الفلوجة ترقب الانسحاب الأميركي بألم

ترقب مدينة الفلوجة -التي صب عليها الجيش الأميركي أطنانا من الأسلحة في معركتين مدمرتين عام 2004- انسحاب الجيش الأميركي نهاية العام بألم كبير، لما عانته من دمار وغضب عارم لما حل بسكانها من تنكيل.
واستخدمت القوات الأميركية الطائرات المقاتلة والمروحيات والدبابات وأنواعا من الأسلحة، من ضمنها الفوسفور الأبيض لسحق المدينة التي كانت تعتبر آنذاك مأوى لكثير من الجماعات المسلحة المناوئة للغزو الأميركي.
ويقول سكان محليون وعاملون في منظمات المجتمع المدني إن أعداد القتلى الذين سقطوا في تينك المعركتين تجاوزت 4500 شخص، إضافة إلى تهجير آلاف من الأسَر بسبب شدة وقسوة المعارك.
وتحفل ذاكرة العديد من أهالي المدينة بذكريات وقصص مؤلمة عن استخدام القوات الأميركية لأسلحة مهلكة مثل الفسفور الأبيض تسببت في قتل آلاف من السكان، بل تلويث بيئة المدينة مما أدى لظهور أمراض جينية وتشوهات خلقية للمواليد لم يألفها الأهالي قبل عام 2004.

تشوه المواليد
يقول عامر حسين (من سكان الفلوجة) إنه لم يبق أمامه وزوجته من خيار بعد أن رزقا بطفلين معاقين إلا التوقف عن الإنجاب ولعن حظهما العاثر لأنهما "تزوجا في المكان والزمان الخطأ".
ولا يختلف حال حسين وزوجته عن كثير من الأزواج يعاني أطفالهم في الفلوجة اليوم من عاهات وتشوهات خلقية، وخاصة أولئك الذين ولدوا بعد عام 2005.
وأكد أطباء يعملون في مستشفى الفلوجة أن أعداد الأطفال حديثي الولادة الذين يعانون من تشوهات خلقية بدأ بالازدياد بشكل ملحوظ ابتداء من عام 2005.
وتقول طبيبة الأطفال المتخصصة بأمراض التشوهات الخلقية سميرة العاني التي تعمل في مستشفى الفلوجة منذ عام 1997 "قبل الحرب كنا نستقبل حالتين أو ثلاث حالات من التشوهات الخلقية لحديثي الولادة في الأسبوع"، أما الآن "ففي يوم واحد فقط وهو 11 أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام فقد استلمنا 11 حالة من التشوهات الخلقية المختلفة لأطفال حديثي الولادة".
ويعزو سكان ومسؤولون وأطباء محليون السبب في التلوث البيئي الذي باتت تعاني منه الفلوجة إلى ما ألقي عليها من أسلحة وذخائر بكميات كبيرة، استخدمتها القوات الأميركية عام 2004 لهزيمة التمرد الذي مثل آنذاك إحدى صور المقاومة العراقية ضد الوجود العسكري الأميركي في العراق.
اختلاف
وكان الجيش الأميركي قد اعترف عام 2005 باستخدام الفسفور الأبيض في الفلوجة، لكنه قال إنه استخدم هذا النوع من السلاح على نطاق ضيق ضد المسلحين وليس ضد المدنيين، لكن تلك التصريحات لم تجد آذانا صاغية لدى أهالي الفلوجة.

وفي أبريل/نيسان شهد البرلمان العراقي مناقشات طالب فيها بعض النواب باعتبار ما حدث في الفلوجة عام 2004 إبادة جماعية، لكن تلك الدعوات سرعان ما أُجهضت بسبب صراعات سياسية حاولت تسييس القضية.
ومع بدء الانسحاب الأميركي من العراق طالب العديد من أهالي الفلوجة ساستهم بالعمل على إيجاد وسيلة لحمل الجيش الأميركي على دفع تعويضات، لكن هذه الدعوات لم ترق للكثير من أهالي المدينة الذين رأوا أن الخلاص الحقيقي هو فقط بالانسحاب الأميركي من العراق.
وقال عبد الخالق "أسمع بعض الناس هنا يتحدثون عن التعويض، ماذا يمكن أن يعوضونا، هل يفيد التعويض مع أناس فقدوا أحباءهم أو أولادهم أو آباءهم، لا نريد منهم شيئا فقط ليرحلوا".
لكن ما قاله عبد الخالق أغضب عبد الله محمد الذي كان يجلس بجانبه في المقهى، وقال محمد (45 عاما) وهو يعمل خياطا "كيف يخرجون دون تعويض. هم قالوا نحن جئنا لتخليصكم من الظلم لكنهم دمروا بلدنا والآن يريدون أن يخرجوا هكذا ببساطة، يقولون سلام عليكم ويخرجون، هل هذا معقول؟!".
وأضاف "ما فعله الأميركان بالفلوجة لا يمكن أن ينسى، يجب أن يعوضوا الناس ويعوضوا المدينة".
وكان الجيش الأميركي والحكومة العراقية قد شكلا عام 2004 لجنة لتعويض المدينة والأهالي المتضررين من المعارك، وقال مضعن فوزي عضو اللجنة "التعويضات التي صرفت للمواطنين كانت معقولة، أما ما صرف لإعادة تأهيل البنى التحتية التي دمرت بسبب المعركتين فلم يكن يتناسب وحجم الأضرار".
وهكذا تبقى الفلوجة أياما قبل الانسحاب الأميركي من العراق وهي تنظر إلى رحيل الغازي بتمزق بين الشعور بالفرح باختفاء الأميركان والشعور بالألم والغضب لرحيلهم دون تعويض ما دمروه.