حزب الوسط.. ما هو ولماذا يتم رفضه؟

رفض محكمة الأحزاب في مصر منح رخصة لحزب الوسط
محمد عبد العاطي
 
رغم أن الانتماء الفكري العام لحزب الوسط الذي رفضت محكمة القضاء الإداري في مصر اليوم الاعتراف به يقع ضمن تيار الإصلاح الديني الذي تعود جذوره إلى جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، فإن ما يتميز به عن كل ما سبقه هو أنه يفرق بين مفهوم "الجماعة الدينية" التي في اعتقاده ينبغي أن تركز على مسائل الوعظ والدعوة إلى مكارم الأخلاق ومفهوم "الحزب المدني ذي المرجعية الإسلامية".
 
ويتعين وفق معتقدات الحزب أن يتأسس برنامجه في بعديه السياسي والاقتصادي وفقا لنظرات "واقعية" تقوم على اجتهاد بشري قابل للخطأ والصواب، وتؤمن بالتعددية السياسية، وبالتبادل السلمي للسلطة، وترضخ لكل قواعد ونتائج العملية الديمقراطية "شريطة ألا تتصادم مع المبادئ الكلية العامة للدين سواء أكان إسلاميا أم مسيحيا".
 

ويقول مؤسسو الحزب إن "المرجعية الفكرية" لأي حزب سياسي لا ينبغي أن تتاح للأحزاب المسيحية واليهودية والهندوسية والماركسية والليبرالية كما هو جار ومستقر في العالم ويحرم منها الإسلام الذي هو دين وحضارة.
 

"
حزب الوسط امتداد لتيار الإصلاح الديني لكنه يتميز عن كل ما سبقه بدعوته لتأسيس حزب مدني سياسي يهتدي في مرجعيته بالإسلام الذي تخضع نصوصه للاجتهاد البشري ويقبل الخطأ والصواب
"

وهم يعتقدون بأن السماح لحزب "مدني سياسي بمرجعية إسلامية" من شأنه أن يحل أزمة معقدة منعت الحياة السياسية المصرية من التطور طيلة ما يزيد عن 50 عاما، وتسببت في خصام كانت له كلفة حضارية كبيرة بين الدولة "التي يتحكم في مفاصلها نظام حكم الحزب الواحد بمسمياته المتعددة سواء أكان الاتحاد الاشتراكي إبان العهد الناصري أم الحزب الوطني خلال فترتي حكم الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك، وبين المجتمع المرتبط ثقافيا وحضاريا ودينيا بالإسلام".

 
ويقولون إن جل أفراد المجتمع المصري لا تجد في "خريطة الأحزاب السياسية المصرية الحالية" من يعبر عنهم بصورة أصيلة، ويضع هذه المكونات وتلك الروافد ضمن أسسه الفكرية وحركته السياسية، وقد جاء حزب الوسط كما يقولون "ليحل هذه العقدة".
 
رحلة قضائية طويلة
وقد مر مؤسسو الحزب من أجل الحصول على الاعتراف القانوني بهم بطريق طويل استمر سيرهم فيه لأكثر من 10 سنوات، تخللها اعتقال لبعض المؤسسين وإحالتهم للمحاكمة العسكرية ثم حصولهم على البراءة وسعيهم لنفي "شبهة التنسيق الخفي" مع جماعة الإخوان المسلمين التي لحقت بهم على خلفية الانتماءات القديمة لبعض قيادات الحزب مع هذه الجماعة.
 
وفضلا عن السنوات الكثيرة التي مرت حتى اقتنعت أجهزة الأمن المصرية باستقلالية المؤسسين فكريا وتنظيميا عن جماعة الإخوان المحظورة، واجهت الحزب مشكلة رفض لجنة شؤون الأحزاب التي يسيطر عليها الحزب الوطني الحاكم.
 

"
الحكومة المصرية
رفضت الاعتراف بالحزب بحجة عدم تميز برنامجه، في
حين يقر القضاء غير الخاضع لتدخلات السلطة التنفيذية بأن الحزب متميز
 في طرحه الفكري وبرنامجه السياسي
"

وبررت اللجنة رفضها بـ"عدم تميز برنامج الحزب"، ما يوجب على المؤسسين قطع مسافات طويلة في رحلة إقناع لجنة الأحزاب ومحكمة القضاء الإداري وهيئة مفوضي الدولة بقصة "التميز"، وبإيضاح الفرق بين "الحزب الديني" و"الحزب المدني ذي المرجعية الإسلامية" الذي يعمل في ظل الدستور.

 
وقد حصلوا بالفعل عام 2004 على حكم مهم صادر عن قاض قبطي قرأ برنامجهم وأقر بأنه "متميز" وبأنهم "يستحقون الاعتراف بشخصيتهم الاعتبارية".
 
ولم تتوقف سلسلة العراقيل أمام قضية "التميز" وإنما أضيف إليها واقعة سحب سبعة من الوكلاء المؤسسين الأقباط لعضويتهم من الحزب جملة واحدة، وهو ما عزاه مؤسسو الحزب إلى "ضغوط" مورست عليهم خاصة أن هؤلاء الأقباط يقطنون في محافظات مختلفة ولا يعرف بعضهم بعضا.
 
وقد حجزت قضية منح الترخيص للحزب للحكم فيها ضمن 12 قضية أخرى مشابهة، وكان الجميع على موعد اليوم لسماع النطق بالحكم، الذي جاء للمرة الثالثة بالرفض.
 
وعن السيناريو المستقبلي المتوقع بعد هذا الحكم يقول أبو العلا ماضي وكيل المؤسسين وهيثم أبو زيد مدير الحزب، في اتصال هاتفي مع الجزيرة نت، إنهم يعتزمون الاستمرار في طرق أبوب القضاء للمرة الرابعة، وإنه لا سبيل أمامهم إلا السعي من جديد وبكل الطرق الحضارية والسلمية للحصول على الموافقة.
 
وعبرا عن أملهما بأن تحظى مسألة تشكيل محكمة الأحزاب المكونة من 14 عضوا نصفهم من القضاة ونصفهم من الشخصيات العامة القريبة من الحزب الحاكم بمزيد من تسليط الضوء عليها، خاصة من قبل دعاة الإصلاح والشارع السياسي المصري الذي يتوق كما يقولان إلى حياة حزبية وبرلمانية تدب فيها الروح في ظل دعوات الإصلاح الدستوري الحالية.
 
المصدر : الجزيرة

إعلان