كلمة المدير العام لشبكة الجزيرة في عيدها العاشر

حفل افتتاج مهرجان الجزيرة الدولي الثاني للإنتاج التلفزيوني

خنفر: انطلاق الجزيرة شكل لحظة حاسمة في تاريخ المنطقة والعالم  (الجزيرة)

تحتفل شبكة الجزيرة بالذكرى العاشرة لانطلاق قناتها الأم الناطقة بالعربية التي قدمت الكلمة الحرة والرأي الآخر وحققت إنجازات إعلامية عديدة رفعتها إلى مصاف المؤسسات الإعلامية العالمية.

وبهذه المناسبة يخاطب السيد مدير شبكة الجزيرة وضاح خنفر العاملين في القناة ومشاهديها في أنحاء العالم في حفل يقام لهذا الغرض مساء اليوم في العاصمة القطرية.


عشر سنوات من الإعلام الحر

الاحتفال بالعيد العاشر لانطلاقة الجزيرة ليس احتفاء بذكرى عابرة، إنه احتفال بحرية الكلمة الصادقة، وانعتاق من قيود الرؤى الضيقة. إنه احتفال بإرادة صنعت للناس وفي الناس أثرا لا ينمحي، ورفعت لمهنة الصحافة مكانة في قلوب الناس لا تزول.

عشر في عداد الزمن قصيرة، وفي ميزان الفعل والتاريخ مديدة، فما ارتقت مؤسسة من قبل إلى ما وصلت إليه الجزيرة في عشر سنين، حتى غدت قصة نجاح يسأل كثيرون عن سر تفوقها وسرعة انتشارها.

الأول من نوفمبر عام 1996 شكل لحظة حاسمة في تاريخ المنطقة والعالم، إنه اليوم الذي بدأ فيه عتق الإعلام العربي من قيود السلطة وأغلال السياسة، وهو اليوم الذي تحرر فيه المشاهد العربي من أخبار صماء جوفاء زادت مشاهدها وهنا على وهن، وقالت كل شيء يريده الساسة إلا الحقيقة، وهو يوم نحتفل فيه بقيمة الإبداع، فالصحفي العربي لما وجد الحرية والإمكانات انطلق محلقا يطاول إنجازه عنان السماء، دونما انحباس في مشاعر النقص ودونية الأداء.

الجزيرة أعادت لتقاليد الصحافة الحرة ألقها: شجاعة ومصداقية وانحيازا للحقيقة دونما محاباة ولا مهادنة. اليوم وبعد عشر سنوات صار عسيرا أن تزيف الحقيقة أو تكيف أو تحرف، فالجمهور العربي بوعيه وحصافته اعتاد أن يرى ويسمع الحقيقة عبر الجزيرة كما هي، فأضحى عسيرا على أية قناة أو مؤسسة إعلامية أن ترقى إلى ذوق المشاهد العربي أو تحظى بقبوله ورضاه دونما اتباع لروح الجزيرة.

لقد وضعت الجزيرة الإنسان في مركز سياستها التحريرية، فاحترمت عقله، ودافعت عن حقه في المعرفة، ودنت منه تتحسس مكامن ألمه وتستشرف مرامي أمله، تصالحت مع ضمير المجتمع وعقله الكلي، ساءلت أهل السلطة، وحاورت نخب المجتمعات، لم يكتف مراسلوها بأخبار القصور وقاعات المؤتمرات، بل طوفوا في البلاد، وتواصلوا مع أهل المدن والبوادي والأرياف، ونقلوا من جبهات القتال ومناطق النزاع أكثر التقارير والأخبار دقة وتوازنا، بشجاعة ومهنية لا تضاهى، عندها انحاز المشاهدون للقناة وأحبوها، وأيقنوا أنها تعبر عنهم وتنظر بعيونهم.

أما أهل السلطة وأرباب السياسة في عالم اليوم فكان لهم موقف آخر، تشكيكا واتهاما، ثم تضييقا واستهدافا، فما ضر الجزيرة ما وقع على مراسليها ومكاتبها، بل ما زاد ذلك الجزيرة إلا عزما، وحافظت سياستها التحريرية على حرفيتها واتزانها، فما انبرت الجزيرة طرفا سياسيا يكافئ ويخاصم، فالإعلامي الحر لا يسعى إلى إرضاء أهل السلطة على حساب المهنة، ولا يستخدم شاشته أو قلمه لينتقم لنفسه، تنزيها لرسالة الإعلام عن خصومات السياسة.

في يومنا هذا أترحم على أرواح شهداء الصحافة في كل مكان، لا سيما أبناء الجزيرة منهم: طارق أيوب ورشيد والي وأطوار بهجت، وأقف إجلالا أمام تضحيات زملائنا تيسير علوني وسامي الحاج، وأحيي كل أولئك الذين بذروا بذرة الخير هذه، ورعوها حتى استوت وارفة الظلال، أحيي الجيل المؤسس للجزيرة وكل من ساهم في بناء هذا الصرح العظيم من أعضاء مجالس الإدارة ومن مدراء سابقين ومن صحفيين ومراسلين وتقنيين، سواء أكانوا نجوما أم جنود خفاء.

وأشكر كذلك كل من تعاون مع الجزيرة من خلال النصح والتقييم، ومن خلال الظهور ضيفا على شاشتها من محللين ومثقفين وخبراء وأهل رأي.

أما جمهور مشاهدينا فلهم أقول: إن إقبالكم على الجزيرة وحبكم لها هو زادنا الأهم في مسيرتنا، فلن تجدوا منا إلا الوفاء لمهنتنا وقيمنا الإعلامية.

ولا يفوتني أن أحيي الزملاء في القناة الرياضية، ونحن نحتفل معهم بالعيد الثالث لانطلاقة الجزيرة الرياضية، التي غدت في زمن قصير باقة متميزة من القنوات الرياضية الأكثر حرفية.

أما بعد، فالجزيرة لن تستظل بمجد قد تحقق، ولن تقف على رجع إنجاز قد ولى، بل هي إلى الأمام دوما متطلعة، فعما قريب سيشاهد العالم الجزيرة الإنجليزية، كأول قناة إخبارية إنجليزية تنطلق من الجنوب، ستبني القناة الجديدة على روح الجزيرة وإنجازها، وستنطلق بالشبكة نحو العالمية، مؤذنة بعهد من التواصل وجسر من التعارف جديد.

وبعدها بقليل ستنطلق الجزيرة الوثائقية، كأول قناة وثائقية عربية. ثم لن يقف طموح شبكة الجزيرة عند حد، بل سنستشرف المستقبل، ونصل إلى مشاهدينا في أي مكان وبأية وسيلة ممكنة.

وإن كان من كلمة حق في ختام كلمتي هذه فهي لمن امتلك بصيرة التأسيس وعزيمة الإصرار على النجاح، رغم الصعوبات والضغوط، أشكر باسم كل العاملين في شبكة الجزيرة وباسم من أحبوا القناة سمو الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وأشكر قطر حكومة وشعبا وإعلاما وهيئات…

وكل عام والكلمة الحرة بخير

المصدر : الجزيرة