أوغلو: "غولدستون" يمكن أن يفتح مجددا

تامر أبو العينين-جنيف
تحتفل منظمة المؤتمر الإسلامي هذا العام بذكرى مرور أربعين عاما على تأسيسها وسط آراء متباينة حول دورها في خدمة قضايا الشعوب الإسلامية وتقييم أدائها في مواجهة ما يتعرض له الإسلام من هجوم وحملات مغرضة في الغرب.
ولاستعراض نتائج مسيرة المنظمة في أربعة عقود حاورت الجزيرة نت الأمين العام للمنظمة بروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلو -الذي تولى منصبه في العام 2005- أثناء زيارته إلى سويسرا في إطار احتفال المنظمة بذكرى تأسيسها في المقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف.
معالي الأمين العام، تأسست منظمة المؤتمر الإسلامية عام 1969 كرد فعل مباشر على حريق المسجد الأقصى والآن وفي احتفالكم بمرور أربعين عاما على إنشائها نجد أن الأقصى لا يزال في خطر والقدس على خطى التهويد، فماذا فعلتم للقضية الفلسطينية خلال تلك العقود الأربعة؟
أولا لنكن صرحاء وأقول إن الخطر الذي يهدد المسجد الأقصى الآن أكثر بكثير مما تعرض له قبل أربعين عاما، وهذا هو واقع الأمر الذي يجب أن نقر به حاليا.
وثانيا إننا نقوم بكل ما يمكن أن تقوم به منظمة دولية من مساع في هذا الصدد، وشرح تلك المساعي يطول، ولكن آخر ما قمنا به كان في السابع من أكتوبر/تشرين الأول بإرسال خطاب إلى الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلم (يونسكو) حيث طالبت فيه بصدور قرار من اليونسكو والأمم المتحدة للحفاظ على هوية القدس التاريخية بما فيها المسجد الأقصى وعدم تغييرها.
على صعيد المساعي الإنسانية نحن نقوم بعمل كبير لا سيما في قطاع غزة، ونحن أكثر منظمة دولية ترسل معونات من أغذية وملابس ومعدات طبية ومستشفيات وهذا العون لا يأتينا فقط من العالم الإسلامي بل أيضا من دول وجمعيات أوروبية بناء على دعوة المنظمة، وتتوجه تلك المعونات مباشرة إلى مستحقيها، ثم هناك العديد من الأنشطة التي نقوم بها، وأرجو نشر كل الحقائق كما ذكرتها.
وأود أن أقول هنا إن كل ما نقوم به نعتز به ونقدر من يساعدنا، إلا أنه لا يقدم ولا يؤخر في حل القضية الأساسية وهي المسجد الأقصى، لأن الواقع على الأرض في القدس الشريف واقع لا تملك أي منظمة دولية اتخاذ قرار مؤثر فيه إلا مجلس الأمن الدولي ولذلك يجب أن نعمل جميعا، وهناك جهات مسؤولة عن القدس من مؤسسات وطنية وأخرى تابعة للعالم الإسلامي يجب عليها أن تتحمل المسؤولية وأن تتكاتف من أجل تحريك مجلس الأمن لاتخاذ قرار، وفيما عدا هذا فلن نصل إلى حل.
غياب القرار السياسي
هل تعني بذلك أن هناك حاجة ملحة إلى قرار سياسي من الدول العربية والإسلامية لتحريك ملف حماية وإنقاذ المسجد الأقصى والقدس الشريف بوتيرة أسرع؟
بطبيعة الحال، هذا شيء واضح.
هل نستنج من هذا أنكم شعرتم خلال عملكم بالمنظمة أن غياب القرار السياسي من الدول العربية والإسلامية قد عرقل حلولا لقضية القدس والقضية الفلسطينية بشكل عام؟
لا أريد الخوض في هذا الآن، عندما أتقاعد يمكن أن أرد على هذا السؤال.
وماذا بشأن تقرير غولدستون؟ هل تعتزمون القيام بخطوات جديدة لإعادة التقرير إلى مساره في المنظمات الدولية؟
دعني أولا أعيد شريط الأحداث بوضوح بشأن هذا الموضوع، فلقد بدأت الحرب في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2008 وفي الثالث من يناير/كانون الثاني اتخذت اللجنة التنفيذية لمنظمة المؤتمر الإسلامية قرارا بمقرها في مدينة جدة بالسعودية بدعوة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف لعقد اجتماع طارئ وفي نفس الوقت طالبنا في نص القرار بإرسال بعثة إلى قطاع غزة لتقصي الحقائق، وبهذا كنا أول منظمة دولية تتحرك ضد الحرب وتحرك مجلس حقوق الإنسان.
ولدعم هذا القرار اتصلت الدول الإسلامية في المجلس ببقية الدول الأعضاء مثل مجموعة عدم الانحياز، وتواصلنا مع المفوضة السامية لحقوق الإنسان، التي حرصت على اختيار شخصية فوق الشبهات ومشهود لها بالنزاهة للقيام بمهمة تقصي الحقائق فوقع الاختيار على القاضي ريتشارد غولدستون.
ورغم كل الصعوبات، فقد استطاعت تلك اللجنة أن تقوم بمهام عملها وترجع بهذا التقرير، الذي تمت دراسته ووافقت عليه المجموعة الإسلامية ثم انضمت إليه دول مجموعة عدم الانحياز ووصل الجميع إلى صيغة قرار معين، وسعينا إلى أن تتبناه المجموعة الأوروبية.
وفي يوم 25 سبتمبر/أيلول 2009 عقدت منظمة المؤتمر الإسلامي اجتماعا مع مجموعة الترويكا الأوروبية في نيويورك وطرحنا عليهم مشروع القرار وتناقشنا فيه وطلبنا منهم الموافقة عليه.
وبعد ما حدث ما حدث وفي مثل موقف كهذا لم يكن أمام منظمة المؤتمر الإسلامي إلا أن تقبل بالموقف الفلسطيني.
هل لك أن تلقي لنا بمزيد من الضوء حول خلفيات اتخاذ القرار الفلسطيني وكيف حدث ما حدث؟
أنا أترك الإجابة على ذلك للجانب الفلسطيني.
إذن فالمهم الآن هو ماذا يمكن القيام به؟
بعد سرد تسلسل الأحداث هذا فإنني أعتقد الآن أن أية هيئة دولية هي سيدة القرار وإذا كانت الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان لديها الرغبة في إعادة فتح الملف وتؤكد تلك الرغبة بإرادة سياسية واضحة فأنا أعتقد أن هناك إمكانية الآن لفتح الملف مجددا.
أما نحن من جانبنا كأمانة عامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، فنحن مستعدون للقيام بواجبنا، لأننا نعتقد أن هذا واجب إنساني قبل كل شيء.

حصاد المسيرة
لنتطرق إلى أنشطة منظمة المؤتمر الإسلامي بعد مسيرة أربعين عاما، فهناك من يرى أنها بعيدة عن واقع الشعوب الإسلامية.
أود أن أشير هنا إلى أن أنشطة منظمة المؤتمر الإسلامي تمس واقع مشكلات الدول الأعضاء بشكل جوهري، فإذا نظرنا إلى مجال البيئة على سبيل المثال، فسنجد أن لدينا مركزا إسلاميا للمعلومات البيئية، ويعقد وزراء البيئة للدول الأعضاء مؤتمرات حول المشكلات البيئية وكيفية التخفيف من آثار التغيير المناخي في الدول الإسلامية، وتم الاتفاق على صياغة رؤية خاصة بأعضاء المنظمة في قضية المياه.
وفي مجال الرعاية الإنسانية فلدينا إدارة خاصة تعنى بالشؤون الإنسانية التي تمول مشروعاتها من خلال صندوق التضامن الإسلامي التابع للمنظمة وقام بمشروعات في مجالات توفير المساعدات للدول المتضررة من الكوارث الطبيعية مثل مشروع المنظمة لرعاية ضحايا أيتام كارثة تسونامي والإعصار سيدر في بنغلاديش، ومساعدة ضحايا نقص التغذية في موزمبيق ومشروعات تنموية في النيجر وأفغانستان والبوسنة والهرسك واليمن.
ولكن ألا يمكن للمنظمة أن تلعب دورا في التنسيق مثلا بين الدول الأعضاء لتشجيع التعاون العلمي فيما بينها وتبادل الخبرات والكفاءات المتميزة التي تزخر بها الجامعات والمعاهد في الدول الإسلامية؟
في الحقيقة إننا مهتمون بهذا الشأن من خلال إدارة العلوم والتقنية وقد وضعت الأمانة العامة برنامجا عشريا يهتم بتحسين وإصلاح مؤسسات التعليم ومناهجها وربط إستراتيجيات الدراسات العليا بخطط التنمية في الدول الإسلامية وتسهيل التبادل العلمي وتشجيع المبدعين والباحثين المتميزين من خلال برامج للمنح الدراسية يقدمها البنك الإسلامي للتنمية.
ويمكن أن أشير إلى أن من نتائج تلك التحركات أن أربع جامعات وقعت فيما بينها مذكرة تفاهم للتعاون العملي وهي الجامعة الإسلامية في داكا (بنغلاديش) والجامعة الإسلامية في كل من أوغندا والنيجر وماليزيا، تلك الأخيرة التي أعدت دراسة جدوى بالتعاون مع الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة لإنشاء كلية للطب ومدرسة للتمريض بالجامعة الإسلامية في أوغندا.
كما أبرمت المنظمة اتفاقية تعاون مع جامعة الأمم المتحدة في طوكيو لدعم قدرات جامعات الدول الأعضاء في ميدان العلوم والتكنولوجيا.
وهناك برامج أخرى طموحة في جميع المجالات تأخذ طريقها في الدراسة والإعداد والتقييم.
لنتحدث عن برامجكم في تعامل المنظمة مع القضايا ذات البعد الدولي مثل انتشار الخوف من الإسلام في الغرب؟
لدينا إستراتيجية تنفذها إدارة الشؤون الثقافية بالمنظمة تهدف إلى تعريف العالم بمبادئ الوسطية في الإسلام وتوضيح الانعكاسات الخطيرة لظاهرة "الإسلاموفوبيا" على المجتمع بأسره، وذلك من خلال المشاركة في مختلف الفعاليات الدولية المعنية بحوار الثقافات والحضارات، ونعتقد أننا حققنا بعض التقدم بدليل حرص رؤساء عدد من الحكومات الأوروبية والمؤسسات الهامة على الابتعاد عن مروجي "الإسلاموفوبيا".
في الوقت نفسه تمكنت المنظمة من إدراج القرار المتعلق بتشويه الأديان على جدول أعمال مجلس حقوق الإنسان واللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة.
ونحن نؤمن في المنظمة بأهمية المشاركة البناءة مع الغرب في موضوع مكافحة تشويه الأديان بما في ذلك وضع الحدود المنظمة لحرية الرأي والتعبير، استنادا إلى ما نصت عليه الاتفاقيات الدولية.