عندما يعلق الرغيف على أطراف الصلبان في آتشه

15/1/2005
الخراب الذي خلفه المد البحري في إقليم آتشه الإندونيسي عكس كل المعادلات السياسية وجعل من المستحيل ممكنا, فلم يكن ليخطر على بال أحد أن تلجأ الأمم المتحدة يوما ما إلى خدمات جماعة تشتبه في صلاتها بالقاعدة حتى تتمكن من مد يد العون لضحايا تسونامي, ولكن ذلك ما حدث بالضبط.
فقد طلب فريق الإغاثة الأممية في آتشه من جماعة "عسكر المجاهدين" التي تتهم بارتباطها بالقاعدة تفريغ طائرة مساعدات لنقص في أفرادها. وكما لم يكن هناك خيار أمام المنظمة الأممية, فإنه أيضا لم يكن هناك خيار أمام هذه الجماعة التي تخوض حربين: واحدة ضد آثار المد المدمرة وأخرى ضد جماعات الغوث المنافسة, ليس فقط الإسلامية ولكن كذلك الجماعات المسيحية التي علقت كيس الدقيق في صلبانها وجاءت تطعم أهل آتشه رغيف المسيح.

عمل هادئ
فمنذ الساعات الأولى للكارثة هرعت جماعات الغوث المسيحية إلى آتشه -المنطقة الوحيدة التي تطبق الشريعة الإسلامية في إندونيسيا- تحمل الرغيف بيد والإنجيل والصليب بيد أخرى.
فمنذ الساعات الأولى للكارثة هرعت جماعات الغوث المسيحية إلى آتشه -المنطقة الوحيدة التي تطبق الشريعة الإسلامية في إندونيسيا- تحمل الرغيف بيد والإنجيل والصليب بيد أخرى.
لكن هذه الجماعات لم تكن لتجهر بدعوتها خشية أن يثير نشاطها التوتر الديني الدفين في الإقليم, فهي ليست وحدها في ميدان عج بعشرات الجماعات تنوعت انتماءاتها من تلك التي يقال إنها تدين بولائها للقاعدة إلى جماعة المورمونيين, إذ لم يكن أمام حكومة جاكرتا في كربتها إلا فتح الباب على مصراعيه أمام الجميع.
إعلان
وبينما تجهر الجماعات الإسلامية برصيدها الديني, تعمل المجموعات المسيحية في هدوء وتطلب من أفرادها أن لا يبلغوا عن الكنيسة التي ينتمون إليها وأن لا يظهروا صلبانهم, على أساس أن "حاجات الجسد تأتي أولا" كما يقول وليام سوهاندا الذي تعمل جماعته الإندونيسية "نور الحب من أجل آتشه" على توزيع الطعام في بندا آتشه وتريد نقل 50 طفلا إلى دار أيتام مسيحية في جاكرتا.
ورغم أن سوهاندا يؤكدا أن آتشه ليس المكان المفضل للتجول بإنجيله فإنه لا يخفي إرادته في إطلاع الضحايا على القيم المسيحية حتى يروا حسب قوله أن "الأمر يتعلق بحب المسيح", فمن المستحيل توزيع الإغاثة من دون توزيع الأناجيل كما يقر مارك كوسينسكي الذي وصل هذا الأسبوع من ماليزيا "ليعين الناس على أن يفهموا أن المسيح هو الخلاص".
النشاط المسيحي في آتشه الذي يريد أصحابه تصويره على أنه من النوع الذي كانت تقوم به الأم تيريزا، لم يكن ليمر من دون أن يثير شكوك السلطات رغم انهماكها في تضميد جراح الطوفان, إذ ما إن قررت إحدى الكنائس الأميركية الشروع في جمع الأموال اللازمة لنقل 300 ممن فجعوا في آبائهم إلى دار أيتام مسيحية بجاكرتا حتى جاء القرار الحكومي بمنع غير المسلمين من تبني أيتام آتشه.
ورغم أن حجم الكارثة التي ألمت بإندونيسيا عموما وبآتشه تحديدا جعل من الممكن أن تشتغل جماعات عرف عنها عداؤها لبعضها البعض جنبا إلى جنب -كما حدث مع "جبهة المدافعين الإسلاميين" و"مجموعة المسيحية الإندونيسية"- فإن الأمر لا يخلو من حيطة وارتياب.

وحيث غابت الحكومة الإندونيسية كان حضور الجماعات الإسلامية سريعا وملأت الفراغ الذي تركته الحكومة, لذا فهي لا تريد أية منافسة خاصة إذا كانت مسيحية, فعملت على نصب المستوصفات والمدارس وتوفير جزء كبير من الطعام والدواء وآلاف الخيام للاجئين.
كثير من أفراد هذه الجماعات يرون في ما حدث عقابا إلهيا مستحقا نال قوما لم يأبهوا كثيرا بالنذر الربانية التي كانت ترتسم حسبهم بوضوح في كبد السماء.
إعلان
ساري أندينا (23 عاما) يؤكد أن السكان في آتشه بحاجة إلى الدين وإلى أن يتذكروا ربهم, لذا حرص في المخيم الذي أقامته جماعته على أن يكون غذاء الروح جنبا إلى جنب مع غذاء الجسم, فكان المسجد من أول الأشياء التي وقف عليها القائمون بشؤون المخيم حيث يتعلم الأطفال الثقافة الإسلامية.
ولكن أكبر جماعة إسلامية برزت في آتشه هي "حزب التنمية والرفاه" الذي زادت شعبيته بفضل الرسالة الأخلاقية التي يدعو إليها والتي تعد بحكومة نظيفة في إندونيسيا, وتميز أعضاؤه الذين يقدرون بنحو 2000 في آتشه بالألوان السوداء والصفراء التي يتشحون بها وهم ينتقلون في أرجاء عاصمة الإقليم يفرغون ما شحنته الطائرات من غذاء.
آتشه لم يصبح مجرد بقعة تتسارع فيها الأيدي "لفعل الخيرات", وإنما كذلك منطقة للتنافس بين جماعات الغوث الإسلامية التي تعتبر نفسها في فضائها الطبيعي وبين الجماعات المسيحية التي تريد استثمار حقل تنصيري خصب, حتى وإن كانت الحاجة إلى الملبس والغذاء تجعل من هذا الصراع صراعا دفينا دون أن تقضي عليه تماما، وقد يصعد إلى السطح بمجرد أن يصيب البدن حاجته من الطعام والشراب.
المصدر : أسوشيتد برس