ضغوط نفسية ترفع معدلات الانتحار بالأردن

فتاة حاولت الانتحار في عمان الشهر الماضي

فتاة حاولت الانتحار في عمان الشهر الماضي (الجزيرة نت)

محمد النجار-عمان

لا تخفي "أمل" -التي اختارت هذا الاسم المستعار- أن عمرا جديدا كتب لها بعد أن دخلت في غيبوبة ليومين إثر تناولها كمية كبيرة من الأدوية رغبة منها في التخلص من الحياة نتيجة ما تقول إنها ضغوط اجتماعية ونفسية أفقدتها أي رغبة في الاستمرار في الحياة.

"أمل" التي تدرس حاليا في إحدى الكليات المتوسطة شمال الأردن تؤكد أنها لم تستعد توازنها بعد عام على محاولتها الانتحار، لكنها تقول إنها تخلصت "من ظلم ذوي القربى" في إشارة لما تقول إنها معاملة قاسية تعرضت لها من والدها وزوجته، على حد زعمها.

الحالة السابقة كانت ضمن 400 محاولة انتحار سجلت في الأردن خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2008، في ارتفاع واضح لمحاولات الانتحار التي بلغت عام 2007 بأكمله 350 محاولة انتحار وفقا لتقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان.

تقرير المركز كشف عن أن 40 أردنيا أقدموا على الانتحار خلال النصف الأول من العام الماضي، مقابل انتحار 35 أردنيا خلال عام 2007.

وأشار التقرير إلى أن 93 شخصا حاولوا الانتحار في السجون الأردنية خلال العام الماضي، تم إحباط 92 منها، فيما توفي سجين واحد بعد إقدامه على الانتحار.

وخلال الأشهر الأربعة الماضية تابع الأردنيون عددا من محاولات الانتحار التي حاول خلالها أشخاص إلقاء أنفسهم من فوق مبان عالية أو أبراج اتصالات، لكن السلطات المختصة أحبطت هذه المحاولات.


الدوافع
ويؤكد رئيس قسم علم النفس في الجامعة الأردنية الدكتور حلمي ساري أن أبرز دوافع محاولات الانتحار هو الضغوط المختلفة التي يعاني منها الأفراد.

وقال للجزيرة نت إن الفقر وضغوط الحياة ووجود سيكولوجيا ضعيفة لدى بعض الأفراد في مواجهة الظروف الصعبة، كلها عوامل تدفعهم لمحاولة الانتحار.

غير أن ساري يرى أن محاولات الانتحار التي شهدها الأردن مؤخرا "كانت محاولات استعراضية".

وتابع "شاهدنا أشخاصا يحاولون الانتحار بعد أن يقوموا بالاتصال بوسائل الإعلام لتغطية محاولاتهم هذه (…) وشاهدنا أنهم لم ينتحروا لأنهم كانوا يودون الاستعراض".

ويحمل الدكتور ساري وسائل الإعلام جزءا من "تعزيز هذا السلوك الاستعراضي"، ويلفت إلى أن بعض التغطيات الإعلامية كانت متعاطفة مع محاولي الانتحار "وهو ما عزز لدى آخرين سلوك هذا الطريق الاستعراضي".

ويؤكد ساري أنه لا يمكن اعتبار محاولات الانتحار بالأردن "ظاهرة أو مشكلة اجتماعية"، ويرى أن "القيم الدينية التي تجرم هذا الفعل تشكل درعا واقيا من تحولها إلى ظاهرة أو مشكلة".

أبو دنون: لا سجل رسميا لعدد محاولات الانتحار في الأردن (الجزيرة نت)
أبو دنون: لا سجل رسميا لعدد محاولات الانتحار في الأردن (الجزيرة نت)

وعلى الطرف الآخر يرى المدير السابق للمركز الوطني للطب النفسي الدكتور محمود أبو دنون أن الكثير من حالات أو محاولات الانتحار "يتم إخفاؤها لأسباب تتعلق بالخوف من النظرة الاجتماعية خاصة إذا كانت المنتحرة أو التي حاولت الانتحار فتاة".

وقال أبو دنون للجزيرة نت إنه "لا يوجد سجل رسمي يمكن لنا أن نعرف من خلاله حجم محاولات الانتحار الحقيقي في الأردن".

ويؤكد أن العديد من الأمراض النفسية يمكن أن تؤدي بأصحابها إلى الانتحار.

وأضاف أن "مرض الاكتئاب المزمن يوصل المريض به لدرجة يرى فيها أن الموت أسهل عليه من الحياة في ظل هذا المرض، ومرض الفصام العقلي قد يدفع المصاب به لاتخاذ قرار بناء على أوهام وهلوسات سمعية لاتخاذ قرار بقتل نفسه".

وأوضح أن المدمنين يصابون بأعراض انسحابية تصل بهم لمرحلة من الاكتئاب تؤدي للانتحار، إضافة لأصحاب السلوك الانفجاري الذي قد يدفع شخصا في سورة غضب غير منضبطة لقتل نفسه بطريقة غير محسوبة من قبله.

ومؤخرا استحدثت مديرية الأمن العام في الأردن وحدة تم تدريبها على التفاوض مع محاولي الانتحار والمتهمين بقضايا إرهابية.

وحصل أفراد الوحدة على تدريب متخصص يشمل طرق التفاوض مع هؤلاء الأشخاص ومراعاة ظروفهم النفسية والعقلية التي يعانونها أثناء محاولاتهم تلك.

ونجحت الوحدة في منع العديد من محاولات الانتحار التي شهدتها مدن أردنية مؤخرا حيث تابع مواطنون بعضها في الهواء الطلق.

ويرى مختصون ضرورة تضافر جهود اجتماعية ودينية وتربوية لتثقيف الجيل الشاب وتحصينه ضد أفعال يرونها غريبة على مجتمع لا يزال يحتفظ بقيمه المحافظة.

المصدر : الجزيرة

إعلان