مقابلة مع الناطق الإعلامي لكتائب ثورة العشرين

حاوره / محمد أعماري
أكد الناطق الإعلامي باسم كتائب ثورة العشرين الدكتور عبد الله سليمان العمري أن العملية العسكرية التي شنتها القوات العراقية في مدينة الموصل "مؤامرة كبرى لا عملية عسكرية بالمفهوم العسكري".
وقال العمري في مقابلة مع الجزيرة نت إن تراجع أعمال المقاومة بعض الشيء "هو خيار المقاومة لا خيار الأعداء لدخول عوامل وتحديات جديدة في الساحة بحاجة إلى تأن وتهيئة جديدة". كما انتقد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قائلا إنه "يتكلم بلسان غيره".

أولا أحب أن أعرف هوية المقاومة في العراق أنها مقاومة ذات هوية إسلامية في معظمها الغالب، ولما كانت كذلك، فإن مشارب الإسلاميين تختلف باختلاف المنهج والفكر الذي يستقون منه منهجهم، وعلى أساس ذلك ظهرت جماعات جهادية متنوعة.
وهذا التنوع أثرى الحالة الجهادية في العراق، ورفد المقاومة بحالة قوة وتخف هائلة أرهبت الاحتلال ومن والاه فكانت حالة صحية.
وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على احتلال بلدنا وتعاظم زخم المقاومة بدت شارات النصر تلوح فأصبحت الحاجة ملحة إلى التقارب والسعي نحو التكامل لبلورة مشاريع أخرى رديفة للقتال.
وقبل أكثر من سنة بدأت تتشكل الجبهات التي تضم الفصائل المتوافقة في الرؤى والأفكار والمنهج، وطبعا أؤكد أن الجميع لهم نفس الأهداف وقد تختلف الأولويات فقط، فانبثقت أولا جبهة الجهاد والإصلاح ثم تبعتها جبهة الجهاد والتغيير، وبعد ذلك شكلت جبهة الجهاد والإصلاح مع فصيلين آخرين المجلس السياسي للمقاومة العراقية.
وبقيت فصائل أخرى معروفة خارج هذه التجمعات، وهناك حوارات لبلورة وضع جديد ينبثق من خلاله تجمع جديد للمقاومة يضم أغلب طيفها، وهذا بالطبع لا يمنع بقاء بعض الفصائل الصغيرة من هنا وهناك.
ونحن نتطلع إلى اليوم الذي يكون فيه للمقاومة في العراق مجلس واحد ينطق باسمها ويقودها لإكمال مستلزمات النصر على الأعداء، وما ذلك على الله بعزيز.

هل من مستجدات في رؤية كتائب ثورة العشرين للمقاومة وللعلاقة مع الحكومة العراقية، خصوصا وأنكم أعلنتم أنكم تحترمون اختيار من فضل مقاومة الاحتلال بالسلاح السياسي؟
من المعروف للمهتمين بالشأن العراقي أن كتائب ثورة العشرين هي أول فصيل جهادي ظهر على الساحة العراقية بعيد احتلال بغداد بأيام، وقبل أيام استذكرنا ذكرى انطلاقة الكتائب الخامسة، فمنذ ذلك الحين كانت الرؤية واضحة لدى الكتائب فحددت معالم الطريق ورسمت الأطر العامة لسياساتها فنشرت الميثاق الخاص بها، وكان أول تأصيل لفكر وتوجهات المقاومة ينشر، وتناولته بعض الصحف في حينها.
إن استشراف الرؤية للكتائب كان عاليا في حينها، فمنذ ذلك الوقت تعرضنا للأمور والتحديات التي تواجه المقاومة في هذه الأيام، وحذرنا من الحرب الطائفية وتقسيم الناس على أساس ديني أو عرقي أو طائفي أو مناطقي، فقلنا بتعبير شامل وواف إننا نقسم العراقيين على أساس واحد فقط، وهو علاقتهم بالمحتل.

فهناك عراقي ضد المحتل وهناك آخر يتعاون معه، وفرقنا بين التعامل معه للضرورة والتعاون، ثم حذرنا من الانخراط في مشاريعه المشبوهة ورسمنا خطوطا واضحة للمسيرة من خلال الحفاظ على استقلالية الكتائب وعدم انجرارها وراء أي تجمع أو فكر ما، ولا تنفذ أية أجندة لأي حزب أو جماعة معينة، فكان من نتاج ذلك أن الكتائب تنوعت بالأفراد والمقاتلين الذين انخرطوا في صفوفها وهم يحملون مختلف المشارب والرؤى وبأعداد كبيرة جدا.
إن رؤيتنا أننا حملنا السلاح لأن بلدنا قد صال عليه عدو جائر ودمر بناه وداس كرامتنا وهدد ديننا وعاث في أرضنا فسادا، فكان لزاما علينا أن نقاتله، وبذلك حددنا وجهتنا منذ البداية.
أما من تعاون مع الاحتلال ومن استثمر حالة الاحتلال وأراد أن ينتقم لأحقاد قديمة أو أن يحقق مصالح لقاء خدمة مشروع الاحتلال، فنعتبره من الأعداء ونحاربه قدر المستطاع، لكننا نعتبر أن الاحتلال هو المفسدة الكبرى، وهو الذي جاء بكل هذه الويلات والمصائب للعراق، فهو الأولى بقتالنا له ودحره بإذن الله تعالى.
وبناء على ذلك فإننا نعتبر الاحتلال وما ينتج عنه باطلا ولا يجوز أن نشجع أو ندعم فضلا عن المشاركة في كل أمر يرتبه الاحتلال، لاعتقادنا أن الذي يأتي به الاحتلال هو لخدمته فقط ولإطالة عمره وشرعنة وجوده.
نعم قلنا إننا نحترم من اختار طريق المقاومة السلمية، فأين هذا النوع من الناس فيما يسمى العملية السياسية كي نحترمهم، لم نر سوى السعي نحو تحقيق المصالح الشخصية والهرولة نحو إرضاء المحتل وتحقيق أهدافه، لكن هناك من هو خارج مشاريع المحتل ورفض أن ينخرط فيها وبقي يقاوم بالتحريض والكلمة والدعم المعنوي للمقاومة والوقوف بوجه مخططات الاحتلال وحكومته وفضحها على الملأ، ويسعون لتخفيف جراحات الناس، هؤلاء لا نحترمهم فقط، بل نعتبرهم في صف المقاومة، لأن القتال بالسلاح وحده لا يحرر الأوطان ولا يدفع عدوا صائلا.
يلاحظ البعض تراجع عمليات المقاومة في العراق، ألا ترون أن هذا جزء من النصر العسكري الذي يصر الرئيس الأميركي جورج بوش على أنه حققه في العراق؟
كما قلت من قبل فإن المقاومة في معظمها الغالب إسلامية، والمسلمون يقاتلون في سبيل الله ويعتقدون اعتقادا جازما أن النصر من عند الله تعالى وله أسبابه، فهناك أسباب أربكت حالة الجهاد والمقاومة في العراق مرتبطة بهذا الاعتقاد ولا نعزوه لقوة بوش وجيشه المهزوم حتى يعتبر نصرا له.
فالحرب سجال والأيام دول والطريق طويل، ونحن نعتقد أن المعركة طويلة، وعبرة الأعمال بخواتيمها ونحن نعتقد وبفضل الله علينا لن يخرج بوش وجيشه إلا ذليلا منكسرا يجر أذيال الخيبة والندامة على فعلته التي فعلها.
وتراجع أعمال المقاومة بعض الشيء هو خيار المقاومة لا خيار الأعداء لدخول عوامل وتحديات جديدة في الساحة بحاجة إلى تأن وتهيئة جديدة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
شهدت مدينة الموصل الأيام الأخيرة عملية عسكرية تم الإعلان خلالها عن اعتقال عناصر من تنظيمكم، ما حجم تأثير هذه العملية عليكم وعلى المدينة وفصائل المقاومة هناك بصفة عامة؟
الفصائل الجهادية لا تتأثر بما تتعرض له من استشهاد أو اعتقال، فهذا هو الطريق، وإن هذه الأفعال لهي مداد القلم الذي تسطر به المقاومة قصص النصر ومآثر البطولة، فدماء الشهداء ومعاناة الأسرى والمرتهنين هي التي تبقي شعلة الجهاد والمقاومة متقدة.
أما الأمر المهم في ذلك فإن الإعلان عن اعتقال أفراد من المقاومة ومن فصائل شتى يدحض أعذار القائمين على هذه العملية حيث يزعمون أنهم يستهدفون عناصر القاعدة، والحقيقة أنهم وبكافة أطيافهم يستهدفون كل المقاومة وبكل أطيافها ويعلنونها عاليا أنهم يحاربون كل الجماعات المسلحة والخارجين عن القانون وبدون تمييز حسب زعمهم.
ولكن ستبقى الموصل ونينوى عصية عليهم وستبقى ترفضهم وتقاتلهم، ولن ترضى الذل والهوان ولن تركع وسيندمون على فعلتهم هذه، ولن تؤثر مثل هذه المؤامرات على الجهاد والمقاومة، فإن لم يتحقق النصر على يدي هذا الجيل فستأتي أجيال وأجيال وستعيد للعراق بهجته وللدين حلته، أما الخونة والعملاء والمأجورون وأصحاب المصالح الضيقة، فلهم مكان مخصص في التاريخ اسمه المزبلة وعقابهم سيأتي بإذن الله عاجلا أم آجلا.
وما أسباب هذه العملية العسكرية وما علاقة الحزب الإسلامي بها في نظركم؟
مدينة الموصل، بل قل محافظة نينوى، شهدت في الأيام الأخيرة مؤامرة كبرى لا عملية عسكرية بالمفهوم العسكري، فإنها وقعت ضحية تفاهمات سياسية وزع خلالها النفوذ للأحزاب المشاركة في عملية الاحتلال السياسية تمهيدا للسيطرة على المناطق لتطبيق الفدرالية التي يرفضها عامة الشعب العراقي بمختلف أطيافه وأعراقه، وما الصلاحيات الواسعة التي منحت للمحافظات وفق قانون الانتخابات لمجالسها إلا مقدمة لذلك.
هذا أولا، وثانيا فهذه العملية جاءت انتقامية وتحقيقا لأجندة دولة مجاورة في النيل من البعد الوطني والقومي والإسلامي الذي تتمتع به نينوى، وبرز ذلك من خلال الضباط الذين أبلوا بلاء حسنا خلال الحرب العراقية الإيرانية، والدليل العدد الكبير من ضباط الجيش العراقي السابق الذين اعتقلوا، حتى إن أول عملية تطويق والشروع في الاعتقالات جاءت على حي خاص بالضباط القدماء اسمه حي 17 تموز.
وهذا رد عملي أيضا على من يدعي أنه موجود في لعبة الاحتلال الطائفية لإحداث توازنات طائفية ورد التدخل الإيراني، فها هم يدعمون وبقوة هائلة هذه العملية، لا بل يتأسفون لعدم وقوع عدد من المعتقلين أكبر من الآلاف التي أسروها وبرروها بغياب عنصر المباغتة، وهذا كلام زعيمهم.
والسبب الآخر للعبث بالموصل وأهلها أنها ما زالت حاضنة قوية للمجاهدين وشوكة في عيون المحتلين، وما زالت تنعم بالكرامة والعزة التي من الواجب على كل عراقي يؤمن بالديمقراطية التي جاء بها المحتل أن ينزع هذا الثوب ويرتدي بدلا منه ثوب الخسة والرذيلة.
اعتبرتم في حوار سابق مع قناة الجزيرة أن ما يعرف بمجالس الصحوات "طوق نجاة للاحتلال الأميركي بقصد أو بغير قصد" وأنها "كشفت كثيرا من عناصر المقاومة في الميدان" هل مازلتم على نفس الرأي؟

ما الذي تغير حتى نغير هذا الاعتبار، بل بالعكس كل يوم تثبت لنا الأحداث صحته، فالصحوات نعم هم طوق النجاة، وهم العيون الساهرة على خدمة الاحتلال، وهم الحراس الأمناء على أمن وراحة جنود الاحتلال، ولا أريد أن أطيل كثيرا في هذا، فقد أصبح ذلك معروفا للجميع.
لكن دعني أنقل عبارة وبالنص من البيان التأسيسي للمجلس المركزي لقيادة صحوة بغداد، الصادر في 15 فبراير/شباط 2008 ما نصه "وكانت هذه رسالة مهمة جدا وفي ظرف حساس ومن خلال تعاوننا معه لما حصل من حفظ دماء الأميركان على أساس حفظ هذه المدن وحفظ حياة مواطنيها والعمل سوية وفق رؤية مشتركة لبناء إستراتيجية جديدة وإعادة النظر بالأخطاء السابقة المتراكمة، ولكن للأسف فإنها لم تستثمر هذه الفرصة وتركت الأمور لتتلاعب بها جهات خاصة" وليس لدي تعليق بعد ذلك.
سبق لكم من خلال برنامج المشهد العراقي على قناة الجزيرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2006 أن طالبتم الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله أن يعلن موقفا واضحا من المقاومة العراقية، هل ترون أن ما جاء في خطابه الأخير من انتقاد للحكومة العراقية وإشادة بالمقاومة يسير في اتجاه ما طالبتم به؟
نحن نعتقد أن ما حصل هو بدفع من أطراف ليتكلم بذلك، وأنه كان يتكلم بلسان غيره لتحقيق أهداف مرجوة من هذا التصريح، ويخدم دولة لها مصالح في إرباك الوضع في العراق، وهي بحاجة في هذا الوقت إلى مثل هذه التصريحات للمساومة بها لتحقيق أغراض أخرى.
وقد يكون هناك دافع آخر هو محاولة للقفز على الأمور والهيمنة الإعلامية على حالة المقاومة في العراق ومحاولة سرقتها من أهلها الذين يعضون عليها بالنواجذ، وإلا لماذا هذا التوقيت بالذات وكانوا يسمون شهداءنا الذين يسقطون في مواجهة الاحتلال قتلى، وكانوا يرفضون أن يسموا الحالة في العراق بالمقاومة رغم المطالبات المستمرة لهم.
وكنا نتمنى أن يكون ذلك منذ فترة وبقناعة وليس وفق توقيتات وتوجيهات تملى عليهم، وكان بودنا منذ البداية أن يسموا الأشياء بأسمائها، ومع كل هذا نتمنى أن يكون ذلك انقلابا وتحولا في توجهاتهم، لأن ذلكم مما يخدم حالة الجهاد والمقاومة في العراق.
هل يمكن أن نتصور تنسيقا أو تعاونا بينكم وبين جيش المهدي والتيار الصدري مادام هو الآخر تعرض ويتعرض لحملات عسكرية من لدن الولايات المتحدة والحكومة العراقية؟
التيار الصدري وجناحه العسكري "جيش المهدي" لا يتخذ المقاومة منهجا له، وتحرير العراق ليس هدفا بحد ذاته، إنما هو يقاتل الأميركان أو يختلف معهم ومع الحكومة بين الفينة والأخرى ليحقق مصالح ما لتياره وجماعته، لأن التيار الصدري هو من شارك بقوة في هذه الحكومة الطائفية وهو من أوصل المالكي إلى سدة الحكم، فهو مشارك في إنعاش مشروع الاحتلال السياسي وبكل قوة، وقد تكون لدى البعض منهم نزعات عروبية تحاول الحفاظ على هوية العراق، لكن الغالب ليس كذلك.
فنحن نعتقد أن التيار الصدري وجيشه مسير لتحقيق نوعين من الأهداف، وهي أهداف خاصة به، لتحقيق مكاسب والحصول على المناصب والمال، وذلك لتقوية تياره ولو على حساب المبادئ، والأهداف الأخرى التي يحققها تخدم أجندة دولة جارة لها أطماع في بلدنا وتريد أن تنتقم لحسابات قديمة، وتود أن تصفي حساباتها مع الاحتلال من خلال التصارع على مساحات النفوذ في العراق.
ومع الأسف، فلقد سار التيار الصدري وجيشه بكل قوة في تحقيق هذه الأهداف، فكان أن انساق وراء فتنة كبرى أوقع خلالها المجازر البشعة وحاول إبادة مكون كبير يفترض أن يكون ظهيرا له في مقاومة الاحتلال، وذلك تحقيقا لرغبات خارجية.
وهذا مما لا ينسى على المدى القريب إلا بانقلابة واضحة وقوية من قبل التيار على كل ما هو فيه الآن، وأما الصراع الأخير الذي حصل بينهم وبين الاحتلال وحكومته، فإنما هو صراع على النفوذ وصراع على السيطرة على جنوب العراق وعلى ثرواته، ولا علاقة له بمقاومة المحتل وهذا ما صرح به المالكي نفسه عندما قال: نحن ذهبنا إلى البصرة لتصفية عصابات السرقة والإجرام، وهو يعني طبعا الخلاف حول النفط.
وهناك سبب آخر، وهو صراعهم على انتخابات مجالس المحافظات والمجالس البلدية، فكل هذا لا علاقة له بمقاومة الاحتلال، فمن يريد المقاومة فإن طريقها واضح لا لبس فيه.