الأزمة السورية اللبنانية بين التدويل والتعريب

-

رانيا الزعبي

على العكس من البطء الذي مرت به الأزمة بين سوريا ولبنان طوال السنوات الماضية على خلفية الوجود السوري في لبنان التي بالكاد كانت وسائل الإعلام تتناقل أخبارها خاصة أن عددا قليلا من الأحزاب المسيحية اللبنانية كانت تتصدى لها، بدأت هذه الأزمة مؤخرا تكبر ككرة الثلج، وأصبحت وكأنها في سباق مع الزمن، بين أصوات تطالب بالتهدئة وأخرى تلجأ للتصعيد.

تدويل الأزمة
المعسكر الغربي ممثلا بالولايات المتحدة وفرنسا زاد من ضغوطه على دمشق خلال الأشهر الماضية لسحب قواتها من لبنان، ورفع يدها عن صناعة القرار السياسي فيه، ولم يكن -على حد رأي المحللين- لهذا المعسكر أن يفوت حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري دون أن يستغلها بزيادة ضغوطه، والتي حملها بصورة غير مباشرة -حتى الآن- مسؤولية هذا الاغتيال.

ويرى المحللون أن قمة الضغوط الغربية على دمشق ظهرت من خلال الاجتماع الذي ضم كلا من الرئيس الفرنسي جاك شيراك والرئيس الأميركي جورج بوش قبل أيام، الذي تحدثا فيه "بصوت واحد" وحذرا سوريا من مواجهة المزيد من العقوبات الدولية عليها وتعريضها للأسوأ إن لم تستجب للقرار (1559) الذي أقره مجلس الأمن الدولي بضغط منهما.

وحسب المراقبين فإن لبنان ليس وحده الذي سيتأثر سلبا بحادثة اغتيال الحريري، بل إن سوريا قد تدفع الثمن الأكبر، من خلال استغلال الإدارة الأميركية للحظة السياسية الراهنة لتصفية حساباتها مع دمشق، خاصة أن واشنطن كانت قد أعلنت مرارا امتعاضها من السياسة السورية بالمنطقة، واتهمتها بإعاقة مشروعها للشرق الأوسط الكبير.

ويرى المراقبون أن واشنطن لن تخوض أزمتها مع سوريا منفردة، بل إنها نجحت وتحت باب تقاسم المصالح السياسية باستقطاب باريس، التي وجدت في هذه الأزمة أملا قد يعيد لها دورها السياسي بالمنطقة.

undefinedالدور العربي
وفي مواجهة المعسكر الغربي الذي يلجأ لتصعيد الأزمة وتسريع وتيرتها، ظهرت بعض المحاولات العربية التي تحاول إيجاد مخرج للأزمة داخل البيت العربي وبعيدا عن أي تدخل غربي قد يجلب المزيد من الويلات.

ورغم أن المبادرات العربية لا زالت في بدايتها، يبدو أن أي دور عربي لحل هذه الأزمة لا يقابل بتفاؤل كبير من قبل المعنيين بالأزمة.

يقول المحلل السياسي السوري عماد الشعيبي إن الحديث عن دور عربي هو جزء من الوهم، ومع أنه يؤكد ترحيب سوريا بأي مبادرة عربية يشدد على أن العرب ليس بمقدورهم لعب دور في هذه الأزمة، كما كان حالهم بجميع الأزمات التي مرت بها المنطقة منذ أكثر من 20 عاما، عدا أن الغرب لن يسمح لهم بلعب دور إيجابي ينهي الأزمة بخلاف ما يتفق مع المصالح الغربية.

غير أن الشعيبي يشدد على أن سوريا ليست العراق وأن بشار الأسد ليس صدام حسين، مؤكدا أن القيادة السورية تستطيع قراءة اللحظة السياسية الراهنة، ولكنها ترفض أن تملى عليها الخيارات من الخارج.

وقال الشعيبي في حديث هاتفي للجزيرة نت إن أي حل خارج اتفاق الطائف غير مقبول بالنسبة لسوريا، وذلك لإدراكها أن سحب قواتها بشكل كامل سيؤدي لحرب أهلية بلبنان، خاصة أن الشارع اللبناني منقسم حاليا بشأن هذه المسألة.

وحسب الشعيبي يجب أن يكون الحل دوليا من خلال تسريع المفاوضات الإسرائيلية على المسارين اللبناني والسوري، الأمر الذي يكفل إنهاء الأزمة برمتها.

وإذا ما استمرت الضغوط الدولية على ما هي عليه فإن سوريا –حسب الشعيبي- تريد انسحابا مشرفا لقواتها، مجددا أن ذلك قد يعرض لبنان للأسوأ.

من جانبه أكد النائب اللبناني ناصر قنديل القريب من دمشق أن أي مبادرة عربية أو غربية لتنظيم العلاقات مع سوريا خارج اتفاق الطائف ستجعل من لبنان ساحة مستباحة للقوات الإسرائيلية، خاصة إذا ما طبق القرار (1559) الذي يطالب بنزع أسلحة المقاومة والمخيمات الفلسطينية.

وقال قنديل إن الحل السلمي للأزمة ما زال ممكنا إذا وافقت المعارضة على مبدأ الحوار، وأثبتت أن أجندتها وطنية وليست غربية، مشيرا إلى إمكانية تشكيل حكومة لبنانية جديدة، والاتفاق مع سوريا على إعادة نشر قواتها.

المعارضة
في مقابل ذلك لا زالت المعارضة اللبنانية تتمسك بمواقفها وتطالب بسحب كامل للقوات السورية، ومنح السيادة الكاملة للبنانيين على تراب وطنهم على حد قولها.


undefinedويقول المعارض اللبناني بالمنفى العماد ميشيل عون في تصريحات هاتفية للجزيرة نت "نحن نطمئن سوريا فلتخرج من لبنان، ونحن قادرون على حماية حدودنا من إسرائيل، وسنكون آخر الموقعين على السلام".

وعبر عون عن شكه بإمكانية إيجاد حل للأزمة داخل البيت العربي، بعد أن تلقف الغرب هذه الأزمة، وذلك بعد أن رفضت سوريا -على حد قوله- دعوة المعارضة في نوفمبر/ تشرين الثاني للحوار وإيجاد مخرج مشرف لقواتها من لبنان.

أما النائب غازي العريضي فأكد أن المعارضة ستقبل بأي مبادرة عربية لحل الأزمة، وتعهد بتوفير الغطاء اللبناني والعربي المشرف لسوريا "إذا تصرفت بحكمة" وسحبت قواتها.

ورفض العريضي تبريرات الرفض للانسحاب السوري القائمة على الخوف من عزل سوريا أو الاستفراد بها، مؤكدا أن اللبنانيين الذين يحفظون لسوريا الدور التاريخي الذي قامت به بإحلال السلم الأهلي ببلادهم لن يسمحوا أن يكونوا جسرا لضرب سوريا أو إلحاق أي أذى بها.

ومع أن العريضي أكد أن اللبنانيين حريصون على حماية المقاومة اللبنانية والحفاظ عليها فسر العماد عون هذا الحفاظ والحماية من خلال انخراط المقاومة بالشعب اللبناني، وترك مسؤولية حماية البلاد وأمنها للدولة الشرعية اللبنانية.
________________
الجزيرة نت

المصدر : الجزيرة

إعلان