تقارب موريتاني فرنسي له ما بعده

اختتم الرئيس الموريتاني الجديد محمد ولد عبد العزيز زيارته الأولى لفرنسا بعد انتخابه رئيسا قبل أكثر من ثلاثة أشهر، وهي زيارة تؤكد كل المؤشرات التي رافقتها وسبقتها أنها شكلت أو ستشكل منعطفا هاما في العلاقات الموريتانية الفرنسية التي دخلت العقد الأخير في حالة غير مسبوقة من الفتور والاضطراب.
ويجزم العديد من المراقبين أن التقارب الجديد بين الطرفين ليس وليد اليوم، بل هو تتويج لمسار من التعاون الصامت الذي تم طبخه على نار هادئة بين الفرنسيين والرئيس الجديد محمد ولد عبد العزيز طيلة الشهور التي سبقت الانقلاب، وحتى في الفترة التي تلته عبر مفاوضات سرية قادتها المخابرات الفرنسية مع زعماء الانقلاب، وأسفرت عن موقف فرنسي أكثر لطفا وليونة تجاه الانقلابيين بل ومكنت في نهاية المطاف من إيجاد حل يرضي ولد عبد العزيز كما تؤكد ذلك مصادر موريتانية وفرنسية مطلعة.
وكما أن هذه الزيارة تأتي بعد نحو عقد من الزمن من وقف التعاون العسكري بين موريتانيا وفرنسا بعد القرار الذي اتخذه الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع بوقف التعاون مع الفرنسيين، وطرد خبرائهم العسكريين والأمنيين، فإن عددا من المظاهر الدالة أكدت فعلا ما قاله المتحدث باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو يوم أمس من أن زيارة ولد عبد العزيز لفرنسا "تشكل تطبيعا للعلاقات بين البلدين".
جولة العسكريين
قبل الزيارة بنحو ثلاثة أسابيع كان وفد عسكري رفيع المستوى بقيادة القائد العام للقوات المسلحة الجنرال جان لويس جورجلين يزور موريتانيا ويلتقي رئيسها وقادة أركانها ويتجول في مناطقها الشمالية حيث الاستثمارات الفرنسية في التنقيب عن النفط، وحيث أيضا المناطق المحاذية للصحراء والأكثر عرضة لهجمات تنظيم القاعدة.

وقبيل ذلك بأيام قليلة كان وفد أمني وعسكري فرنسي آخر ينظم أياما نقاشية مع المسؤولين الإداريين والعسكريين الموريتانيين في العاصمة نواكشوط حول أمن الساحل، وأثناء هذا وذاك كان عشرات الضباط الفرنسيين يعودون من جديد إلى موريتانيا وإلى الشمال بشكل خاص لاستئناف تدريب عناصر الجيش الموريتاني بحسب ما هو معلن، أما غير المعلن فتتضارب بشأنه الأنباء والتحليلات.
يجمع المراقبون على أن النفط والاقتصاد والأمن والسياسة هي العناوين الأبرز لزيارة عبد العزيز إلى فرنسا، بل وللتقارب بين البلدين بشكل عام.
ويرى المحلل السياسي الحافظ ولد الغابد أن الجانب الاقتصادي يبقى هو الأهم بالنسبة للطرف الموريتاني، باعتبار أن التعاون الفرنسي مع موريتانيا يمثل نسبة 50% من مجموع التبادل الموريتاني الأوروبي، أضف إلى ذلك الثقل الاقتصادي الذي بدأت تمثله نشاطات توتال في التنقيب عن النفط بالشمال الموريتاني، حيث تعتبر الآن أكبر شريك نفطي أوروبي لموريتانيا.
أما فرنسا فتبدو بحسب ولد الغابد مهتمة هي الأخرى بالتقارب مع نواكشوط لعدة اعتبارات من أهمها الجوانب الأمنية والعسكرية، نتيجة للموقع الجيوسياسي لموريتانيا باعتبارها تمثل رأس الحربة في الحرب على تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي الذي أوغل قتلا في الرعايا الفرنسيين بموريتانيا.

تقليم أظافر
ويعتقد أن التقارب بين البلدين يأتي بشكل عام ضمن سياق الصراع بين واشنطن وباريس على الظفر بولاء حكام نواكشوط الجدد، وهو ما رجحت فيه الكفة هذه المرة لصالح باريس في حين حرص ولد عبد العزيز على تهيئة زيارته لباريس بتقليم أظافر المحسوبين على واشنطن، وتقريب المحسوبين على فرنسا في تعييناته الإدارية.
بيد أن المحلل السياسي محمد الأمين سيدي مولود يعتقد أن أهم استحقاقات زيارة عزيز لباريس ستكون أمنية ضمن التحضيرات التي تقوم بها فرنسا لشن حرب مفتوحة على مقاتلي القاعدة في الصحراء الكبرى.
وينوه في هذا الصدد إلى ضرورة الفصل بين حتمية التصدي للمتطرفين والثأر للجنود الموريتانيين، وبين مخاطر خوض حرب بالنيابة عن فرنسا وبمعايير فرنسية وغربية.