الأطياف السياسية التونسية ترفض زيارة شارون

ربما لن تكون الدعوة التي وجهها الرئيس التونسي زين العابدين بن علي لرئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون لزيارة تونس مجرد دعوة في إطار عام لحضور مؤتمر قمة المعلوماتية بقدر ما تكون خطوة في اتجاه التطبيع الذي حرك مياهه الراكدة مؤتمر شرم الشيخ الأخير.
ورغم أن هذه الخطوة سبقتها خطوات أخرى تمثلت في إعادة سفيري الأردن ومصر إلى إسرائيل, فإن خطوط هاتين الدولتين كانت على الدوام موصولة بشكل ما بإسرائيل لاعتبارات تتعلق ربما بصلتيهما بالملف الفلسطيني والجوار المباشر أو قريب من هذه التفسيرات الرسمية.
إلا أن اندفاع دول أخرى أبعد جغرافيا عن الوطن الفلسطيني المغتصب أو حتى الصلة المباشرة بملف القضية الفلسطينية الشائك, قد لا يجد ذات العذر الذي خرجت به القاهرة وعمان وهما تعيدان سفيريهما إلى تل أبيب. فما هو السبب إذن وراء دعوة بن علي الغريبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي؟
تيارات تونسية واسعة ترى أن هذه الخطوة التي وصفها غير واحد من السياسيين والنقابيين التونسيين بأنها "مقايضة لا علاقة للقضية الفلسطينية بها" تندرج في إطار أوسع من العلاقات المستمرة مع إسرائيل.
ويؤكد زعيم حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي أن صلات القيادة التونسية لم تنقطع مع تل أبيب رغم إغلاق مكتب الاتصال الدبلوماسي. وقال في تصريح للجزيرة نت إن وزيري الخارجية التونسي والإسرائيلي عقدا أربع لقاءات في العام الماضي وإن الدعوة تأتي في هذا الإطار.
ويرى الغنوشي أن هناك استحقاقات سياسية يطالب بها الشعب التونسي في الداخل ربما تجد دعما لها من الإستراتيجيات الإصلاحية الخارجية, تدفع الحكومة التونسية للهروب من هذه الاستحقاقات عبر دعوة شارون. وأشار بشكل خاص إلى مصر التي تريد -حسب الغنوشي- إرضاء الولايات المتحدة بالهروب نحو إسرائيل خوفا من الاستحقاقات الديمقراطية الداخلية.
" العياشي الهمامي: دعوة شارون رشوة للولايات المتحدة من أجل تخفيف الوطأة على الحكومة التونسية في مجال الإصلاحات المطلوبة داخليا " |
وبدوره يؤكد العياشي الهمامي من المبادرة الديمقراطية التونسية أن دعوة الرئيس التونسي لشارون ليست إلا محاولة لتحويل مسار الانتباه عن تردي حقوق الإنسان و"سمسرة جديدة" للتستر على الاعتداءات المتواصلة على المجتمع المدني.
ويضيف القيادي اليساري التونسي للجزيرة نت أن دعوة شارون "رشوة للولايات المتحدة" من أجل تخفيف الوطأة على الحكومة التونسية في مجال الإصلاحات المطلوبة في الداخل.
غير أن الإعلامي التونسي برهان بسيس لا يرى الدعوة بمثابة زيارة خاصة لشارون إلى تونس, بل هي تأتي في إطار دعوة أشمل لحوالي 160 رئيس دولة وحكومة لحضور المؤتمر. وقال بسيس للجزيرة نت إن من يرفضون هذه الدعوة ينطلقون من الحساسية المتعلقة بإسرائيل وبشكل أخص من شارون الذي تستحضر الذاكرة العربية صورته في صبرا وشاتيلا.
ويذهب بسيس إلى اعتبار الزيارة واحدة من زيارات قام بها مسؤولون إسرائيليون لدول عربية دعتهم لزيارتها من أجل حضور مؤتمرات عقدت على أراض عربية ولا تخرج عن هذا السياق. ويشير بشكل خاص إلى مشاركة وزير المالية الإسرائيلي للدوحة لحضور مؤتمر منظمة التجارة العالمي عام 1992.
رفض جمعي
ورغم أن هناك ضغوطا كبيرة على الرأي العام التونسي من خلال تغييب الحريات الصحفية, فإن هناك ما يشبه الإجماع على رفض مثل هذه الخطوة.
عبد اللطيف الفراتي: ليبيا قطعت شوطا كبيرا في اتصالاتها مع وزير الخارجية الإسرائيلي " |
وأكد الكاتب الصحفي التونسي عبد اللطيف الفراتي للجزيرة نت أن النخب التونسية بدأت التحرك ضد هذه الدعوة لأن التطبيع مع إسرائيل غير مقبول, رغم تبادل الزيارات التي يقوم بها تجار وحجاج إسرائيليون لتونس.
كما اعتبر العياشي الهمامي أن دعوة شارون لزيارة تونس تعد "صفعة على وجه الشعب التونسي" المنخرط بكليته في دعم القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب الأولى. وأشار إلى أن تكتلا كبيرا من الجمعيات والمنظمات الرافضة لهذه الدعوة بدأ بالتشكل من أجل إجبار الحكومة على التراجع عن المضي في الدعوة.
ودعا راشد الغنوشي من جهته إلى التراجع عن هذه الخطوة واحترام إرادة الشعب التونسي عبر أحزابه ومنظماته الشعبية والنقابية الرافضة لها. وشدد على ضرورة احترام سيادة تونس وقال إن مؤتمر المعلوماتية لا يجوز أن ينزع السيادة التونسية ويعبر من خلاله مجرمو العالم.
وتوقع الغنوشي أن تفتح دعوة شارون تاريخا جديدا في علاقة النظام مع الشعب في تونس باعتبارها حدثا كبيرا لا يحتمله التونسيون الذين يعتبرون القضية الفلسطينية المقدس الأكبر.
زيارة شارون لتونس قد لا تكون الأخيرة في مسلسل الزيارات والعلاقات مع دول عربية إذ إن ليبيا -وكما قال عبد اللطيف الفراتي للجزيرة نت- قطعت شوطا كبيرا في اتصالاتها مع وزير الخارجية الإسرائيلي.
كما أن الاستحقاقات السياسية التي أشار لها غير واحد من السياسيين التونسيين في معرض تفسيرهم لدعوة شارون, ستترافق مع استحقاقات اقتصادية طمعا في الرأسمال اليهودي, حسب الغنوشي.
وأيا يكن الأمر فإنه يبدو أن المقولة التي كانت تردد أن 99% من أوراق اللعبة بيد أميركا, قد تحولت الآن لتقول إن تلك الأوراق أضحت بيد إسرائيل التي باتت وحدها تملك إقناع الطرف الأميركي بقبول أو رفض أي نظام لا يتماشى مع الرغبات الإسرائيلية ولعبتها الكبرى في المنطقة.
______________________
الجزيرة نت