القراءة الروسية لعملية اعتقال كراديتش وحساباتها الإقليمية

A combination of two pictures shows (L) war crime suspect Radovan Karadzic on the phone in Banja Luka in 1995, and (R) a recent picture of Radovan Karadzic in Belgrade.

كراديتش أمضى فترة طويلة مختفيا عن أعين السلطات الصربية (الفرنسية-أرشيف)
كراديتش أمضى فترة طويلة مختفيا عن أعين السلطات الصربية (الفرنسية-أرشيف)

عدي جوني-الجزيرة نت


أثار اعتقال الزعيم الصربي السابق رادوفان كراديتش الكثير من التساؤلات عن الأسباب والطريقة والتوقيت عند حساب العامل الروسي في هذه المعادلة، مقابل قضايا إقليمية أخرى تمتد من سعي بلغراد للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلى استقلال إقليم كوسوفو وانتهاء بأزمتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية.

فقد قرأت مصادر إعلامية غربية اعتقال كراديتش -من المنظور الروسي- في إطار تفسيرين رئيسيين أولهما أن الاعتقال لم يكن ليحدث لولا تعاون روسيا استخباراتيا وذلك على خلفية المدة الزمنية الطويلة لاختفاء الزعيم الصربي وطريقة تخفيه التي توازي أسلوب جيمس بوند السينمائي.

أما التفسير الثاني فنسبته إلى لعبة الشطرنج الإقليمية بين موسكو والغرب بشأن العديد من المسائل المرتبطة أولا بمسألة استقلال إقليم كوسوفو، وثانيا بالتوتر الحاصل حاليا في إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية المنفصلين "أحاديا" عن جورجيا منذ تسعينيات القرن الماضي.

قراءات مختلفة
الموقف الروسي الرسمي، كما يقول فيتالي نعومكن -مدير المركز الروسي للدراسات الإستراتيجية والدولية- لا يخرج عن إطار العموميات الدبلوماسية التي ترى في مسألة الاعتقال شأنا داخليا للجمهورية الصربية في إطار تنفيذ التزاماتها الدولية.

وضمن هذا الإطار يرى نعومكن -كما صرح للجزيرة نت الأربعاء- أن روسيا أعلنت رسميا أنها تتطلع لتحقيق العدالة وإبعاد محاكمة كراديتش عن التسييس أو تصفية حسابات سياسية.

ويشير نعومكن إلى أن الموقف الشعبي الروسي يتوزع على مواقف مختلفة، منها ما هو متعاطف مع كراديتش ويعتبر اعتقاله ومحاكمته خيانة لبطل قومي دافع عن شعبه، وأخرى تعتبر اعتقاله نصرا كبيرا وتحقيقا للعدالة الإلهية.

القوميون الصرب يرفعون صور كراديتش في مظاهرة احتجاجية على اعتقاله (الفرنسية-أرشيف)
القوميون الصرب يرفعون صور كراديتش في مظاهرة احتجاجية على اعتقاله (الفرنسية-أرشيف)

وفي هذا الإطار يرى محللون أن هذا الموقف الشعبي ليس مستغربا بسبب طبيعة العلاقة القوية بين صربيا وروسيا في إطار الكنيسة الأرثوذكسية.

ويقول إلكساندر نيتشاييف -المحلل السياسي الروسي في وكالة الأنباء الروسية- إن بعض المجموعات الصربية ترى في كراديتش بطلا قوميا وتعتبر نفسها تعرضت للخيانة من قبل حكوماتها مرتين أولا عبر تسليم سلوبودان ميلوسوفيتش والآن اعتقال وتسليم كراديتش.

وفي قراءته مسألة الاعتقال -كما عرضها للجزيرة نت-يقول نيتشاييف إن الحكومة الصربية حققت الشرط الأساسي لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، لكنه –ومن منظوره الشخصي- استبعد أن يقبل الاتحاد عضوية صربيا لأسباب عديدة.

تعاون استخباراتي
وحول ما يتردد من معلومات غير رسمية تشير إلى أن اعتقال كراديتش لم يكن ليتم لولا وجود تعاون استخباراتي روسي غير مباشر لقاء تنازلات غربية ما في مسألتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، استبعد نعومكن مثل هذا التفسير وأكد أن كراديتش ومنذ اختفائه كان في صربيا وبحماية ما من جهات صربية لا علاقة لروسيا بها.

وبخصوص مسألة التنازلات، أوضح أن الموقف لا يزال متوترا في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وأنه مرشح للتصاعد في إطار الموقف الأميركي الداعم لجورجيا.

وفي نفس الاتجاه قال أناتولي أودكين -الأستاذ في المعهد الأميركي الكندي التابع للأكاديمية الروسية للعلوم- إن مسألتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية سابقتان على قضية ملاحقة واعتقال كراديتش تاريخيا، بل وتفوقانها من حيث التعقيد الإستراتيجي في إطار العلاقات الدولية.

وفي حديث للجزيرة نت الأربعاء، اعتبر أودكين أن ربط مسألتي الإقليمين المنفصلين عن جورجيا بالمسألة الصربية قراءة سياسية مخالفة لعدد من الحقائق المهمة على الأرض سواء من الناحية الديموغرافية واللغوية.

من جانبه سخر نيتشاييف من فكرة التعاون الروسي مؤكدا أن السلطات الصربية كانت تعلم بوجوده وتحركاته لكنها لم يكن لديها الإرادة السياسية لتنفيذ أمر الاعتقال.

وألمح إلى أن اختيار التوقيت لاعتقال كراديتش ربما يفسر إلى حد كبير الظروف والملابسات التي دفعت الحكومة الصربية أو الجهات الأمنية الصربية لرفع الغطاء عنه، منوها بأن الأمر يتعلق بحسابات إقليمية ترتبط بمسألة كوسوفو بالإضافة إلى انضمام صربيا للاتحاد الأوروبي.

المصدر : الجزيرة + وكالات

إعلان