سيارات الأجرة في طهران صالون سياسي
ما تسمعه في سيارات الأجرة والحافلات في طهران قد لا تسمعه في مكان آخر، ففي هذا الفضاء الصغير المتحرك يبدو الإيرانيون على سجيتهم، ويعبرون عن آرائهم بأريحية تغيب إذا ما علموا أنهم يتحدثون إلى الإعلام.
ووسط الشكوى من الازدحام الذي يسرق حياتهم ببطء تسمع آخر نكته سياسية، ولأن الازدحام نفسه سيجعل طريقك طويلا مهما كانت المسافة قصيرة فالمجال متاح أمامك للإصغاء لتحليل سياسي حول آخر الأحداث يقدمه موظف أو طالب أو حتى سائق سيارة الأجرة نفسه.
فطريقة الإيرانيين في القيادة لا تلقي بالا لتحذيرات السلامة بعدم الحديث بين السائق والركاب، ستجد السائق يدير رأسه متحدثا للركاب في المقعد الخلفي.
يكفي أن تركب سيارة الأجرة من "ميدان تجريش" إلى "ميدان ولي عصر" لتسمع وترى الكثير في عاصمة من أكثر مدن العالم ازدحاما.
"هل سمعت آخر نكته عن رئيس الجمهورية" عبارة يقولها شاب يجلس في المقعد الأمامي متحدثا بهاتفه الخلوي إلى صديقه، وبسرعه يسمعه صديقه نكتة عن محمود أحمدي نجاد، فيضحك قائلا "هذه نكته قديمة"! ويبدأ بسرد نكتة عن أحمدي نجاد وأنجلينا جولي ويتبعها بأخرى، وما يتم حديثه حتى يسأله راكب من الخلف: الواضح انك من المعجبين بتعليقات المعارض إبراهيم نبوي، ليتدخل راكب ثالث: لكن موقع نبوي على الإنترنت أغلق ولا يمكن تصفحه من إيران، ليجيب الشاب متحمسا لا يا عزيزي سأدلك على طريقة لقراءة جميع ما كتبه نبوي، وهناك "موقع" جديد له سأعطيك عنوانه.
وهنا يأتي دور شاب بقي صامتا لبعض الوقت ليدلي بدلوه: أحمدي نجاد لم يأت من الفضاء، لقد انتخبناه نحن، يكفي أننا نشعر بالعزة في حديثه، بعد أن أراق خاتمي ماء وجوهنا بدعوى مد جسور الثقة مع الآخرين والظهور بمظهر المتحضر.
ويأتيه الرد: خاتمي كان وجه إيران الجميل، يكفي أنه جعل رموزا سياسية أميركية تأتي لتصغي إلى حديثه. ويحتد النقاش لكنه ينتهي سريعا بعد أن يدفع الشاب في المقعد الأمامي الأجرة وينزل ليصعد راكب آخر وتستمر "الرحلة".
تمر لحظات هدوء تنهيها دراجة هوائية اندفعت فجأة من اليسار إلى اليمين وكادت تتسبب بحادث، ليقذف السائق صاحبها بشتيمة، يرد عليها الآخر ويضيف: لست مجنونا لكنني أعيش في طهران.
وفي العاصمة التي يزيد عدد سكانها عن 11 مليون نسمه يتحرك 2.6 مليون سيارة، ومليونا دراجة هوائية تعمل الكثير منها في نقل الركاب بالأجرة، وحالات الشجار بين السائقين تبدو أمرا شائعا، أما حوادث السير فأعدادها مروعة وحسب إحصاءات الشرطة يوجد 400 ألف حادث تقتل 24 ألف إنسان في إيران سنويا، وعن التلوث حدث ولا حرج، إذ أغلقت المدارس لأيام في العام الماضي بسبب ارتفاع حدته، وتتحدث دراسة أجرتها المنظمة اليابانية "جايكا" عن أرقام كبيرة من الإصابة بأمراض مختلفة منها سرطان الرئة بفعل هذه المعضلة.
لمرات عديدة تفتح إشارة المرور وتغلق دون أن نتحرك من مكاننا، ينظر راكب في ساعته ويقول: الوقت من ذهب، لكننا في طهران نلقي ذهبنا هذا في سلة مهملات الازدحام، ويضيف في محطة قطار الإمام الخميني كتبت لافتة تقول : إن الإيرانيين يهدرون 3 مليارات ساعة من وقتهم في ازدحام طهران، وبعملية حسابية سريعة يجريها الراكب الذي يجلس إلى جانبي فان ذلك معناه 342 ألفا و465 سنة تضيع في زحمة المرور، وحسب الأرقام التي زودتنا بها الباحثة البيئية فريبا أصفهاني تستهلك السيارات في طهران يوميا 14 مليون لتر بنزين، و50% منها تستهلك في أوضاع التوقف نتيجة الازدحام الذي يغلق الطرقات وحتى السريعة منها، ولم يستطع مترو طهران البالغ طوله 65 كم حل المشكلة، إذ إنه ينقل 800 ألف شخص يوميا في حين أن أكثر من 10 ملايين شخص يتنقلون في المدينة يوميا.
يقترب مسيرنا من نهايته، يصعد آخر ركاب "رحلتنا"، كبير في السن يحمل بيده صحيفة، فيأتيه سؤال من السائق: ما أخبار الحرب، الفضائيات كلها تتحدث عن ضربة وشيكة سيوجهها الأميركان والانجليز لنا ونجاد يريد محاربة كل العالم، يرد المسن : " لا اعتقد أن هناك ضربة ، أميركا غارقة في حربها الديمقراطية، ونحن لسنا ضعافا، سنضيق عليهم الخناق في أفغانستان والعراق، ولن يكون أمامهم سوى محاورتنا وطلب مساعدتنا لإخراجهم من المأزق.