تقرير اللجنة العربية لحقوق الإنسان عن الحاج وغوانتانامو
سامي الحاج ومأساة غوانتانامو
تقرير اللجنة العربية لحقوق الإنسان عن الحاج وغوانتانامو:
لعل ملف مصور قناة الجزيرة السوداني سامي محي الدين محمد الحاج، المعتقل في منتجع غوانتانامو منذ 15 ديسمبر/ كانون الأول 2001، ما زال من أصعب وأعقد الملفات التي واجهتها منظمات حقوق الإنسان.
ففي الأشهر الأولى للاعتقال، ربما لسبب قلة الخبرة في التعاطي مع هذا النوع من القضايا، آثرت قناة الجزيرة عدم التركيز على الملف إعلاميا وحقوقيا ملتجئة إلى القنوات الدبلوماسية.
لقد سعت لاستجواب السفارة الأميركية واستنباط ما يمكن فعله، خاصة أن الإدارة الأميركية كانت قد استبقت حرب أفغانستان بسن ترسانة قوانين استثنائية تجعل من السبل القانونية التقليدية طرقا غير سالكة في ما يتعلق بهذا البلد.
لقد وعدت السفارة الأميركية في الدوحة قناة الجزيرة، في شهر يونيو/ حزيران 2002 بإعطاء تفسيرات عن اعتقال الحاج، لكن كل المراسلات مع هذه السفارة بقيت دون إجابة.
حينها اتصل المدير العام للقناة يومها السيد محمد جاسم العلي باللجنة العربية لحقوق الإنسان وعدة منظمات حقوقية، وهيئات مدافعة عن الصحفيين مطالبا إياها بالتدخل من أجل إطلاق سراح سامي الحاج.
" وعدت السفارة الأميركية في الدوحة قناة الجزيرة بإعطاء تفسيرات عن اعتقال الحاج، لكن كل المراسلات مع هذه السفارة بقيت دون إجابة " |
وعلى الفور أجرينا في اللجنة العربية لحقوق الإنسان اتصالا بمكتب السيدة ماري روبنسون، المفوضة السامية لحقوق الإنسان حينئذ، لشرح ملابسات القصة ومدها بالمعلومات الضرورية التي تسمح لها بالمساعدة. إلا أن السيدة روبنسون كانت في نهاية ولايتها، ولم تعد بأي لقاء أو مساعدة بسبب مواعيدها الصعبة والمحددة منذ زمن.
وقتئذ تم التركيز عند أهم المنظمات الحقوقية على فريق العمل الخاص بالاعتقال التعسفي التابع للمفوضية السامية لحقوق الإنسان. وكان هناك نشاط منفصل ومشترك من عدة منظمات غير حكومية أدى في نهاية المطاف إلى صدور رأي قانوني هام جدا بشأن إجراءات حرمان المحتجزين في خليج غوانتانامو من الحرية.
هذا الرأي لم يأت من فراغ ولم يكن تجنيا على الإدارة الأميركية كما يقول البعض، بل هو نتيجة مراسلات دائمة زودت فيها المنظمات الحقوقية فريق العمل بعناصر أساسية (انظر مثلا في الملحق 2 إحدى رسائل اللجنة العربية لحقوق الإنسان) اعتمدت فقه قرارات فريق العمل تاريخيا وأساسها ومرجعيتها.
في رسالة بتاريخ 22 يناير/ كانون الثاني 2002 وجهها رئيس-مقرر الفريق الخاص بالاعتقال التعسفي إلى الممثل الدائم للولايات المتحدة لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف، طلب السيد لوي جوانيه من حكومة الولايات المتحدة أن تدعوه إلى زيارة البلد كي يدرس ميدانيا الجوانب القانونية للمسألة.
كما تعهد بأن يراعي الفريق العامل أحكام المادتين 4 و15، الفقرة 2، من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كي يكون من الصرامة والموضوعية قدر الإمكان.
إلا أن هذا الطلب قوبل من الإدارة الأميركية بالرفض. فوجه الرئيس- المقرر رسالة ثانية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2003، طالبا تزويده بالمعلومات التالية بشأن الأشخاص المحتجزين في خليج غوانتانامو:
(أ) كم هو عدد الأشخاص المحتجزين حاليا في خليج غوانتانامو؟
(ب) متى وصل أول محتجز؟
(ج) هل أُخبر المحتجزون بالتهم الموجهة إليهم؟ وإذا كان الحال كذلك، من هي السلطة التي وجهت إليهم التهم وبموجب أية إجراءات قانونية؟
(د) هل يمكن للمحتجزين الاستعانة بمستشار قانوني؟ وإن كان كذلك، فهل يمكنهم اختياره بحرية أم هو يفرض عليهم تلقائيا؟
(هـ) هل يسمح للمحتجزين بمقابلة محاميهم؟ وفي هذا الحال، هل المقابلات سرية؟
(و) هل يقدّم المحتجزون لممثل الادعاء؟ وفي هذا الحال، في حدود أية فترة زمنية يجري ذلك؟
(ز) هل يمثل المحتجزون أمام محكمة في آخر المطاف؟ وإن كان الحال كذلك، ففي حدود أية فترة زمنية؟
" منذ تكليف المحامي كلايف ستافورد سميث بالقضية، ومع التغييرات التي حاولت بها الإدارة الأميركية تخفيف النقمة الدولية عليها، أصبح بالإمكان معرفة تفاصيل أكثر عن وضع سامي الحاج " |
وإذ بقيت هذه الرسالة دون رد، فقد بت الفريق في هذا الموضوع واتخذ قرارا في غاية الأهمية. يعتبر هذا القرار إجراءات الإدارة الأميركية مخالفة لاتفاقية جنيف الثالثة والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث الولايات المتحدة طرف فيهما (انظر الملحق 3).
بعد صدور القرار، رد الطرف الأميركي ليقول إنه ليس من صلاحية الفريق تقديم رأي في اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني، كما أن من المفترض تفهم أسباب الموقف الأميركي الذي يتصدى للإرهاب، وغير ذلك من الحجج التي لم تعد تقنع حتى أصحابها (انظر الملحق رقم 4).
أصبحت قضية سامي الحاج منذ صدور قرار الفريق الخاص بالاعتقال التعسفي قضية تستدعي من كل منظمات حماية الصحفيين تبنيها. إلا أنه وللأسف هناك منظمات غير مستقلة القرار رفضت ذلك وأخذت بالذرائع الرسمية الأميركية.
من جهتها طلبت اللجنة العربية لحقوق الإنسان للمرة الثالثة، مستغلة صدور هذا القرار، زيارة معتقل غوانتانامو. وتقدمت بوفد مشكل من المتحدث باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان، ورئيس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ومقرر الأمم المتحدة في الصومال، لكنها لم تتلق أي رد على هذا الطلب.
مع تسلم السيد سيرجيو دي ميلو منصب المفوض السامي لحقوق الإنسان، عبّر المغفور له أكثر من مرة عن تعاطفه مع ملف غوانتانامو، باعتباره صورة تحمل نتائج كارثية على مستقبل الاعتقال التعسفي وحجز الحريات في السلم والحرب. كذلك تابع عدد من النواب الأوربيين الملف، وتأسست في أوروبا عدة جمعيات تطالب بإغلاق غوانتانامو، إلى أن أعربت الإدارة الأميركية عن رغبتها في تحسين أوضاع هذا السجن وتسليم عدد من المعتقلين لبلدانهم.
جرى الحديث عن تسليم السودانيين والمغاربة لبلدانهم، وروجت أوساط أميركية عديدة بأن سامي الحاج قد سلم للسودان بالفعل وأنه معتقل فيه. إلا أنه وبعد أشهر، ثبت من مراسلاته مع زوجته أنه ما زال في معتقل غوانتانامو.
كما علم أنه تعرض لضغوطات لا إنسانية كي يتعاون مع الاستخبارات الأميركية مقابل الإفراج عنه. ومنذ تكليف المحامي كلايف ستافورد سميث بالقضية، ومع التغييرات التي حاولت بها الإدارة الأميركية تخفيف النقمة الدولية عليها، أصبح بالإمكان معرفة تفاصيل أكثر عن وضع سامي الحاج.
من هذه الأمور أن مصور قناة الجزيرة خضع للاستجواب أكثر من 130 مرة خلال قرابة 1370 يوما، أي بمعدل مرة كل عشرة أيام. الأمر الذي لا تعرفه أسوأ مراكز التحقيق في دكتاتوريات بلدان الجنوب. كذلك إضرابه عن الطعام عدة مرات، حيث يحمل عقابيل الاعتقال في ظروف سيئة.
يقر البنتاغون بأنه يحتجز أكثر من خمسمائة معتقل في غوانتانامو، بينهم عشرون طفلا. مواطنو المملكة العربية السعودية يحتلون الموقع الأول، حيث يبلغ عددهم 126 شخصا. يحتل اليمن المرتبة الثانية (106)، والعرب من أقطار أخرى الثالثة (151)، أما من تبقى فمن غير العرب. وقد تم في هذا السجن السيئ السمعة رصد أكثر من 16 طريقة تعذيب في حق المحتجزين.
تحاول بعض البلدان مثل المغرب الاتفاق مع الأميركيين على اعتقال محلي. لكن بلدانا أخرى مثل سورية ليس فيها أي مخرج للمعتقل. فلا دولته تريده أو تطالب به، ولا الولايات المتحدة تعامله بشكل عادي، خاصة وأن معلومات متفرقة تشير إلى تسليم 12 سوريا من سجن باغرام في أفغانستان لدمشق وبقائهم في مراكز التحقيق منذ أشهر.
لقد قام أهالي المعتقلين في بلدان الخليج بعدة مبادرات، لكن لم تتح لهم الحرية الضرورية لتشكيل مجموعة ضغط حقيقية في بلدانهم وفي الولايات المتحدة.
" نجحت المبادرات الأوروبية في استعادة المعتقلين من حملة الجنسية الأوربية لبلدانهم ولشديد الأسف، في حين كانت نسبة المفرج عنهم من الأوروبيين 100% لم تتعد نسبة المفرج عنهم من العرب 4% " |
بالمقابل، نجحت المبادرات الأوروبية في استعادة المعتقلين من حملة الجنسية الأوربية لبلدانهم. ولشديد الأسف في حين كانت نسبة المفرج عنهم من الأوروبيين 100% لم تتعد نسبة المفرج عنهم من العرب 4%.
يعود لمركز الحقوق الدستورية، وهو مؤسسة أميركية مستقلة، الفضل في تحسيس الأميركيين بمأساة غوانتانامو. كذلك له الفضل في تأسيس مبادرة العدالة العالمية من أجل غوانتانامو.
وقد أدت كافة الجهود متضافرة إلى تحسن في التعامل مع المعتقلين وتمتعهم ببعض الحقوق البسيطة، إلا أن أوضاع غوانتانامو ما زالت من أسوأ أوضاع المعتقلات في العالم.
وفقا لما نشرته صحيفة الغارديان اللندنية في 26 سبتمبر/ أيلول 2005، عرض المحققون على سامي الحاج الحصول على الجنسية الأميركية مقابل أن يصبح جاسوسا.
وحسب الوثائق التي اطلعت عليها الصحيفة، صرح الحاج: "قالوا لي إذا تعاونت معنا فسنعلمك الصحافة، وسنقدم لك فيزا لتعيش في أي مكان من اختيارك. سنمنحك الجنسية الأميركية، وسنوفر لك الحماية، وسنعطيك أموالا.. سنساعدك على أن تكتب كتابا وسننشره لك. وهذا سيدفع القاعدة للاتصال بك والتعاون معك".
هل أصبح استمرار اعتقال سامي الحاج مرتبط بسبب واحد: هو رفضه التحول من عالم الصحافة إلى عالم التجسس؟
إن اللجنة العربية لحقوق الإنسان، بالتعاون مع اللجنة العربية للدفاع عن الصحافيين، ومنظمة العدالة العالمية، واللجنة الدولية للدفاع عن تيسير علوني، وجمعية الكرامة لحقوق الإنسان، تطالب السلطات الأميركية بوضع حد لمهزلة غوانتانامو، وإطلاق سراح سامي الحاج وجميع المعتقلين الذين تغيب الأدلة والأسباب القانونية الوجيهة من ملفاتهم.
كما تطالب بمحاكمات عادلة لمن توجد في حقهم أدلة جنائية، وذلك في ظروف إنسانية، وباحترام حق الدفاع والتزامات الولايات المتحدة الدولية في القانون الدولي الإنساني والشرعة الدولية لحقوق الإنسان. إن إغلاق معتقل غوانتانامو لا يعني احترام مشاعر وكرامة المعتقلين وذويهم فحسب، بل قدرة القوة العظمى على احترام المفاهيم التي قامت عليها، والتي كانت أحد أهم أسباب قوتها.