قيادي بالحزب الحاكم بالسودان ينادي بفصل الجنوب
حاوره: عماد عبد الهادي-الخرطوم
هاجم عضو هيئة شورى المؤتمر الوطني الطيب مصطفى الحركة الشعبية لتحرير السودان ورئيسها جون قرنق ووصفها بالإقصائية ودعا إلى انفصال الجنوب عن الشمال معتبرا أن لا مبرر لوحدة يستمر معها نزيف الدم في السودان.
لماذا هذه الدعوة وفي هذا الوقت بالذات؟
أولا: لقد تشكلت لنا قناعة تامة بأن الجنوب لن يتعايش مع الشمال في سلام ووئام لأسباب أوجزها في تزايد الكراهية الدينية والعرقية والثقافية التي يدفعها عالم غربي مناوئ للإسلام والعروبة.
ثانيا : هذه الدعوة لم تكن وليدة هذه الأيام بل بدأت منذ نحو ثماني سنوات حينما اعترفت القوى السياسية السودانية بحق تقرير المصير للجنوب ووقتها لاحت أسئلة عدة في الأفق كان على الجميع الإجابة عليها، مثال: ما هو الرابط بيننا والجنوب؟ ولماذا الوحدة ونحن لا نطيق بعضنا البعض؟ وهل الجميع مستعدون لاتخاذ خطوة توقف نزيف الدم الذي لم يتخط بيتا سودانيا واحدا؟ وهل نحن ظلمنا الجنوب أم أن الجنوب هو الذي ظلم الشمال؟.
ثم كان السؤال الذي أعتبره أكثر نضجا وهو ما هي المبررات الحقيقية للوحدة؟ فللأسف لم توجد إجابة واحدة مقنعة تجبرنا على السعي لإقناع الآخرين بها.
ومن تلك اللحظات بدأت وآخرون نعلن مواقفنا الحقيقية التي نرى أنه من الواجب علينا إعلانها.
ألا تعتقد أنها وليدة لليأس من حل أزمة الجنوب وقتها؟
لا أعتقد ذلك بل هي وليدة تفكير عميق في ما آل إليه حال السودانيين جميعا (شمالا وجنوبا).
لكن هناك معترضين كثرا على مبدأ الحديث عن الانفصال؟
الحديث عن هذا الموضوع فيه شيء من الغرابة -لأن السودانيين تربوا على العاطفة- فالوحدة والانفصال ينبغي أن ينظر إليهما على اعتبار أنهما واردتان حيث يمكن أن ينقسم السودان إلى دولتين ولن يكون التأثير أكثر مما قد حدث.
لماذا؟
بداية لأن السودان كقطر واحد حديث التكوين مقارنة بالدول الأخرى العريقة في هذا الجانب والتي عندما وقع الانفصال فيها لم يحدث شيئا.
ثانيا: لقد جربنا الوحدة لكنها فشلت تماما في إثبات ذاتها.
ثالثا: إن الوحدة غير متطورة إلى الأحسن، فالحرب مستمرة والأحقاد مستمرة فلماذا نصر عليها؟ (إذا استحالت الحياة بين زوجين فالأصل والأفضل أن ينفصلا).
وهذا بالطبع يمثل عودة للوعي لأننا لم نفكر في هذا الأمر من قبل وهو ماثل بيننا، قضينا سنوات طويلة في هذا الطريق المليء بالأشواك والدماء، وخمسون سنة من القتل والتدمير كافية لتعضيد موقفنا.
إذا اعتبرنا أن موقف الشماليين هو المحافظة على الجنوب عاطفيا فهل تعتقد أن الجنوبيين يريدون الانفصال أيضا لكنهم يخفونه؟
" الحركة الشعبية حسب برنامجها تسعى لإنشاء السودان الجديد بإنهاء النموذج العربي الإسلامي المتحكم في السودان الآن وإعادة بناء السودان الجديد عن طريق الإحلال والإبدال " |
الآن هم لا يخفون شيئا بل واضحون جدا، فقد قال جون قرنق في محاضرة له في فرجينيا بالولايات المتحدة الأميركية قبل سنتين إن الهدف الرئيسي من قيام الحركة الشعبية هو إنشاء السودان الجديد بإنهاء النموذج العربي الإسلامي المتحكم في السودان الآن وإعادة بناء السودان الجديد عن طريق الإحلال والإبدال.
وهذا الهدف فسره في مارس/آذار الماضي في خطابه أمام مؤتمر الفيدرالية بالعاصمة البلجيكية بروكسل وأمام النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان طه حيث قال إن اتفاقية السلام التي توصل إليها السودانيون عبر التفاوض الطوعي وتم توقيعها في التاسع من يناير/كانون ثاني الماضي قد تأسست على التحول الكبير من الدولة النخبوية الموروثة من الاستعمار في السودان القديم والمؤسسة على هيمنة القليل من الناس وتهميش الأغلبية، بجانب أحاديثه (قرنق) التي يقول فيها إن العرب والمسلمين يجب أن يخرجوا من السودان كما خرجوا من الأندلس رغم أن الثابت تاريخيا أن الدينكا وبعض القبائل الجنوبية جاءت إلى السودان من منطقة البحيرات منذ 400 سنة فقط.
والحركة الشعبية حسب برنامجها تسعى لإنهاء الثقافة العربية والإسلامية وظل هذا الاتجاه في أدبياتها الكثيرة جدا (ففي الاحتفال الذي أقامته الحركة الشعبية بمناسبة مرور 22 عاما على تأسيسها تحدث رئيسها عن أن هناك مواطنين من الدرجة الثانية وآخرين من الدرجة الأولى ويجب أن نتحرر منهم ونصبح مواطنين أسيادا).
كما أن هذه الفتنة وهذه الروح يقودها كبار رجالات الحركة الشعبية ضد الشمال ودائما ما يستعملون هذه الخطب العنصرية التي تسعى لإحلال ثقافة محل أخرى.
أما دستور الحركة فتقول إحدى فقراته إن الناطقين بالعربية يمثلون 31% بينما تمثل القبائل الأفريقية 69% وفق إحصاء 1956. أما الذين يمثلون العنصر العربي فهم 15% (أي بمعنى أنهم أقلية متحكمة)، ومع هذا نرى أن السياسيين في الشمال يستكينون بل يمثلون دور (الأرانب). أليس هذا كافيا لأن يبين لنا أن الحركة الشعبية ما هي إلا حركة عنصرية تريد أن تقصي الآخرين وثقافاتهم.
فنحن أعلنا موقفنا والبعض اعتبرنا خارجين عن القانون، ونحن لا نرفض ذلك لكنا نقول إن التاريخ يصنعه دوما الخارجون عن القانون (فدعونا نخرج عن المألوف وعلى ما وجدنا عليه آباءنا).
وللأسف الشديد إن سياسيينا ليست لديهم الجرأة (عندما كنت وزيرا كنت ملجما لا أستطيع التحدث بقناعاتى) وكذلك السياسيون لا يجهرون بآرائهم الحقيقية بل يقولونها في الخفاء فقط لكنهم يريدون من يتصدى للقيادة ويعلن هذا الأمر على الملأ، فأنا أعلم أن عددا كبيرا من السياسيين يؤيدون هذا الرأي لكنهم غير مستعدين لتحمل تبعات أقوالهم.
يرى كثيرون أنكم فئة رافضة داخل حزب المؤتمر الوطني يعارضكم في العلن ويؤيدكم بل يدعمكم في الخفاء ويعتقد أنكم بطاقات ضغط يريد استخدامكم على الجنوبيين والحركة الشعبية شريكه القادم وقتما تحين الفرصة لذلك؟
" نتفق مع المؤتمر الوطني في بعض سياساته ومواقفه أما فيما يخص قضية الجنوب فلسنا مؤتمرا وطنيا " |
هذا الاعتقاد ليس صحيحا البتة، فالمؤتمر الوطني يضيق بنا ذرعا وعندما أعلنا هذا الأمر على الملأ عوتبنا وقرعنا وحدثت ملاسنات بيننا بل تمت مساءلتنا من قبل الأمين العام للمؤتمر الوطني، لكننا لم ولن نتوقف.
نتفق مع المؤتمر الوطني في بعض سياساته ومواقفه أما فيما يخص قضية الجنوب فلسنا مؤتمرا وطنيا. فنحن أحرار ولن نعمل تحت الأرض أو نتآمر في الخفاء، ونقول لماذا الإصرار على هذه الخطيئة (الوحدة) وبيننا الحيثيات موجودة؟
وماذا لو انفصل الجنوب؟
والله لن نذرف دمعة واحدة عليه.
وماذا عن الخيرات في أرض الجنوب وعلى رأسها البترول؟
قبل البترول لم يقتلنا الجوع وبعده لم تقتلنا التخمة.. فالله يغنينا ويغنيهم.
ألا تعتقد أن هذه الدعوة ستفتح مجالا لانفصال أقاليم أخرى كدارفور والشرق مثلا؟
أهل دارفور والشرق لم يطالبوا يوما بالانفصال لأن الذي يربط بين الشمال والوسط والشرق والغرب يوحد أكثر مما يفرق، فقد حدث التزاوج والتصاهر بين كل قبائل هذه الأقاليم أضف إلى ذلك أهم العوامل وهو الدين الواحد (فلو أجرينا استفتاء على المواطنين التشاديين لاختاروا الوحدة مع السودان ناهيك عن دارفور والشرق).
هاجمتم الحركة الشعبية ورئيسها وأعلنتم تحفظكم صراحة على اتفاقية السلام ما هي الدوافع لذلك؟
" هاجمنا قرنق لأنه شخصية تنعدم فيها الثقة تماما ولا تعرف المواثيق والعهود ولذلك فهو خطير جد على مستقبل السودان " |
هاجمنا الحركة لأنها حركة عنصرية إقصائية وهاجمنا رئيسها لأنه شخصية تنعدم فيها الثقة تماما وهو يجيد المراوغة والمؤامرات ويؤمن بثقافة البندقية وأسهل وسيلة له هي القتل، وبهذه الشخصية المراوغة التي لا تعرف المواثيق والعهود يصبح قرنق خطيرا جدا على مستقبل السودان.
أما أتباعه من الشماليين فهم مجرد (خدم) في بلاطه وليس من حقهم مناقشة القضايا المصيرية والإستراتيجية ودونكم مؤتمر رمبيك الذي لم يتشرف شمالي واحد في الحركة بحضوره.
وفيما يتعلق بتحفظنا على الاتفاقية فذلك لأنها أعطت قرنق والجنوب أكثر مما يستحق بل كانت فيها تنازلات كبيرة (قرنق يطلب ويتعنت والحكومة تستجيب).
لماذا حدثت هذه التنازلات برأيكم؟
لا أريد أن اتهم أحدا ولكن أقول إنها حدثت، وأهم ما فيها أن الضغوط الدولية التي مورست على الحكومة كانت كبيرة جدا فحصلت الحركة على ما لا ينبغي أن تحصل عليه، لذلك يعتقد رئيسها أن هذه الخطوة ليست كافية بل إنها تكتيكية باتجاه تحقيق السودان الجديد.
ــــــــــــــــــ
مراسل الجزيرة نت