مؤتمر حول الإسلام في أوروبا

نصر الدين الدجبي-ليدن
انطلق بحضور أكاديميين مختصين بجامعة ليدن الهولندية مؤتمر علمي تحت "عنوان الإسلام في أوروبا بين الحربين العالميتين"، يسلط الضوء على حقبة ظلت إلى وقت قريب مجهولة أو متجاهلة، كما يقول القائمون على المؤتمر.
ويشارك في تنظيم هذا المؤتمر العلمي -الذي يحضره عدد من المختصين والأكاديميين من شتى أنحاء العالم- مركز جامعة ليدن لدراسة الإسلام والمجتمع الذي تأسس سنة 2009، ومركز الدراسات المعاصرة في الشرق الأوسط التابع للجامعة في جنوب الدانمارك الذي تأسس سنة 1983.
ويتناول المؤتمر -الذي يتواصل إلى 14 من هذا الشهر- خمسة محاور رئيسية، حيث يتعرض لأسباب انطلاق ونشأة المجتمع المسلم في أوروبا ما بين الحربين، ثم كيفية تمكنهم من بناء شبكات تواصل في هذه المجتمعات الأوروبية.
كما يتناول المؤتمر التحولات الطارئة التي شهدتها هذه المرحلة، إضافة إلى الوقوف عند عدد من أعلام المهاجرين في أوروبا، وجهودهم في الدفاع عن قضايا أمتهم وحقوق شعوبهم المستعمرة.

أهداف المؤتمر
وعن أسباب تناول المؤتمر هذه الحقبة التاريخية من وجود المسلمين في أوروبا، قال الدكتور عمر رياض -وهو أحد المنظمين لهذا المؤتمر، في تصريح للجزيرة نت- إن التأريخ لوجود المسلمين في أوروبا غالبا ما يبدأ من وصول أفواج العمال بعد الحرب العالمية الثانية، مشيرا إلى أن المؤتمر يسعى لتسليط الضوء على حقبة ظلت مجهولة إن لم نقل إنها مُتجاهَلة.
وأضاف رياض -الأستاذ المساعد للتاريخ الإسلامي المعاصر في معهد الأديان بجامعة ليدن- أن الهدف من هذا المؤتمر هو إزالة اللبس والتعرض بطريقة علمية لهذه المرحلة بالدراسة، موضحا أن "تناول هذه الحقبة بطريقة أكاديمية يفوّت الفرصة على من يريد أن يستفيد منها للربح السياسي دون تمحيص علمي".
وأوضح رياض أن كثيرا من المؤرخين أو المختصين في التاريخ الإسلامي الحديث يميلون إلى تجاهل تأثير أطروحة المصلحين المسلمين في مرحلة ما بين الحربين (1919-1946) في أوروبا، وعزا ذلك إلى أسباب معرفية أو سياسية.
وقال رياض إن منهجية التناول في هذا المؤتمر تركز على تحليل الظواهر في تلك الحقبة من تاريخ أوروبا، من خلال الجمع بين البيانات التاريخية ودراسة نمط الحراك الاجتماعي والسياسي الذي كان سائدا في تلك الفترة.
نقطة الانطلاق
وفي اليوم الأول للمؤتمر، أشار أستاذ التاريخ في جامعة كامبردج البريطانية ديفد موتدل في كلمته إلى أن الحرب العالمية الأولى تعتبر نقطة الانطلاق لهجرة المسلمين الأولى إلى أوروبا، وأعقبتها هجرات أخرى لاحقا.
وأوضح أن محفزات هجرة المسلمين إلى أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى فرضت جزءا منها حاجةُ الصراع الدائر وقتها في أوروبا، وما تطلبته موازين القوى من الحاجة إلى المحاربين.
ومن جهته، استعرض الدكتور مهدي ساجد من جامعة بون بألمانيا في ورقته تصور المصلحين المسلمين لبناء رؤية واضحة عن أوروبا، ودورهم في تكوين شبكة من العلاقات الأورو-عربية في فترة ما بين الحريين.
وشرح ساجد الدور الذي أداه كل من محمد رشيد رضا (1865-1935) في إنتاج أفكار أثبتت تأثيرها في الأفكار الغربية، ثم الدور الذي قام به شكيب أرسلان الذي عاش فترة الحربين منفيا في أوروبا بين جنيف وبرلين، وتتلمذت على يديه أجيال عادت لقيادة الاستقلال في دولهم، وخاصة شمال أفريقيا.

رحلات ووثائق
وبدوره، تطرق الدكتور ريتشارد فان لويوين من جامعة أمستردام إلى رحلات تمت في بداية القرن العشرين للعالمين محمد الورتاني ومحمد بن عبد السلام السائح، وكلاهما من شمال أفريقيا، وعاشا في باريس وتأقلما مع الواقع الجديد، وتفرغا للتأسيس لوجود المسلمين في فرنسا ومعالجة قضاياهم التعبدية والاهتمام بدور العبادة.
أما رئيس دار الوثائق المصرية الدكتور عبد الواحد النبوي ورئيس وحدة البحوث في دار الوثائق المصرية الدكتور عماد هلال فقد تناولا أوضاع المسلمين بأوروبا في فترة ما بين الحربين بعيون الوثائق المصرية.
يشار إلى أنه يعرض على هامش المؤتمر -في قاعة خاصة بطلبة الجامعات والإعلاميين- ورقات ويوميات وصور لشخصيات مسلمة عايشت الحقبة، لعل من أهمها صور لزكي حشمت بك كرام قائد قوات البر في الجيش العثماني في العريش أثناء الحرب العالمية الأولى، وقد عاش في برلين وتوفي فيها سنة 1946.
كما يعرض فيلم وثائقي بعنوان "العمامة والصليب المعقوف" للمخرج الألماني هاينريش شتاين، يروي فيه جانبا من حياة مفتي القدس الأسبق محمد أمين الحسيني.