الأوروبيون يريدون ترويض تركيا لا استبعادها

AFP - A Turkish flag (C) flies in front of the European union flag 16 December 2004, at the EU headquarters in Brussels.

محمد العلي

بدد زعماء الاتحاد الأوروبي في قمة بروكسل كل الشكوك حول رغبتهم في ضم تركيا إلى الأسرة الأوروبية. بيد أن تفضيلهم لعدم تحديد سقف زمني لمفاوضات العضوية, لا يبقي سيف "عدم الانضمام" مصلتا فوق رقبة أنقرة فحسب, بل يطرح أسئلة جدية عن المدة التي قد تستغرقها المفاوضات, وأهداف المجموعة الأوروبية من تطويل زمنها.

وقبل الخوض في الزمن المتوقع للمفاوضات, من المفيد التذكير بأن تركيا ترشحت رسميا للعضوية عام 1999 في قمة كوبنهاغن مع رومانيا وبلغاريا. وبينما أقرت المفوضية الأوروبية السابقة قبل شهرين, بأن تركيا أوفت (كجارتيها البلقانيتين) بمعايير "كوبنهاغن" للإصلاحات السياسية, حسمت عضوية رومانيا وبلغاريا لصالح توقيع وثائق الانضمام ( خلال أبريل/ نيسان المقبل), والانضمام رسميا عام 2007.

في حين أن القرار بشأن المفاوضات مع تركيا لم يصدر إلا اليوم وبسقف زمني مفتوح, لكنه لن يكون أقل من (10 سنوات أو 15 سنة) التي طالما تحدث عنها الرئيس الفرنسي جاك شيراك ووزراؤه.

28 دولة أوروبية
ما الذي سيشهده الاتحاد الأوروبي خلال هذه السنوات؟ وما الحواجز التي سيترتب على تركيا اجتيازها خلال هذا السباق الذي لن ينتهي قبل عامي 2015 و2020؟.

"
سيكون على الأحزاب التركية إيجاد صيغة للمواءمة والائتلاف مع الكتل الموجودة في البرلمان الأوروبي التي تنتمي لتيارات فكرية عابرة للحدود
"

في إطار دول الاتحاد سيكون الدستور الأوروبي الذي وقعه زعماء الدول الـ25 قد أقر خلال هذه المدة, باستفتاءات داخل كل دولة. وهو ما يسمح بنشوء مجلس أوروبي (بديل عن القمة) إضافة إلى توسيع صلاحيات المفوضية والبرلمان الأوروبي الذي قد تتعرض بنيته ذاتها للتغيير. ناهيك عن أن عدد الأعضاء سيكون 27 وربما 28 إذا ضمت كرواتيا –كما هو متوقع – قبل تركيا.

أما انعكاسات ذلك على تركيا فستتخذ على الأرجح عدة وجوه.

أولا: سيكون على الأحزاب التركية إيجاد صيغة للمواءمة والائتلاف مع الكتل الموجودة في البرلمان الأوروبي والتي تنتمي لتيارات فكرية عابرة للحدود كالكتلة الاشتراكية والمسيحية الديمقراطية والخضر وغيرهم.

ثانيا: سيكون لمفوضة شؤون التوسيع الألمانية نييلي كروس (ومن سيليها بعد خمسة أعوام) سلطة رقابية على قرارات البرلمان والحكومات التركية المتعاقبة (والتي قد لا يتماثل اهتمامها بالعضوية مع اهتمام حكومة رجب طيب أردوغان). والمثال القريب على هذا الدور الرقابي وقع قبل شهرين عندما تلكأ البرلمان، الذي يسيطر عليه الإسلاميون، عمدا في إقرار قانون الزنا, الأمر الذي استدعى استنفارا شعبيا في عدة دول أوروبية, وشبه إنذار من المفوض السابق غونتر فرهوغن.

ثالثا: سيكون على المؤسسة العسكرية التركية إثبات أن يدها في صناعة القرار السياسي لم تعد طويلة (فعلا لا قولا), وأن أولوياتها في شؤون السياسة لا تختلف في شيء عن نظيراتها الأوروبية.

رابعا : سيكون على الحكومات التركية المتعاقبة تقديم إثباتات أنها تقوم بدمج الأكراد ومنحهم حقوقهم الثقافية وتنمية مناطقهم (للحد من هجرة شبابهم إلى أوروبا) إضافة إلى إيجاد صيغة للإقرار بالمسؤولية عن مجازر الأرمن مطلع القرن الماضي باعتبار أن التصالح مع التاريخ من شيم الأمم الأوروبية على ما ذهب إليه وزير الخارجية الفرنسي ميشال بارنييه قبل أيام.

"
الاتحاد الأوروبي يسعى إلى اتفاقات شراكة مع دول متوسطية أخرى لا تقل كلفتها وفوائدها عن كلفة ضم تركيا

"

خامسا: في ختام عملية التكيف هذه وفي حال اجتيازها بنجاح, لن تفلت تركيا من اختبار استفتاء الشعوب الأوروبية على عضويتها وهذا ما قاله صراحة ميشال بارنييه ومفوض الزراعة الأوروبي فرانتس فيشلر.

هل تعني الرحلة التركية الطويلة والمضنية إلى عضوية أوروبا أن الاتحاد بصدد وضع شروط تعجيزية أمام أنقرة تمنعها من البحث عن الانضمام؟

بالقطع لا، فالاتحاد الأوروبي يسعى إلى اتفاقات شراكة مع دول متوسطية أخرى لا تقل كلفتها وفوائدها عن كلفة ضم تركيا. بيد أن المقصود بهذه الرحلة هو ترويض أنقرة وتهيئة مجتمعها وأحزابها (وليس مؤسساتها السيادية فحسب) لمثل هذا التحول, كما أن هذه الرحلة ضرورية أيضا للأوروبي العادي المطالب بالتكيف مع فكرة "أوروبية تركيا" قبل أن يحسمها بنفسه في صندوق الاقتراع.

_______________
الجزيرة نت

المصدر : الجزيرة

إعلان