المقاومة العراقية وأقنعة الاحتلال

غادرت آخر قافلة من الجنود الأميركيين العراقَ فجراً الى الكويت فأنهت رسمياً انسحابها من هناك بعد تسع سنوات من الحرب والاحتلال. وكان عدد القوات قد وصل في ذروة الحرب في العراق إلى نحو مئة وسبعين ألف جندي. ومع اعلان واشنطن سحب قواتها من العراق، يبقى فيه آلاف من تلك القوات تحت مسميات مختلفة أبرزها التدريب ومساعدة القوات العراقية.

القوات الأميركية تعرضت بالعراق لخسائر لافتة على أيدي المقاومة (الجزيرة)

الجزيرة نت-بغداد


بعد رحيل القوات الأميركية، بدأ باحثون ومراقبون في العراق يطرحون تقييما للمقاومة ودورها. كما تطرح تساؤلات بشأن مصير تلك المقاومة ودورها في العملية السياسية.

وفي هذا السياق، يرى مراقبون وباحثون أن المقاومة العراقية مرت بكثير من التحديات والمتغيرات على مدى سنوات الاحتلال، وأنها أجبرت قوات الاحتلال الأميركي منذ السنة الأولى على الاختفاء خلف وجوه عراقية لتخفيف الضغط عن قواته.

وكانت العملية الأولى ضد الاحتلال الأميركي قد جرت في العاشر من أبريل/نيسان بمنطقة العامرية غرب بغداد، وأدت لمقتل جنديين أميركيين.

ويقول الخبير في شؤون الجماعات المسلحة والقيادي بتنظيم القاعدة سابقاً ناظم الجبوري إن الضغط الكبير وغير المتوقع من قبل المقاومة فرض على الأميركيين أن يختفوا مع ما حملوه من مشروع خلف وجوه عراقية لتخفيف الضغط عن قواتهم.

أما النتيجة الإيجابية الأخرى برأيه فهي أن المقاومة ساهمت إلى حد كبير في تأخير المشروع الإيراني "الذي كان جل غاياته أن يتخذ من العراق حديقة خلفية لتنفيذ مشاريعه".

ناظم الجبوري: المقاومة العراقية لم تلقَ أي دعم من أي دولة بشكل فعلي (الجزيرة نت)
ناظم الجبوري: المقاومة العراقية لم تلقَ أي دعم من أي دولة بشكل فعلي (الجزيرة نت)

عدوّان رئيسيان
ويشير الجبوري إلى أنه بعد دخول إيران على الخط أصبحت المقاومة العراقية تواجه عدوا ثانيا بخلاف الأميركي، "حيث تواجدت إيران من خلال مليشيات وجماعات خاصة تحمل مشروعا تهجيريا وطائفيا وتغييرا ديمغرافيا، مما فرض على المقاومة وحواضنها أعباء أخرى هي الوقوف بوجه مشروع الأميركيين والإيرانيين، حسب قوله.

إعلان

ويرى الخبير في شؤون الجماعات المسلحة أيضا أن المقاومة ساهمت بنزيف آلاف من جنود الولايات المتحدة موتا وجرحاً، بالإضافة إلى مليارات الدولارات من الإنفاق الذي تسبب بمشاكل اقتصادية كبرى لن تتعافى منه أميركا إلا بعد سنين طويلة.

وينبه الجبوري إلى أن المقاومة العراقية لم تلق أي دعم من أي دولة بشكل فعلي وحقيقي، "وكانت إمكانياتها متواضعة ومحلية، إلا أنها تمكنت من كسر هيبة الولايات المتحدة وجيشها، وتركت أميركا تفكر ألف مرة قبل أن تقوم بأي عمل مشابه لما جرى بالعراق".

ويرى الجبوري أن المقاومة لا زالت تحتفظ بسلاحها ولديها قواعدها الجماهيرية ومن الممكن أن تجرب حظها في تحقيق مشروع.

تكاتف الجهود
كما ترى القيادة العامة للقوات المسلحة، وهي إحدى فصائل المقاومة أن "العراق المحرر يقف اليوم على عتبة مرحلة مهمة ودقيقة ونقطة تحول إستراتيجية واستحقاقات وطنية، يقع بمقدمتها بناء دولة مدنية حديثة وإعادة كتابة الدستور وإقامة نظام وطني يحقق العدل والمساواة ويحافظ على الوحدة الوطنية ويصون كرامة الإنسان ويمنع الإقصاء والتهميش".

مهند العزاوي:
الحكومة والكيانات المشاركة في العملية السياسية تحاول سرقة جهد وإنجاز المقاومة في تحرير العراق
"

وتشدد القيادة العامة في بيان على ضرورة "مطالبة دول الغزو والاحتلال الأميركي والبريطاني ومن شاركهم بالتعويضات المادية والمعنوية لدولة العراق والعراقيين".

ودعت القيادة العامة "لتكاتف الجهود الوطنية للنهوض بالمشروع الوطني نحو غد مشرق، وتطهير البلاد من تداعيات الاحتلال مع اعتماد لغة التسامح والحوار".

سرقة جهد المقاومة
من جهته يرى د. مهند العزاوي الخبير العسكري والأمني العراقي أن الحكومة والكيانات المشاركة في العملية السياسية تحاول سرقة جهد وإنجاز المقاومة في تحرير العراق، ويقول -للجزيرة نت- إن "محاولة الحكومة جعل الانسحاب الأميركي إنجازاً لها مجاف للحقيقة".

ويضيف "اليوم بعد جلاء الاحتلال لا بد للحكومة من اللجوء لإستراتيجية مسؤولة ووضع خارطة طريق تعترف أولاً بدور المقاومة بمواجهة الاحتلال، وثانيا الاستفادة من عناصر المقاومة بالسيطرة على التردي الأمني، وإعادة بناء البلد".

ويستدرك العزاوي قائلا "إلا أن هذا الاحتمال بعيد عن الحكومة". ويعتبر أن المقاومة تحتاج إلى إعادة رسم الخارطة، لا سيما وأن هدفها الرئيسي بطرد الاحتلال قد تحقق بنجاح. ويعتقد أن المقاومة الآن ستكون عنصر توازن وفعال في  استقرار العراق الأمني والسياسي.

كما يرى المستشار بالمركز العراقي للدراسات الإستراتيجية يحيى الكبيسي أن  الجماعات المسلحة التي قاومت الاحتلال أجبرت قياداتها على تغيير إستراتيجيتها لأكثر من مرة.

إعلان

ويشير إلى اعتراف الرئيس الأميركي باراك أوباما بخطابه الأخير بأن  ثلث القوات الأميركية بالعراق قد أصيبت إصابات مباشرة. كما يشير إلى أن بعض الجماعات المسلحة -التي اندمج أغلبها بالقوات الأمنية- "قد ساهمت في أعمال القتل خلال الحرب الطائفية في 2006 و2007.

ويرى أيضا أن جيش المهدي كانت له تحولات سياسية عديدة، فمن مواجهة الاحتلال في النجف عام 2004 تحول إلى مواجهة الدولة عام 2008 ثم تحول إلى العملية السياسية بعد ذلك.

المصدر : الجزيرة

إعلان