الجنود الأميركيون يدفعون فاتورة حرب العراق من صحتهم

بينما تؤرق الولايات المتحدة مسألة زيادة أو خفض عدد جنودها في العراق أو تحديد مدة وجودهم به، تشير أدلة علمية متنامية إلى أن الجنود الأميركيين (وغيرهم من الحلفاء) سيدفعون ثمن الحرب أمراضا ومعاناة لعقود قادمة.
فما صدر مؤخرا من أبحاث يشير إلى أن الجنود الذين قاتلوا في ساحات قتال مثل فيتنام ولبنان هم أكثر عرضة للوفاة بسبب الحوادث بعد عودتهم من الحرب، وأكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والشرايين والبول السكري بل والسرطان لاحقا.
وهذه المشكلات من المرجح أن تصيب -على الأخص- الجنود الذين خبروا قتال حرب المدن الذي يحدث في العراق الآن.
وقد نشرت مجلة "نيوسيانتيست" العلمية مؤخرا ملخص نتائج مراجعة مطولة قام بها فريق بحث طبي أميركي بقيادة الدكتور جوزيف بوسكارينو -من أكاديمية الطب بنيويورك- لدراسة مسحية تفصيلية أجريت عام 1985 على 18 ألف جندي أميركي ممن خدموا في حرب فيتنام للنظر في حالات من توفي منهم، وكيفية الوفاة.
إجهاد ما بعد الصدمة
وتبين بعد إعادة تحليل بيانات دراسة 1985 للتعرف على الذين أصيبوا من الجنود بـ"اضطرابات إجهاد ما بعد صدمة الحرب" أن هناك فروقا شاسعة في معدلات الوفاة بين مجموعة عانت أمراضا مستعصية نتيجة الضغوط النفسية وتوفي أفرادها نتيجة ذلك ومجموعة توفي أفرادها طبيعيا، وعلى مدى 30 عاما بعد نهاية حرب فيتنام.
وتتمثل اضطرابات إجهاد ما بعد الصدمة التي تنتاب الجنود بعد الحرب باسترجاعات مفزعة من الذاكرة، والمراوحة بين التنميل (الخدر) العاطفي واندلاعات الغضب والشعور بالذنب والاكتئاب.
وقد يعاني بعضهم فقد الذاكرة والقدرة على الانتباه ومن الأرق والقلق، وغالبا ما يقعون فريسة الإدمان على المخدرات والكحول في مرحلة لاحقة من حياتهم، بيد أن المعروف بشكل أقل هو أن اضطرابات إجهاد ما بعد الصدمة تؤدي إلى صحة بائسة جسديا كما هي بائسة نفسيا.
وفاة محتملة
لاحظ الباحثون أن الجنود الذين يعانون من اضطرابات إجهاد ما بعد الصدمة، أكان ذلك بعد خبرة قتالية أو من دونها، كانوا أكثر عرضة للوفاة بأسباب خارجية كالحوادث والمخدرات والانتحار.
أما الجنود الذين أصيبوا باضطرابات إجهاد ما بعد الصدمة نتيجة القتال فقد كانوا كذلك أكثر عرضة للوفاة بأمراض القلب، بل وللمفاجأة، بسبب مختلف أنواع السرطان.
أما الدراسات الأخرى فقد وجدت ارتباطا بين الإجهاد وأمراض القلب، وهي المرة الأولى التي يثبت فيها هذا الترابط مع اضطرابات إجهاد ما بعد الصدمة، وبعد حدوثها بسنوات عديدة.
بيد أن السرطان هو المفاجأة التي توقف عندها الباحثون، ولم يمكن تفسيره بالفروق بين الجنود في عادات التدخين.
كذلك وجد الباحثون أن المصابين باضطرابات إجهاد ما بعد الصدمة قد يشهدون على المدى البعيد تغيرات في مختلف ردود الفعل المناعية، ومستويات هرمون الإجهاد "كورتيزول" وكيماويات متل "الأدرينالين" و"الدوبامين" المسؤول عن انفعالات القتال والاشتباك.
كما لاحظوا وجود علاقة مباشرة بين مقدار تعرض الجنود للقتال والانخفاض في مستويات هرمون الإجهاد. فازدياد الوفيات بين المصابين بإجهاد ما بعد الصدمة يبين أن الإجهاد يقتل.
ولكن التأثير الأكبر بكثير بين الجنود الذين خاضوا القتال فعلا يظهر أن هناك بشكل خاص شيئا ما سيئا يصاحب هذه الظواهر، وقد يعود إلى مستويات هرمونات الإجهاد والضغوط النفسية.
كما تنبأ الدكتور بوسكارينو -وهو أيضا أحد محاربي فيتنام القدامى- بأن مستويات اضطرابات إجهاد ما بعد الصدمة للجنود الأميركيين الذين خدموا في العراق ستماثل نفس المستويات لدى الجنود الذين قاتلوا في فيتنام.
دراسات أخرى
" كلما زادت الاشتباكات بالنيران التي يخوضها الجنود يصبحون أكثر عرضة للإصابة باضطرابات ما بعد الصدمة " |
فالحرب في العراق تماثل حرب فيتنام من حيث القنابل المزروعة على الطرق والكمائن المنصوبة للإيقاع بجنود الاحتلال والعصيان المدني.
والحقيقة أن هذه النتائج لا ينفرد بها فريق بحث الدكتور بوسكارينو وحسب، ففي مارس/ آذار الماضي نشر الدكتور يائيل بنياميني وزملاؤه في جامعة تل أبيب نتائج دراستهم لصحة الجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في احتلال لبنان عام 1982 في مجلة "سوشيال سيانس آند ميديسين".
ووجد فريق بحث جامعة تل أبيب أن الجنود الإسرائيليين الذين أصيبوا باضطرابات إجهاد ما بعد الصدمة هم الآن أكثر عرضة بمقدار الضعف للإصابة بأمراض ارتفاع ضغط الدم والقرحة والبول السكري، كما أنهم أكثر عرضة بخمسة أضعاف للإصابة بأمراض القلب والصداع، مقارنة بالذين لم يصابوا باضطرابات إجهاد ما بعد الصدمة. فهي الآلية الأهم التي ينتقل عبرها المحاربون القدامى من الصدمة إلى الصحة البائسة.
وكانت دراسة أجراها علماء الجيش الأميركي في العام الماضي ونشرت بمجلة نيوإنغلند جورنال أوف ميديسين قد خلصت إلى أن 18% من الجنود الأميركيين الذين خدموا في العراق معرضون للإصابة باضطرابات إجهاد ما بعد الصدمة، وهذه النسبة تترجم عدديا بنحو 60 ألف جندي.
وكلما زادت الاشتباكات بالنيران التي يخوضها الجنود يصبحون أكثر عرضة للإصابة بهذه الاضطرابات.
ــــــــــــــــ
الجزيرة نت