عون العائد.. زعامة أفسدت الحسابات الانتخابية

أحدثت عودة العماد ميشال عون تداعيات كبيرة في الساحة السياسية اللبنانية عموما, وساحة قوى المعارضة خصوصا, وخلطا شديدا في أوراق المعركة الانتخابية التي تبدأ في بيروت 29 مايو/ أيار الجاري, على مستوى الترشيح أوعلى مستوى التحالفات واقتراع الناخبين.
مرد هذه التداعيات إلى الاعتبارات الآتية:
أولا: عودة العماد عون, بعد غياب 15 سنة عن ساحة الفعل السياسي المباشر, بمجموعة من المواقف والأطروحات لم تكن موضوعة على جدول الأعمال, في الفترة الأخيرة, وأهمها الحاجة إلى المحاسبة والمساءلة عن الإهدار المالي في السنوات الأخيرة, وحديثه عن فساد الطبقة السياسية بمجملها, من غير تمييز بين موالاة ومعارضة.
" عاد العماد عون, بعد غياب 15 سنة عن ساحة الفعل السياسي المباشر, بمجموعة من المواقف والأطروحات لم تكن موضوعة على جدول الأعمال, في الفترة الأخيرة, وأهمها الحاجة إلى المحاسبة والمساءلة عن الإهدار المالي في السنوات الأخيرة " |
ثانيا: امتلاكه قاعدة شعبية واسعة, عابرة للطوائف والمناطق, مما يؤهله للعب دور يتجاوز حدود الساحة المسيحية وحدها, ليطل على مجمل البلد.
ثالثا: ترافقت عودته مع مجموعة من الاتهامات والظنون عن "صفقة" أبرمها مع السلطة اللبنانية وراعيها السوري, ضمن إزالة العوائق القانونية والمالية التي كانت تنتصب في وجهه منذ مغادرته البلاد نفيا بعد دخول القوات السورية القصر الجمهوري في بعبدا.
ويضاف إلى ذلك انتشار الاتهام بأن السلطة ترمي, من وراء تسهيل عودته, إلى تصديع صفوف المعارضة, لعلمها أن ثمة توترات ضمنية وعلنية بين التيار الوطني الحر الذي يقوده عون, وسائر تشكيلات المعارضة مسيحية وإسلامية, وأن العماد سيسلك بصفته قائد المعارضة الأوحد, فيما يتهم سائر القوى بممالاة النفوذ السوري, خلال حقبة السيطرة السورية.
رابعا: توتر علاقته مع" قرنة شهوان" الذي كان يملك حصرا تمثيل الساحة المسيحية, بغطاء ودعم علنيين من بطريرك الموارنة نصر الله صفير.
خامسا: شيوع الحديث عن رغبة أكيدة لدى الجنرال بأن يكون مرشحا لرئاسة الجمهورية, بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود, مع ما يمليه ذلك من تقديم صورة جديدة عنه تتعالى عن المعارضة والموالاة معا, وتكون مقبولة من الأوساط العربية والدولية, ولدى سوريا. ومعلوم أن هذا الطموح سيسبب جملة من الاشتباكات المسيحية مع عدد وافر من السياسيين الموارنة, الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب حظوظ في الوصول إلى الرئاسة الأولى.
سادسا: عدم قبول الجنرال بتركيبة المعارضة التي كانت رست على قاعدة ثلاثية: تيار المستقبل بزعامة سعد الدين الحريري, الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط, وقرنة شهوان, وتطلعه إلى موقع أساسي مقرر يجعل المعارضة مرتهنة له.
هذه العناصر المشتركة ألقت بثقلها على الساحة السياسية ومنحتها شحنة إضافية, خصوصا أن عودة الجنرال جاءت قبل أيام قليلة من بدء معركة الانتخابات, مما جعل الوقت قصيرا أمام بحث هادئ في مجمل سياساته وتحالفاته ورؤيته, مما دفع الجميع إلى التفاوض تحت وطأة المواعيد الانتخابية الضاغطة.
كيف كانت القوى السياسية ترسم تحالفاتها؟
بالنسبة إلى قرنة شهوان:
1- الإقرار بأن وليد جنبلاط يملك الكلمة الأخيرة في معركتي الشوف وعاليه, وكلمة مرجحة في المتن الجنوبي, وأن واقع النفوذ الجنبلاطي يملي القبول بما يقرره من حصة لتحالف "قرنة شهوان".
2- الإقرار بأن سعد الدين الحريري يملك الكلمة الأخيرة في بيروت ووزنا كبيرا في طرابلس والضنية وعكار والبقاع الغربي.
3- الانفتاح على العلاقة التحالفية مع العماد عون شرط أن يجري تحديد الحصص بما لا يجعل الجنرال صاحب هيمنة انتخابية.
" إن عدم التحالف مع حلف جنبلاط- الحريري, يطلق يد الجنرال في التحالف مع بعض قوى السلطة (طلال أرسلان, الحزب السوري القومي الاجتماعي, وئام وهاب) وبعض القوى المعارضة التي خرجت من قرنة شهوان (حزب الوطنيين الأحرار, تيار القوات اللبنانية المناهض لستريدا جعجع) بصورة تؤمن التوازن مع لائحة المعارضة " |
بالنسبة لحلف الحريري– جنبلاط، انطلق الحلف من مسلمة أنه سيحمل الى مجلس النواب غالبيته الكاسحة من الأصوات بالتحالف مع حزب الله في بيروت وعاليه والبقاع, مما يجعله في موقع قوة, الأمر الذي دفع به في مرحلة أولى إلى إقفال لوائحه واختيار المرشحين المسيحيين الموالين له, قبل إعادة فتح اللوائح, تحت ضغط موقف البطريرك الماروني, وإدخال صولانج الجميل في لائحة الحريري في بيروت وجورج عدوان في لائحة الاشتراكي في الشوف.
أما بالنسبة للعماد عون, فقد دخل الانتخابات على القواعد الآتية:
1- أنه شريك رئيسي في صياغة القرار السياسي, ثم في التحالفات الانتخابية, لا "ضيفا" نترك له مقاعد محددة يحددها حلف الحريري–جنبلاط, من هنا كانت المفاوضات شاقة وتخللتها تجاذبات كبيرة.
2- إن عدم التحالف يبقي المجال مفتوحا أمامه لتشكيل لوائح مضادة قادرة, حسب حسابات الجنرال الانتخابية, على مواجهة لائحة جنبلاط – الحريري-قرنة شهوان.
كما أن عدم التحالف مع حلف جنبلاط-الحريري, يطلق يد الجنرال في التحالف مع بعض قوى السلطة (طلال أرسلان, الحزب السوري القومي الاجتماعي, وئام وهاب) وبعض القوى المعارضة التي خرجت من قرنة شهوان (حزب الوطنيين الأحرار, تيار القوات اللبنانية المناهض لستريدا جعجع) بصورة تؤمن التوازن مع لائحة المعارضة.
3- إن التيار الوطني الحر يملك قواعد راسخة لدى الجمهور الإسلامي, مما يسمح له بأن يسمي مرشحين سنة أو دروزا أو شيعة, لا أن يقتصر تمثيله على المسيحيين فقط, الأمر الذي رفضه تحالف الحريري- جنبلاط رفضا قاطعا.
انطلاقا من هذه المعطيات, تبدأ المعارك الانتخابية في بيروت الأحد, لتكون بيروت والجنوب خارج عملها, فيما ستكون طاحنة في الجبل والشمال والبقاع.
أمران أساسيان باتا في حكم المؤكد بعد عودة العماد عون:
1- لقد نجح العماد في أن يقدم نفسه زعامة مسيحية كبيرة تتفاوض على قدم المساواة مع التحالفات السياسية الكبرى في البلاد.
2- أن الدولة وبقايا الموالاة, ستستفيد من عودة الجنرال, ومن اختلافه الانتخابي مع حلف الحريري-جنبلاط, ومع معظم القوى
المعارضة, لتتسلل إلى لوائح العماد, وتستظل في ظله, حفاظا على ما تبقى من مواقعها السياسية والانتخابية.
ــــــــــــــ
كاتب لبناني