية ""الإجهاض"".
وقالت حنون إن "الرئيس بوتفليقة أخبرها أنه لا يستبعد قراءة ثانية لمشاريع قوانين الإصلاح السياسي".
وتطلب حنون من بوتفليقة حل البرلمان، وقالت في إحدى ندواتها الصحفية بالعاصمة إن "دواعي حل الغرفة السفلى للبرلمان ماثلة وبقوة، وفي مقدمتها غياب الدور الرقابي لهذه المؤسسة غير التمثيلية".
ويدعو حزب العمال إلى إنشاء مجلس تأسيسي "يجسد السيادة الشعبية ويؤسس لدولة ديمقراطية فعلية ويسهر على صياغة دستور جديد للبلاد".

مخاوف
ويرى الكاتب والمحلل السياسي عبد الرزاق بوالقمح أن "مخاوف هذه الأحزاب تتعدى مسألة رفض تعديلاتها ومشاركتها في الصياغة النهائية للقوانين، لأن ذلك كان متوقعا منذ البداية بحكم هيمنة أحزاب التحالف على البرلمان".
وأضاف للجزيرة نت أن "هذه الأحزاب تعترض على الطريقة التي اتخذها مسار الإصلاح منذ البداية، فضلا عن خوفها على مستقبلها السياسي في ظل مؤشرات عن فتح الاعتماد لأحزاب جديدة، مما سيؤدي حتما لإحداث تغييرات في الخارطة السياسية الوطنية".
وتابع قائلا إن "أحزاب التحالف استغلت وجودها في البرلمان لحماية مكانتها السياسية مستقبلا، في حين وجدت الأحزاب الأقل تمثيلا نفسها مجبرة على مسايرة هذه العملية".
ويعتقد بوالقمح أن المطالبة بقراءة ثانية لقوانين الإصلاح "أمر مستبعد"، لأن "الرئيس لو أراد تمرير القوانين كما هي فإن له ذلك عبر مراسيم، ولكنه يرفض تحمل هذه المسؤولية وحده لذلك أشرك البرلمان في ذك، فضلا عن أن القوانين كما جاءت من الحكومة لم يتغير جوهرها بشكل يجعل هذا الخيار مطروحا".