الرباط توظف التصوف في لعبة التوازنات السياسية
الحسن السرات-المغرب
ذكرت دراسة أكاديمية مغربية أن عدد الزوايا والطرق الصوفية يجاوز 140 زاوية وطريقة في أنحاء المغرب برعاية حكومية تطورت مع الزمن من محاولة لضبط كل ما يتعلق بالمجال الديني إلى توظيف في مسعى لإيجاد توازنات سياسية.
وبحسب الدراسة التي أعدها الأستاذ في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء نجيب مهتدي بعنوان "الحكم والدين بالمغرب: محاولة في التأريخ السياسي للزاوية"، تقف على رأس هذه الزوايا الدينية الطريقة التيجانية بـ43 زاوية، والطريقة القادرية البودشيشية بحوالي 20 زاوية.
مهتدي أكد أنه مع مجيء الاستعمار فقدت الزاوية استقلالها وخضعت لحماية السلطان والمخزن، فصار شيوخ الزوايا والطرق يعينون بظهير ملكي، وبسطت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية نفوذها على ميراث الزوايا بحيث لا يتصرف فيه أحد إلا بإذنها، وذلك وفق أول ظهير ملكي يعود إلى عام 1913.
وأوضح أنه منذ 1984 ومع ظهور الحركات الإسلامية الحديثة وطموحاتها السياسية، شرعت الدولة المغربية في انتهاج سياسة دينية شاملة وجديدة تميزت ببسط اليد على مداخل المجال الديني ومخارجه ومفاتيحه.
ومع بروز الحركات الجهادية العالمية وهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة، غيرت حكومات الدول الإسلامية نظرتها للتصوف وزواياه، وقررت توظيفه في اللعبة السياسية واستعادة التوازن السياسي.
الطريقة المقربة
وفي عقدين من الزمن، تضاعف عدد الأعضاء والمنتسبين للطريقة القادرية البودشيشية التي يتزعمها الشيخ سيدي حمزة بلعباس، وصار لها موسم سنوي يعج بالزوار.
استطاع ابن شيخ الطريقة أن يصبح عاملا على إقليم بركان شرقي المغرب لسد الطريق على جماعة العدل والإحسان "الصوفية" السياسية.
لم يسجل للطريقة أي خروج إعلامي أو نزول إلى الشارع سوى في مناسبتين، الأولى ضد ندية ياسين كريمة شيخ العدل والإحسان عندما صرحت للصحافة بأنها "تفضل من الناحية الأكاديمية النظام الجمهوري على النظام الملكي".
والمناسبة الثانية هي أزمة الرسوم المسيئة لنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام، إذ شاركت الطريقة في المسيرة المغربية الشعبية الكبرى ضد هذه الرسوم.
صعود نجم الطريقة بدأ مع تعيين وزير ينتمي إلى الزاوية ليكون مسؤولا عن تدبير الشأن الديني والأوقاف الإسلامية التي تخضع زوايا المغرب بموجب ظهير ملكي لسلطتها ونفوذها منذ 1913، ثم أخذت الزاوية تعلو شيئا فشيئا ويهتم بها الإعلام الرسمي والإعلام العلماني واليساري معا.
الإسلام الشعبي
وفي هذا الشأن، يرى الدكتور عبد الرحيم العطري أستاذ علم الاجتماع بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، ومؤلف كتاب "صناعة النخبة بالمغرب" أنه "بعد تفجيرات 16 مايو/أيار 2003 اختارت الدولة إحياء نوع خاص من الممارسة الدينية، فالمغرب الرسمي وجد نفسه مدعوا للانتصار للإسلام الشعبي، الذي لا يتعارض مع مصالح الدولة بل يؤيدها ويبرر تصرفاتها".
وأضاف العطري للجزيرة نت أن هذه الزوايا قدمت الدليل تلو الآخر خصوصا في مغرب القرن التاسع عشر، على أنها رقم أساسي في معادلات النسق السياسي المغربي وتحديدا في لحظات التوتر والأزمة، وما يحدث الآن يؤشر على نوع من الاستعادة الرمزية لهذه الأدوار التاريخية والإدماج السياسي لها في إطار إعادة التوازن للنسق السياسي من مدخل الضبط الديني.
ويتميز الإسلام الشعبي -حسب العطري- بتبرمه الدائم من مناقشة كل ما له علاقة بالسياسة وامتلاك وسائل الإنتاج والإكراه، فالزوايا المراهنة على الإسلام الشعبي ترفض الخوض في النقاشات السياسية، وتحرم على مريديها الدخول في أي نزاع سياسي مفترض، لأنها تعتبر ذلك خيانة لمتنها وثقافتها الفرعية وجنوحا عن اختياراتها الإستراتيجية.
وتوقع أستاذ علم الاجتماع ألا يكون الاعتماد الكلي على "الإسلام الشعبي" لمداواة جراح 16 مايو/أيار ناجحا في كل الأحوال، والدليل على ذلك أنها رغم كل الملايين التي صرفت على خطة الضبط الديني وكل البرامج التلفزيونية والإذاعية التي خصصت للصوفية والزوايا، فإن الدار البيضاء كانت على موعد آخر يوم 11 أبريل/نيسان 2007 مع تفجيرات أخرى.