الخرطوم ومرحلة التحولات الكبرى باتجاه السلام

31/1/2005
الناظر إلى المشهد السوداني في عموميته وتفاصيله المرهقة بعين الزائر لا المقيم يدرك للوهلة الأولى أن إنزال بنود اتفاق السلام الذي وقعه الفرقاء السودانيون مؤخرا في كينيا إلى أرض الواقع مسألة قد ترقي إلى مستوى صنع المعجزات.
لقد بدا التوقيع على الاتفاق الذي أنهي سنوات الحرب العجاف اختراقا كبيرا ومدهشا للذين تابعوا ملف الموت السوداني عبر سنوات الحرب التي تجاوزت العشرين عاما وقضت على الأخضر واليابس. بيد أن الاتفاق الذي جاء عبر مخاضات عنيفة لا يمثل في حد ذاته إلا جزءا يسيرا من عملية ستكون طويلة ومرهقة ومحفوفة بالمخاطر حين يبدأ المعنيون بالخوض في تفاصيل التنفيذ.
وفي التفاصيل يكمن الشيطان، ونحتفظ هنا بإحالة حق إيراد العبارة إلى زعيم الحركة الشعبية جون قرنق الذي استشهد بها ذات لحظة توتر تباينت فيها رؤى المتفاوضين في كينيا واحتدم فيها الخلاف بينهم وكاد الأمر أن يصل إلى طلاق لا رجعي وفض العرس قبل أن تبدأ تباشيره.
تحاول العاصمة السودانية الخرطوم، التي تعتبر بوتقة حقيقية تنصهر فيها كل قوميات السودان ومركزا لصنع القرار السياسي، النهوض للقيام بالدور المنوط بها في إحالة آمال السودانيين إلى واقع، ومداواة الجروح المزمنة قبل أن تنتشر إلى مناطق أخرى من جسم البلاد، إن كان ذلك في الشرق أو الغرب أو ربما الشمال نفسه.

وتسعى تلك الأحزاب ومعها أخرى جنوبية إلى تقديم نفسها على أنها مع السلام بأي طريق جاء ولا يهمها كثيرا حجم المكاسب، ولا تعتبر نفسها خاسرة وإن ظلت بعيدة عن التأثير في أمور البلاد الهامة. ولا يمكن للراصد للمشهد السياسي السوداني عبر النظر إلى ما يجري في الخرطوم، تجاوز النشاط المحموم للحركة خاصة في أوساط دوائرها التقليدية بين نازحي الحرب من الجنوب الذين يقيمون في أطراف العاصمة في ظروف صعبة جدا.
إعلان
وتقدم الحركة التي ظهرت إلى العلن عبر مكتبها، الذي افتتحته مؤخرا في الخرطوم ومكاتب أخرى في الولايات، كتبها وصحائفها إلى السودانيين عامة مع تركيز على الشباب وطلاب الجامعات على وجه الخصوص، مبشرة بـ"سودان جديد تسود فيه العدالة والمساواة بين الجميع، ويتحرر فيه السودانيون على اختلاف قبائلهم وألوانهم من الاستعلاء العرقي والديني" بحسب حوار بين موفدي الجزيرة نت والمتحدث باسم الحركة في الخرطوم رمضان عبد الله.
ومن المشاهد التي تشير إلى تحول المزاج السوداني العام وتهيؤه إلى مرحلة السلام ارتخاء ما يمكن تسميته بالقبضة الأمنية التي ظهرت في زيادة مساحة الحريات الصحفية والتغاضي عن سلوكيات كانت تعتبر في بدايات المشروع الحضاري (برنامج الحكومة) من الخطايا وكانت تؤدي بمقترفيها إلى أجهزة الأمن أو محاكم النظام العام التي كانت تحكم بالجلد حتى على طالبات الجامعات ممن لا يلتزمن بزي المشروع الحضاري.
تبدلت الأشياء الآن وما عاد العشاق في شارع النيل يوجلون كثيرا من شرطة النظام العام، وسمحت الفتيات بخصلات شعورهن بالتمرد على أغطية الرأس التي لم تعد محكمة الربط كما كانت في السابق، وبعضهن تخلت عنها تماما. وعلى نفس المنوال يحرص الفتيان على ارتداء بناطيل الجينز الأميركية الفاخرة أو تلك التي تشبهها، وسادت موضات الحلاقة الغريبة على شاكلة المارينز وكارل لويس.
إنها التحولات الكبرى في السودان التي تهيئ إلى مرحلة السلام، "السلام الممكن أو البديل الوحيد المتاح" بتعبير خبير النفط السوداني وأحد الأسماء البارزة في حزب الأمة الدكتور شريف التهامي ضمن حوار مع موفد الجزيرة نت.
___________________
موفد الجزيرة نت
___________________
موفد الجزيرة نت
المصدر : الجزيرة