التفكجي: إسرائيل فازت بأكبر "قدس"

وديع عواودة-القدس المحتلة
أكد المدير العام لجمعية الدراسات العربية في القدس المحتلة خليل التفكجي صدقية الوثائق التي عرضتها الجزيرة استنادا إلى تجربته ومعلوماته.
وقال التفكجي -وهو عضو طاقم اللجنة المهنية الخاصة بالمستوطنات والحدود والقدس ضمن طاقم المفاوضات مع إسرائيل بين عامي 1992 و2001- في لقاء مع الجزيرة نت إن السلطة الفلسطينية وافقت على تلبية مطلب إسرائيل بضم نحو 30 كلم2 من مساحة القدس الشرقية بحدودها البلدية والبالغة 72 كلم2، مشيرا إلى أن إسرائيل تفوز فعلا بحسب ذلك بأكبر "أورشليم" كانت تحلم بها.
وفيما يلي نص الحوار:
يانكي غالنت المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت أكد في تعليقه على "كشف المستور" لإذاعة الجيش اليوم أن إسرائيل والسلطة الفلسطينية توصلا إلى اتفاق حول قضايا الحل الدائم بما في ذلك القدس، بشكل يؤكد ما جاء في وثائق سرية نشرتها الجزيرة حول تنازلات فلسطينية كبيرة في القدس الشرقية وغيرها. هل فوجئت بذلك؟
– لا لم أفاجأ بالوثائق فقد كنت عضوا في لجنة القدس والحدود والاستيطان ضمن طاقم المفاوضات من 1992 حتى 2001.. لم أفاجأ ما عدا فيما يتعلق بحي الشيخ جراح، وهذه التنازلات نتاج تراكمات بدأت قبل كامب ديفد عام 2000 واستمرت في طابا وإيلات، وتواصلت المداولات حتى توقفت عقب الانتفاضة الثانية، وما لبثت أن تجددت عام 2005 حيث شهدت تعديلات خفيفة.
لماذا أبعدتَ عن طاقم المفاوضات؟ ولماذا فوجئت بموضوع حي الشيخ جراح؟
– لك أن تتخيل لماذا تم استبعادي عام 2001 وقد استبدلت بخبير آخر هو سميح العبد.. لا أفهم لماذا يبدي الجانب الفلسطيني موافقة على التنازل عن حي الشيخ جراح، ومقابل ماذا؟ وعلى أي أساس؟ فالحي مسكون بنحو ستة آلاف فلسطيني وفيه منزلان فقط لمستوطنين يهود.. إذا تنازلنا عن الشيخ جراح فما نفعل في حي راس العامود الذي أنشئت فيه مستوطنة معاليه هزيتيم وفيها نحو 200 منزل يهودي؟
وما هو المنطق المعتمد في هذا الموقف الفلسطيني برأيك؟
– لا أعرف ولا أستطيع أن أفهم، فقد بدأنا النضال لحماية الشيخ جراح، ومنذ العام 1972 وحتى العام 2009 لم يسكنه مستوطن يهودي واحد، ولكن ما جرى يفسر وجود خلافات داخل القيادة الفلسطينية تقف خلف تسريبات الوثائق على ما يبدو.
ولكن الوثائق تتحدث عن موافقة ضمنية أو بالتلميح فقط من قبل المفاوض الفلسطيني على التنازل عن الشيخ جراح؟
– ما جرى لم يكن بالتلميح فهذه عمليا ضوء أخضر للاحتلال، وما يتعرض له حي الشيخ جراح اليوم يؤكد صدقية ما تضمنته الوثائق السرية، فالجانب الإسرائيلي يرصد كل شاردة وواردة ويتحرك ميدانيا دون تردد.
وماذا بشأن الحرم القدسي؟ هل توافق الطرفان عليه؟ وكيف؟
– كما جاء في الوثائق السرية، فقد كانت النية إرجاء التداول في الحوض المقدس بعد الفشل في التوافق حول السيادة فيه.
عند الحديث عن المفاوضات حول القدس الشرقية بحدود بلديتها؟ ماذا تقصد؟
– تبلغ مساحة القدس الشرقية في حدود بلديتها والتي احتلت عام 1967 نحو 72 كلم2 وتبلغ مساحة المستوطنات فيها والمذكورة أعلاه 24 كلم2، أما البلدة القديمة فتقوم على مساحة كيلومتر مربع واحد بينما تبلغ مساحة الحرم فيها 142 دونما. ويقطن البلدة القديمة 32 ألف فلسطيني و2400 مستوطن. بالمجمل تبلغ مساحة القدس بشقيها الشرقي والغربي 126 كلم2.
وما الواقع الديمغرافي في القدس المحتلة عام 67 ضمن حدودها البلدية؟
– يقيم في القدس ومستوطناتها اليوم 200 ألف يهودي و300 ألف فلسطيني.
وعلى أي مبدأ تم التوافق بين الجانبين حول القدس الشرقية؟
– جرى ذلك على أساس مبدأ كلينتون: الأحياء العربية في القدس الشرقية للعرب واليهودية لليهود، وقد تبلورت في عملية تراكمية قبل كامب ديفد.
ماذا تقصد بالتراكمية؟
– التراكمية في التنازلات، فقد بدأ الجانب الفلسطيني يتنازل في موضوع القدس والمستوطنات فيها منذ العام 1996 كما تدلل الخرائط والوثائق المكشوف عنها.
قبلت السلطة بأن تضم إسرائيل كل المستوطنات في القدس الشرقية باستثناء مستوطنة جبل أبوغنيم، فهل هذا ما كان فعلا وقتها ولا تفاجأ به اليوم؟
– السلطة الفلسطينية قبلت في الواقع بمبدأ كلينتون حول القدس، بل وافقت على الموقف الإسرائيلي المطالب بضم 24 كلم2 من المستوطنات في القدس ومحيطها أي داخل حدود بلدية القدس، تضاف إليها نحو 6 كلم2 من الشوارع. والمستوطنات التي وافقت السلطة على ضمها من قبل إسرائيل في نطاق حدود بلدية القدس وأهمها: بسجات زئيف الشمالية والجنوبية، رمات منشيه، راموت، التلة الفرنسية، رمات أشكول، جفعات همفطار، معلوت دفناه، الجامعة العبرية، تلبيوت الشرقية، جيلو، جفعات همطوس، والحي اليهودي داخل البلدة القديمة.
وعلى أي أساس قام مبدأ تبادل الأرض قبل تنحيتك عام 2001 وبعدها؟
– وقتها تم التوافق على مبدأ التعويض "دونم مقابل دونم" في كل ما يتعلق بالضفة الغربية كلها بما في ذلك القدس الشرقية، فالمستوطنات المبنية تعادل مساحتها اليوم 2% من أراضي الضفة الغربية.
والسلطة الفلسطينية طبقا لتجربتك وللوثائق المكشوفة وافقت على تبادل أراضي القدس بمناطق صحراوية في بيسان!
– في بيسان والخليل وغزة وغيرها من المناطق، وهي ليست صحراوية كما قلت.
ولكنها مساحات متساوية بالكم لا بالكيف والجودة والقيمة بكل المعايير والمعاني!
– ليست دائما بنفس الجودة، وفكرة التبادل أصلا غير مفهومة ضمنا، ونزاهتها مشكوك فيها، ولا تنسى أن الطرف القوي يفرض على الطرف الضعيف أحيانا.
وهل كان ذلك موقفكم في اللجنة الفنية ضمن طاقم المفاوضات وقتها أم اختلف عن موقف المستوى السياسي؟
– لا أعرف.. أفضل عدم الخوض في هذا الموضوع الآن.
بشأن البلدة القديمة، ما مدى تطابق ما نشرته الوثائق مع وقائع المفاوضات التي شاركت فيها؟
-في كامب ديفد عام 2000 طلب الجانب الإسرائيلي قبول مبدأ "2 على 2″، بمعنى تقاسم البلدة القديمة في القدس الشرقية كالتالي: الحيان الإسلامي والمسيحي للسيطرة الفلسطينية، والحيان اليهودي والأرمني للسيطرة الإسرائيلية، ورفضنا ذلك فعادت إسرائيل وطالبت بالحي اليهودي ونصف الحي الأرمني وما لبثت أن طالبت بالسيادة على الحوض المقدس، وتم تأجيل موضوع الحرم. كما طالبت إسرائيل بالسيادة على الشارع الرئيسي القدس-أريحا بحيث يدخل ويخرج الفلسطينيون بإذن وترخيص منها، وهذا ما رفضه الجانب الفلسطيني الآن.
قلت إنك فوجئت بالموقف الفلسطيني في ما يتعلق بالشيخ جراح، لكنك لم تفاجأ ببقية التنازلات، لماذا؟
– لم تفاجئني الوثائق المكشوفة لأن السلطة الفلسطينية وافقت تدريجيا على رؤية كلينتون في القدس الشرقية، وبدت لها المعادلة معقولة بعد عقود من تعنت إسرائيل وإصرارها على أن القدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل وبالنسبة لها وهي الجانب الأقوى طالما شكلت خطا أحمر، فلما قبلت بفكرة التقسيم اعتبر المفاوض الفلسطيني ذلك تراجعا أو إنجازا.
بحسب الوثائق المكشوفة ترغب إسرائيل في الحي الأرمني بالذات إلى جانب الحي اليهودي داخل البلدة القديمة، لماذا؟
– لأن الاستيطان اليهودي زحف إلى قلب الحي الأرمني وإسرائيل معنية ببقاء السيطرة عليه بموجب مبادئ كلينتون.
وهذه فعلا المرة الأولى التي يظهر فيها التراجع الفلسطيني عن التمسك بالحي الأرمني إذا ما قورن هذا الموقف بما تسرب من موقف للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي برر تشبثه بهذا الحي في كامب ديفد بالقول متوددا: أنا اسمي عرافاتيان.
ماذا كانت علاقتك بالمفاوضات حول القدس؟
– كنت عضوا في طاقم المفاوضات حول القدس من 1992 حتى 2001 ضمن لجنة مهنية تعرف بلجنة الحدود والاستيطان والقدس ووقتها تم استبدالي بخبير آخر هو سميح العبد.
لو واصلت عملك ضمن هذه اللجنة، هل كنت ستبقى وتقبل بالتوافق الوارد في الوثائق المكشوفة؟
– طبعا لا.. وكنت سأناهض كل ما كشف عنه.
هل ما كشف عنه حتى اليوم يعكس وقائع كل ما دار في كواليس المفاوضات برأيك؟
– لا، الخرائط التي كشف عنها أمس ومن قبل هي خرائط قدمها الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي ورفضت، كالخريطة التي عرضها د. صائب عريقات خلال رده على "كشف المستور" في الجزيرة ليلة الأحد، لكن الخرائط المتفق عليها لم تنشر كما يبدو ولا أحد يعرف مضمونها، وأتوقع أن وثائق الجزيرة تشير إليها.
وبناء على تجربتك في اللجنة المهنية ضمن طاقم المفاوضات قبل استبعادك منها واستنادا إلى ما قلت، هل يمكن اعتبار ما تشير إليه تعزيزا لمصداقية الوثائق المكشوف عنها في الجزيرة؟
– نعم هذا يعزز مصداقية تلك الوثائق التي يكشف عنها اليوم، فهي لم تأت من فراغ بل من الواقع.
حسب عريقات فإنه في مقابل العروض الفلسطينية رفض الإسرائيليون مناقشة القدس التي تصر إسرائيل على أنها خارج دائرة التفاوض، فكيف ومتى تم التفاوض على مواضيع القدس كما تجلى في الوثائق؟
– لا، إسرائيل تراجعت عن موقفها المعلن، وكسر الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني "طابو المحرمات" وتداولا كافة القضايا بما في ذلك القدس الشرقية، وكان ذلك في زمن إيهود باراك أولا (1999-2001) وهذا ما تدركه وزيرة الخارجية ورئيسة طاقم المفاوضين تسيبي ليفني، لكنها تقول أشياء مختلفة عما يدور على الأرض وهذا جزء من المفاوضات، فقد حاولت التعزز والبدء بموقف متشدد، وهذا يفسر التناقض بين بعض الوثائق المكشوفة أحيانا.
في اجتماع آخر لعريقات يوم 15 يناير/كانون الثاني 2010 مع ديفد هيل نائب ميتشل، شدد على أن ما في تلك الورقة يمنحهم أكبر "أورشليم" في التاريخ اليهودي. هل فعلا هذا توصيف دقيق في ظل ما ذكر حول التنازلات في القدس الشرقية؟
– طبعا.. توصيف دقيق، فهذه أكبر "أورشليم" حلمت بها إسرائيل ولا مبالغة في ذلك، ولا تنسى معاليه أدوميم أم المستوطنات المحاذية للمدينة من الجهة الشرقية.
ويرجح التفكجي أن القضية الأمنية التي ستكشف عنها الجزيرة تباعا لا تقل خطورة، وستفجر المزيد من التفاعلات في الساحة الفلسطينية والعربية.