سلفيو مصر.. السياسة لخدمة الدعوة


نشر المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات ورقة تقييمِ حالة للباحثة المصريّة أميمة عبد اللّطيف، تسلّط الضّوء على خريطة أحزاب مصر ما بعد حسني مبارك، مركّزةً على التيّار السلفيّ.
وفي ورقتها: "السّلفيّون في مصر والسّياسة"، تنطلق الباحثة من المفاجأة التي أثارتها النّتائج التي حقّقتها الأحزاب السلفيّة، يتقدمها حزب النّور، في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانيّة، محاولةً الإجابة عن تساؤلاتٍ مثل: ماهيّة هذه الأحزاب؟ وبرامجها ورؤيتها المجتمعيّة؟
وترصد الورقة خريطة الأحزاب ذات المرجعيّة السلفيّة، وتحاول مقاربة تأثير دخول التيّار السّلفيّ على المشهد السياسيّ في مستقبل عمليّة التّحوّل الدّيمقراطيّ.
ظهور قوي
وتشير إلى أنّ الظّهور القويّ للجماعات السلفيّة واحتلالها مساحةً من النّقاش العامّ، أحد التطوّرات اللافتة فيما بعد ثورة 25 يناير، حيث برزت مكوّنات التيّار السلفيّ بالحضور المتواتر لعددٍ من شيوخها ودعاتها ضيوفًا على برامج الفضائيّات على اختلافها، بعد أن اقتصر حضورهم على فضائيّات يملكونها، أو محسوبة على تيّارهم.
كما برزت تّنظيمات مؤطّرة منها "ائتلاف دعم المسلمين الجدد"، وتّنظيمات مرجعيتها السلفيّة ظهرت حديثا ردّا على حوادث أشيع فيها أن مسيحيّات أعلن إسلامهنّ، فسلمتهن الدّولة للكنيسة (وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة مثلًا).
السلفيون اتُّهموا بكونهم المحرّك والدّافع الأساسيّ لحوادث ذات بعد طائفيّ |
لكن وجودهم تكثّف في موضوعين هما الاستفتاء على التّعديلات الدستوريّة، ومستقبل النّظام السياسيّ.
وتكشف الورقة أنّ السلفيّين اصطدموا بأكثر من فصيلٍ سياسيٍّ ومجتمعيٍّ بعد ثورة 25 يناير، وأثار دخولُهم المشهد السياسيّ، وإبداؤُهم الرّأي في القضايا السياسيّة، جدلا مجتمعيًّا وإعلاميًّا واسعًا، ولا سيّما بعد أن اتُّهموا بكونهم المحرّك والدّافع الأساسيّ لحوادث ذات بعد طائفيّ كمحاولة تطبيق الحدود، والتّحريض على المظاهرات في "قنا" ضدّ تعيين محافظ قبطيّ، والاستيلاء على مساجد تابعة لوزارة الأوقاف والخطابة فيها، وإن لم يثبت ذلك بالدّليل القاطع.
كما تذهب إلى أنّ السّلفيّين بعد تعرّضهم للقمع والتّهميش في ظلّ النّظام السّابق يعتبرون عودتهم بمثابة "رجوع للحقّ"، ولا سيّما أنّهم -بحسب أحد قياداتهم- "شاركوا في الثّورة ولم ينفكّوا عنها منذ أوّل يوم، بل كانوا موجودين في مداخل ميدان التّحرير ومخارجه، لحماية الثّورة والدّفاع عنها".
وتنقل الورقة تفسيرات محللين يعزون بروز الحركات السلفيّة إلى القمعٍ الشديد الذي طالها سابقا، والسّيولة السياسيّة بعد ثورة 25 يناير، و"ضعف الدّولة وغيابها".
كما يفسّرون انعدام خبرتهم السياسيّة بعدم اشتغالهم بالشّأن العامّ بسبب القمع الذي مورس ضدّهم، وهم وإنْ مثلوا جماعة ضغطٍ سياسيّة كبيرةً، وقوّة تصويتيّةً مهمّةً، فإنه لا مستقبل سياسيا لهم.
خطر
في المقابل يرى آخرون صعود السّلفيّين "ظاهرة مقلقة" نظرًا لإمكانيّة تأثيرهم في ثلث الشّعب.
وتشير الورقة إلى أنّ أعضاء في ائتلاف شباب الثّورة يعتبرون السلفيّين "الخطر الحقيقيّ" على الثّورة، ودعوْا إلى اجتماعٍ يناقش تأثير تحرّكاتهم الأخيرة، وكيفيّة مواجهتها، أو الحدّ من تأثيرها.
وتنطلق هذه النّظرة من أنّ مطالب السّلفيّين ليست في صميم القضيّة الوطنيّة، وأنّه رغم تفهّم القمع والظّلم اللّذيْن عانوا منهما، فإن ما لا يمكن تفهّمه هو إصرارهم المستمرّ على زيادة التوتّر الطائفيّ في مرحلة حسّاسة. في السياق ذاته يرى فريق آخر في ائتلاف شباب الثّورة أنّ السلفيّين "صناعة النّظام السّابق"، ووجودهم في السّاحة السياسيّة يهدّد التّحوّل الدّيمقراطيّ، بسبب مرجعيّتهم "المتشدّدة".
واعتبر أحد ناشطي ائتلاف ثورة 25 يناير أنّ القلق من صعود السّلفيّين، يكمن في أنّ حركتهم "مجموعات متفرّقة ليس لها رأس أو قائد واحد".
من هم
تقدّم الباحثة وصفًا شاملا للتيّار وتصنيفاته ورموزه ومواقف تيّاراته تجاه الأحداث، وتبرز العوامل التي جعلته يقتحم العمل السياسيّ فجأة بعدما كان من دعاة الابتعاد عن الشّأن العامّ.
أهمّ إيجابيّة في تحوّل الخطاب السلفيّ إلى الميدان تبنّيه الخيار السلميّ للتّغيير |
وتشير إلى أنّ الشّيخ الدّكتور محمد يسري الأمين العامّ للهيئة الشرعيّة للحقوق والإصلاح، يصنّف السلفيّين والحركات السّلفيّة إلى ثلاث فئاتٍ:
-جماعات منظّمة ومرخّصة، تتقدمها "أنصار السنّة المحمّديّة".
-جماعات منظّمة غير مرخّصة، كـ"الدّعوة السّلفيّة" في الإسكندرية، وغيرها من جماعات منسوبة إلى مشايخ أو متبوعين من أهل العلم، لهم تلاميذهم وجمهورهم ونشاطهم، ويعملون بشكلٍ جماعيٍّ منظّم.
-جماعة منظّمة تُعدّ في قاعدتها الأولى وأصولها الأساسيّة جماعةً سلفيّة، تحتكم إلى الكتاب والسّنّة، وليست منتسبةً إلى فرقةٍ كلاميّةٍ، ولا طائفةٍ مسلكيّةٍ، وإن وجد فيها من يُنسب إلى المتكلّمين أو المتصوّفين، على رأسها الدّكتور محمّد المختار المهديّ الذي سبقه في رئاستها وقيادتها عددٌ من كبار العلماء المعروفين.
نشر الدّعوة
وترى الباحثة أنّ الهدف النّهائيّ للحركات السلفيّة من الاشتغال بالسّياسة نشر الدّعوة، والعمل السياسيّ ليس سوى "وسيلة من وسائل الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر في قطاعاتٍ كبيرةٍ ذات تأثيرٍ في المجتمع".
لكنّ ثمة رأيا مفاده أنّ ممارسة الحركات السلفيّة العمل السياسيّ من شأنها تقليل راديكاليّتها وجعلها أقرب إلى الواقعيّة السّياسيّة بحكم الاحتكاك بالجماهير، لينتهي بها الأمر بتسييس الدّين بدل "تديين السّياسة" أي غلبة السّياسيّ على الدينيّ، إن هم أرادوا المنافسة السّياسيّة، والاحتكام إلى قواعد اللّعبة السياسيّة.
ورأى الكاتب الإسلاميّ فهمي هويدي أنّ أهمّ إيجابيّة في تحوّل الخطاب السلفيّ إلى الميدان تبنّيه الخيار السلميّ للتّغيير.