كبير مفاوضي آتشه الحرة: لهذا تنازلنا عن الانفصال

رغم الدمار الهائل الذي أصاب مدينة بندا آتشه عاصمة إقليم آتشه نتيجة أمواج المد الزلزالي المدمر تسونامي، فإنه ومن بين الأنقاض تلوح في الأفق آمال كبيرة بأن يعم السلام هذا الإقليم المنكوب وأن تطوى صفحة صراع استمر ثلاثة عقود راح ضحيته الآلاف، وذلك بعد أن وقعت الحكومة وحركة آتشه الحرة على مذكرة تفاهم في هلسنكي.
الجزيرة نت أجرت الحوار التالي مع كبير مفاوضي حركة آتشه الحرة قمر الزمان الذي يعتبر أحد أبرز معتقلي قياديي الحركة المفرج عنهم مؤخرا, لاستعراض تطورات الأوضاع في الإقليم بعد التوقيع على مذكرة التفاهم.
في البداية كيف تقيمون الوضع في الإقليم بعد شهرين من التوقيع على مذكرة التفاهم؟
الأوضاع في الإقليم تسير حسب ما تم الاتفاق عليه مع الحكومة, فهي على ما يبدو جادة وملتزمة بتطبيق بنود الاتفاق ونحن كذلك في الحركة, رغم بعض التجاوزات البسيطة التي تحدث من حين لآخر والتي لا تتعدى أن تكون تجاوزات فردية سواء من الحركة أو الجيش. ووجود فريق المراقبين الدوليين ساعد الجانبين على الالتزام وعزز الثقة بينهما, ويبرهن على ذلك الخطوات التي تمت من انسحاب الجيش وتسليم أسلحة الحركة.
للحركة معتقلون في السجون لم يتم الإفراج عنهم حتى الآن, كيف تفسرون ذلك؟
بحسب الاتفاق الموقع تلتزم الحكومة بالإفراج عن معتقلي الحركة الذين لم يتهموا بالتورط في أعمال جنائية, وهناك 120 معتقلا لم يتم الإفراج عنهم حيث تم تحويل التهم الموجهة إليهم إلى ارتكاب أعمال جنائية, وهو ما لم يثبت في حقهم ونحن ما زلنا ننتظر أن تقوم الحكومة بالإفراج عنهم.
بعد توقيع مذكرة التفاهم, نشر موقع الحركة الإلكتروني بيانا يقول إن التوقيع لا يعني التخلي عن المطالبة بالانفصال. هل هذا يعني أن التوقيع مجرد تكتيك تتبعه الحركة؟
في البداية أنا لا أنفي صدور البيان الذي جاء في وقت لم تكن فيه الرؤية واضحة حول ما تم الاتفاق عليه لجميع منتسبي الحركة لأسباب تتعلق بالاعتقال، وأنا كنت واحدا من المعتقلين، إضافة إلى وجود جزء من قيادة الحركة خارج البلاد. لكن البيان تم تجاوزه بسرعة ولم يتم التوقف عنده لا من قبل الحركة ولا من قبل الحكومة, وأؤكد أننا في الحركة ملتزمون ببنود الاتفاق كاملة.
إذاً ما هي المبررات التي على أساسها كانت الحركة تطالب بالانفصال؟
أود هنا أن أقدم بعض التفصيل حول هذه المبررات, هناك بعد تاريخي استندت إليه الحركة للمطالبة بالانفصال, يكمن في أن أقاليم آتشه وبنغلو وملقا كانت تشكل مملكة إسلامية مستقلة تشكل إحدى الولايات التابعة للخلافة العثمانية, وكانت تشكل جزءا منفصلا إداريا وسياسيا عما يعرف الآن بإندونيسيا. ولما جاء الاستعمار الهولندي للبلاد تم ضم هذا الجزء إلى إندونيسيا وبقيت الأمور كذلك حتى بعد الاستقلال. لكن ما حدث أن الحكومات الإندونيسية المتعاقبة أهملت هذا الإقليم الغني بالمصادر والثروات الطبيعية والتي كانت ترجع عوائدها إلى المتنفذين ويحرم منها سكان الإقليم, الأمر الذي شكل شعورا بالظلم لدى السكان أسفر عن تشكيل هذه الحركة التي خاضت صراعا مع الحكومات المتعاقبة على مدار ثلاثة عقود.
لذا فإني لا أعتبر أن المطالبة بالانفصال كانت تشكل غاية لدينا في الحركة, وإنما هي وسيلة لاسترداد بعض الحقوق المسلوبة لسكان الإقليم وإرساء قواعد العدل والمساواة التي كانت غائبة عنه فترة طويلة.
شكل تخلي الحركة عن الانفصال مفاجأة في حينه, ودار حديث عن صفقات مع الحكومة الحالية ومع الدول الراعية للاتفاق حدت بكم إلى اتخاذ هذا القرار, كيف تردون على هذا؟
كما قلت سابقا إن المطالبة بالانفصال كانت من أجل استرداد حقوق السكان هنا وليس من أجا الانفصال بحد ذاته, وما دام هناك شعور لدينا أننا بدأنا نسير باتجاه تحقيق أهدافنا أسقطنا المطالبة بالانفصال من حساباتنا. وليس هنا أية صفقات مع أحد وإنما حجم الكارثة التي نتجت عن تسونامي وحجم المصيبة التي تعرض لها سكان الإقليم دفعنا بقوة إلى البحث عن سبل حقيقية للخروج من حالة الصراع التي تؤثر سلبا على عمليات الإغاثة وجهود إعادة البناء.
وكانت هناك مطالبات شعبية للحركة وللحكومة بتغليب لغة التفاوض والحوار على لغة السلاح التي لم تؤد إلى نتيجة طوال ثلاثة عقود, إضافة إلى أن قادة الحركة وجدوا لدى الحكومة الحالية صدقا في التوجه نحو إعادة الحقوق لسكان الإقليم.
كل هذه الأسباب مجتمعة هي التي دعت الحركة إلى التخلي عن مطلب الانفصال.
هناك اعتقاد بأنكم في حركة آتشه الحرة لا تمثلون كافة الفصائل المطالبة بالانفصال, لذلك فإن توقيع الاتفاق لن يؤدي إلى سلام شامل ما لم تلتزم به هذه الفصائل, فهل هي مستعدة لتقوم بما قمتم به؟
في اعتقادي ومن خلال التجربة الطويلة التي عشناها في هذا الصراع أستطيع القول إنه ليس هناك فصائل مسلحة غير الحركة, بدليل أن لا أحد سمع عن فصائل مقاومة في آتشه غير حركتنا, وإن كان هناك بعض المجموعات المسلحة إلا أنها لا تمثل عملا منظما له حضوره على الساحة, وإنما هي مجرد مجموعات صغيرة أو حتى أعمال فردية تتصرف لاعتبارات ذاتية.
ومن ناحية ثانية لدينا أدلة على أن الجيش نفسه كان يقوم بتشكيل بعض المليشيات التي تقوم ببعض الأعمال من أجل تشديد القبضة على حركتنا في المقاومة, وقد وجدنا لدى هذه المجموعات أسلحة مصدرها الجيش نفسه. ومما يعزز ثقتنا في أن هذه المليشيات ليست حركات وطنية في الإقليم أنه بمجرد التوقيع على اتفاق السلام لم تعد هناك أعمال مسلحة، وهو ما يدعونا من جانب آخر إلى الإيمان بأن الحكومة الحالية تختلف عن سابقاتها وهي جادة في السعي نحو السلام.
وماذا عن القول إن هناك مافيا سلاح يزعجها اتفاق السلام فهي تحاول زعزعة الأمن في الإقليم؟
الحركة قامت بما هو مطلوب منها وهي ملتزمة بذلك, ويبقى موضوع الأمن في الإقليم مسؤولية الحكومة والجيش وهما المطالبان بتأمينه للسكان وإنهاء كل المظاهر التي تخل بالأمن بما فيها عصابات المتاجرة بالسلاح. وأضيف نقطة هنا أنه يوجد في الإقليم أماكن لتصنيع السلاح وهي معروفة لدينا, وعلى الحكومة أن تسارع إلى السيطرة عليها. وسمعنا تصريحات من قادة الجيش بأنهم يقومون بحملات ضد هذه الأماكن وضد المليشيات المسلحة, ونرجو أن يتحقق السلام الكامل في الإقليم.
بعض الأحزاب تتهمكم بأنكم سعيتم لتدويل قضية آتشه, وأنكم لويتم ذراع الحكومة في الحصول على الحكم الذاتي الخاص من خلال الدعم الغربي لكم, كما أنكم فتحتم الباب مجددا أمام الحركات الانفصالية الأخرى في البلاد. ما هو ردكم؟
هذا الكلام غير صحيح فنحن حركة وطنية قامت للمطالبة بحقوق شعبها المغتصبة, والحكومات المتعاقبة لم تجد بديلا عن التعامل معنا إلا من خلال القمع والاعتقال والمطاردة, وفي كل مرة كنا نحاول الوصول إلى صيغ تؤمن لنا بعض الحقوق ولكن كانت السبل تغلق في وجهنا ونعود إلى المقاومة المسلحة, إلى أن جاء تسونامي الذي وفر -من خلال أعمال الإغاثة- فرصة لأن يطلع العالم على واقع حياة السكان عن قرب.
أدى هذا إلى أن تتبنى بعض الأطراف الدولية القيام بوساطة بين الحكومة والحركة لأجل إنهاء الصراع وتأمين أعمال الإغاثة للسكان, وقد وافقنا عليها لأننا أولا وآخرا حركة من هذا الشعب المنكوب قامت للدفاع عن حقوقه العادلة.
ومن المهم القول إنه ليس للحركة علاقات خارجية إلا تلك التي تمت من خلال جولات التفاوض.
أما موضوع فتح الباب لبعض الحركات المطالبة بالانفصال, فالكرة الآن في ملعب الحكومة فعليها أن تصحح النهج الذي سارت عليه الحكومات السابقة في التعامل مع الأقاليم على أنها مصادر للثروات دون الاهتمام بتلبية متطلباتها الأساسية. ثم إن هناك تجارب سبقتنا بالمطالبة بالانفصال بل إنها حققت الانفصال, فلا يجوز لأحد أن يتهمنا أننا نحن من فتح الباب.
كلامكم عن علاقاتكم الخارجية يقودنا إلى سؤال عن طبيعة العلاقة التي تربط الحركة بالدول العربية والإسلامية؟
من المؤسف القول إن الحركة لم تستطع أن تشكل علاقات لها مع الدول العربية والإسلامية, وكانت النظرة إليها على أنها حركة انفصالية تهدف إلى تقسيم البلاد. وحتى من خلال العلاقات الفردية المحدودة لبعض قيادات الحركة مع بعض الزعماء وأصحاب القرار، كان اللوم يوجه إلينا دائما ويطلب منا التخلي عن مطالبنا دون الرجوع إلى حقيقة هذه المطالب وأسبابها.
رغم مضي شهرين على توقيع الاتفاق فإن معظم قادة الحركة لا يزالون في الخارج, هل هناك خشية من رجوعهم إلى البلاد؟
كما هو معلوم الأمور لا تزال في البداية, ولا نريد أن نلعب بكل الأوراق مرة واحدة فلا بد من المحافظة على بعضها خارج اللعبة، هذا ما تقتضيه السياسة. رغم التفاؤل الكبير الذي يكتنف الاتفاق هذه المرة فإن تجاربنا السابقة تدعونا للحذر, ووجودهم في الخارج يضمن استئناف الحوار فيما لو تعرض الاتفاق لأي إشكالية في المستقبل, وليس هناك أي خوف من عودتهم إلى وطنهم.
كانت لكم مطالب سابقة بخصوص موضوع تطبيق الشريعة الإسلامية في الإقليم, هل ما زالت هذه المطالب قائمة أم أنها أجملت في مطالبكم السياسية الأخرى؟
في الحقيقة الأمر هنا يحتاج إلى بعض الدقة, المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية مطلب أساسي لكل الشعوب الإسلامية، وشعب آتشه لا يختلف عنها، ولكن الذي يحدث هو أن تتحول المطالبة بتطبيق الشريعة إلى المطالبة فقط بتطبيق الحدود ما يعطي صورة سلبية عن الإسلام, وهذا الذي حدث هنا عندما سارعت وسائل الإعلام إلى نشر الصور التي يتم بها الجلد وغيرها, وأيضا يتم التركيز على موضوع الحجاب المفروض على النساء حتى غير المسلمات منهن، الأمر الذي يتنافى مع ضمان حقوق غير المسلمين في مجتمعاتنا.
لذا نحن نتحفظ على المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية بهذا الإطار, ونهدف مستقبلا من خلال تشكيل الحزب السياسي إلى إدراج المطالبة بتطبيقها على أولويات برامجنا لكن من منظور التطبيق الشامل لأحكام ديننا الحنيف.
بمناسبة الحديث عن تشكيل حزب سياسي أين وصلت مفاوضاتكم مع الحكومة حول هذا الموضوع؟
نحن نعتقد أن تشكيل حزب وطني للحركة لن يخدمها في تنفيذ برامجها, فضلا عن عدم استطاعتنا الوفاء بشروط تشكيل حزب على مستوى الدولة وأهمها أن يكون لنا مقر رئيسي في العاصمة جاكرتا ومقار فرعية في باقي الأقاليم, فهذا يبعدنا عن مركز عملنا في الإقليم, لذا المفاوضات جارية الآن مع الحكومة ومجلس النواب لإعطاء خصوصية لنا بتشكيل حزب محلي, أو إقرار قانون يسمح بتشكيل الأحزاب المحلية في باقي الأقاليم.
كيف يتعامل السكان معكم وكيف ينظرون إلى تجربتكم في الصراع مع الحكومة؟ وهل كان للحركة دور إغاثي بعد تسونامي؟
الحركة كما قلت لك من الشعب وليست دخيلة عليه وناضلت من أجل الشعب, ورغم عدم وجود استفتاءات جديدة تبين حجم التفاف الشعب حول الحركة فإن القديمة منها تؤكد حضور الحركة الشعبي وتعاطف الناس معها, والرهان الآن معقود على تشكيل الحزب وإجراء انتخابات نزيهة, وعندها نستطيع الحكم بوضوح على تجربتنا وعلى مقدار تعاطف الشعب معنا.
أما فيما يتعلق بالدور الإغاثي فإمكانات الحركة كانت وما زالت محدودة, لذا لم تستطع أن تقوم بدور إغاثي واضح، لكن كان لها أدوار تنفيذية ومعنوية في عمليات الإغاثة.
من خلال 30 عاما قضيتموها في الصراع، كيف تقيمون أداءكم؟
استطاعت الحركة رغم محدودية كوادرها وإمكاناتها أن تواصل النضال على مدار ثلاثة عقود, وحققت الكثير من أهدافها القائمة على المطالبة بالعدل والمساواة بين فئات الشعب كافة, ولابد في المستقبل القريب أن تكون هناك دراسات تقييمية لأداء الحركة للاستفادة من تجاربها وتقييم أخطائها.
_____________
مراسل الجزيرة نت