منع عودة "الإنقاذ" الجزائرية بقانون

هشام موفق-الجزائر
أغلق المجلس الشعبي الجزائري (الغرفة السفلى في البرلمان) الباب أمام عودة وجوه حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظور إلى العمل السياسي بعدما صوت أعضاؤه أول أمس بأغلبية على قانون الأحزاب الجديد، الذي يحوي مادة تمنعهم من تأسيس الأحزاب، مما أثار انتقادات وجعل الحزب المحظور يهدّد بمقاضاة النظام الجزائري "لدى الهيئات الدولية المختصة".
وتنصّ المادة الرابعة المعدلة من طرف لجنة الشؤون القانونية بالبرلمان على "منع تأسيس حزب سياسي أو المشاركة في تأسيسه أو في هيئاته المسيّرة على كل شخص مسؤول عن استغلال الدين الذي أفضى إلى المأساة الوطنية".
وجاء في إحدى فقرات المادة أنه "يمنع من هذا الحق كل من شارك في أعمال إرهابية أو في تنفيذ سياسة تدعو للعنف والتخريب ضد الأمة ومؤسسات الدولة".
لكن المتعاطفين مع الحزب الجزائري المحظور يمكن لهم الانخراط في الأحزاب دون تأسيسها.
وكان وزير الداخلية والجماعات المحلية دحو ولد قابلية قد قال خلال عرضه المشروع على اللجنة القانونية للبرلمان إن أحكامه "تسعى لضمان حرية إنشاء الأحزاب السياسية في إطار القانون والتعبير الحر عن آرائها ومشروعها وحرية نشاطاتها شريطة ألا تستغل هذه الحرية في إنشاء حزب قد تم حله"، في تلميح إلى جبهة الإنقاذ المنحلة.
وتحمّل السلطات الجزائرية حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ مسؤولية الأحداث الدموية التي شهدتها الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي، والمترتبة عن توقيف مسار الانتخابات نهاية عام 1991، وهي انتخابات فازت بها الجبهة.

مقاضاة النظام
ورفض الحزب المعني قانون الأحزاب الجديد، واعتبره "خرقا صارخا لحقوق الإنسان وانتهاكا للأعراف والمواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق السياسية والمدنية"، مهددا باللجوء إلى المحاكم الدولية المختصة لمقاضاة النظام الجزائري.
وجاء في بيان وقعه رئيس الجبهة عباسي مدني المقيم بالعاصمة القطرية الدوحة أن "النظام يصرّ مرة أخرى على استفزاز مشاعر الجزائريين بسنّ قوانين وتشريعات جائرة ظالمة، يجدد من خلالها اعتداءه الصارخ على الإرادة الشعبية، بمحاولة ترسيم إقصاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ وحرمان إطاراتها من ممارسة حقهم الطبيعي والمشروع في الممارسة السياسية، واغتصاب حقوقهم السياسية والمدنية".
ومن جانبه رفض الرجل الثاني في الجبهة علي بلحاج القانون، وانتقده بشده في إحدى كلماته التي يعكف على إلقائها بأحد مساجد العاصمة كل يوم جمعة.
واعتصم بلحاج أمام البرلمان الجزائري يوم التصويت على القانون، إلا أن مصالح الأمن اعتقلته رفقة أخيه عبد الحميد، حسب ما ورد في مواقع إلكترونية معارضة.
رفض إسلامي
وأقرت ما تعرف بأحزاب الموالاة القانون وأيدته، إلا أن الأحزاب الإسلامية صوتت ضده. وصوّت نواب حركة مجتمع السلم (حمس) ضد المشروع وقال رئيس الكتلة النيابية نعمان لعور للجزيرة نت "إننا ندعو إلى أن يكون المنع عن طريق القضاء، وليس بقانون نسنّه".
وأضاف "اقترحنا أن تكون الصياغة: الاستغلال السيئ للدين وليس استغلال الدين، أما المادة كما هي فنراها غير معقولة بتاتا، لأن المفروض أن يعمل الجميع لتثبيت الدين في هذه البلاد".
أما حزب النهضة المعارض فيرى أن هذه المادة "مقيدة للحريات"، وقال رئيس كتلتها البرلمانية علي حفظ الله إن "قانون الأحزاب في مجمله مقيد للحريات، خاصة هذه المادة الرابعة". وانتقد حفظ الله تخصيص مسألة استغلال الدين، وغض الطرف عمن يستغل العرق واللغة في ممارساته السياسية.
ومن جانبه، قال الأمين العام لحركة الإصلاح الوطني حملاوي عكوشي إنه لا توجد أحزاب دينية بل هناك أحزاب مدنية. وأضاف للجزيرة نت رأينا في مجلس الوزراء من دافع عن عودة جبهة الإنقاذ لإرساء "المصالحة الحقيقية وليس الشكلية، فتمنينا أن نجد في البرلمان من يدافع عن ذلك، ونحن دافعنا بخروج نوابنا أثناء التصويت".
وتسرب من اجتماع مجلس الوزراء منتصف شهر سبتمبر/أيلول الماضي أن خلافا وقع بين الوزراء بشأن هذه المادة، ففي الوقت الذي عارض يزيد زرهوني نائب الوزير الأول ووزيرة الثقافة خليدة تومي عودة الحزب المحظور، دافع وزير العلاقات بالبرلمان محمود خوذري عن السماح لجبهة الإنقاذ بالممارسة السياسية، وسانده في طرحه الممثل الشخصي للرئيس عبد العزيز بلخادم.

خرق الدستور
لكن الكاتب والمحلل السياسي مراد أوعباس يرى أن القانون "يخرق الدستور ويمس بالحريات العامة والفردية". وقال في تصريح للجزيرة نت إن "التعميم الذي جاء في المادة الرابعة يعتبر عقابا جماعيا".
وأضاف إنْ كان هناك من إجراء تتوافق عليه المجموعة الوطنية فلا بد أن يصدر من العدالة ولمدة زمنية محددة، كما على السلطة أن تنشُر أسماء من استغلوا الدّين، دون تعميم حرمان مناضلي هذا الحزب أو ذاك من العمل السياسي.
وتابع "لاحظنا أن هناك شخصيات سياسية ونقابية معروفة كان لها دور بارز في تأجيج الأزمة خلال المأساة الوطنية، لكنها لم تُمنع".
ومن جانبه قال الباحث في شؤون الحركات الإسلامية مصطفى فرحات إن المأساة الوطنية التي ذهب ضحيتها جزائريون يتحمل مسؤوليتها أطراف كثيرة، وليس فقط من "استغل الدين" لأغراض سياسية.
وأضاف "المأساة يتحملها الحزب المحظور كما تتحملها السلطة، وبالتالي تخصيص جهة دون أخرى فيه إجحاف وظلم".
ويعتقد فرحات أن الأزمة بالجزائر تتجاوز الآن بأبعادها الدولية بقايا مناضلي الجبهة كما تتجاوز الأحداث المأساوية التي وقعت في تلك الفترة، موضحا أن المرحلة "تتطلب إرادة سياسية حقيقية لجعل المشهد السياسي أكثر حرية وديمقراطية واحتراما للإنسان"، حسب تعبيره.
مادة مبررة
لكن رئيس الهيئة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان (التابعة لرئاسة الجمهورية) المستشار فاروق قسنطيني، نفى أن تكون هذه المادة غير قانونية، وقال للجزيرة نت إن هذه التدابير الموجودة في المادة الرابعة من قانون الأحزاب قد أشار إليها ميثاق السلم والمصالحة الوطنية (الذي استفتي عليه يوم 29 سبتمبر/أيلول 2005)".
وأضاف قسنطيني "هذا الميثاق صار قانونا وضعيا بعدما وافق عليه الشعب، وبالتالي المادة الرابعة من هذا القانون قد صارت مبررة".