مسلمو تايلاند والبحث عن مخرج من مأزق التهميش
يبدو واقع جنوبي تايلند لزائره مختلفا تماما عما تصوره وسائل الإعلام، أو ترسمه في ذهن المتابع لأحداثه عن بعد. فلا يكاد يعرف الإقليم إعلاميا إلا بأزماته والصدامات بين المسلمين والقوات الحكومية، والظلم الواقع على الأقلية المسلمة من قبل الأغلبية البوذية لأسباب دينية، ومطالبة المسلمين بالانفصال عن تايلند.
إلا أن واقع الحال ينطق بخلاف ذلك كله، فجنوبي تايلاند ليس كيانا متجانسا يتميز بإسلامه في مواجهة الوسط والشمال البوذي كما يشاع، إذ لا يشكل المسلمون أغلبية في الجنوب، وإنما هم أغلبية في ثلاث ولايات فقط من أصل 13 ولاية يتشكل منها الجنوب. ولا تزيد نسبة المسلمين حسب مصادرهم هم أنفسهم عن 10% من مجموع سكان تايلند البالغ عددهم 65 مليون نسمة، وهنا يبرز السؤال ما هي مشكلة المسلمين مع الحكومة؟ وهل مازالت فكرة الانفصال قائمة في برنامج المسلمين؟
حقوق متاحة
إذا كانت الحكومات التايلندية اضطهدت المسلمين قبل عقود عدة، وحرمتهم من التمتع بحريتهم الدينية، فإن الحال منذ سنوات عدة ليس كذلك بحسب د. إسماعيل علي المؤرخ وأستاذ الشريعة في جامعة فطاني.
ويعتقد د.علي أن "المسلمين يتمتعون بحقوقهم الدينية والتعليمية إلى حد كبير، فعلى المستوى الديني، لا تعترض الحكومة سبيلهم في تأدية واجباتهم الدينية وبناء المساجد والمدارس الإسلامية وارتداء الحجاب".
وأضاف علي في حديثه للجزيرة نت "يتحمل المسلمون جزءا كبيرا من مسؤولية تخلفهم تعليميا، بسبب إقبالهم المبالغ فيه على التعليم الديني وإهمالهم التعليم المدني الذي نحتاجه في حياتنا اليومية لتطوير مناطقنا بالشكل اللائق".
وسياسيا لا يمنع القانون المكتوب أو الممارَس المسلمين من تشكيل الأحزاب السياسية، إلا أنهم شتتوا قوتهم السياسية بانضمامهم إلى الأحزاب غير المسلمة وفشلوا في تأسيس حزب سياسي خاص بهم.
كما أن لهم وزيرا في الحكومة، هو محمد نور متى وزير الزراعة، وهي حقيبة مهمة في بلد زراعي مثل تايلند، وشغل مسلم آخر هو د.سورين منصب وزير الخارجية في حكومة الحزب الديمقراطي، وتمكن مواطن مسلم من الفوز بمنصب نائب محافظ بانكوك العاصمة بالانتخاب وليس بالتعيين. ويشغل المسلمون 17 مقعدا في البرلمان المركزي من أصل 550 مقعدا.
امتناع عن الاستثمار
وقد تمكن عدد من المسلمين من الوصول إلى رتب عسكرية عليا حتى رتبة الجنرال في الجيش والشرطة التايلندية. مما يعني أن الحكومة والنظام الملكي في تايلند لا يحول دون ممارسة المسلمين لحقوقهم السياسية المنصوص عليها في الدستور.
أما على الصعيد الاقتصادي فإن المتجول في مدن المسلمين وقراهم يلمس فيها قدرا جيدا من التنمية العمرانية والبنية التحتية والخدمات، إان كان بعض المسلمين يشكون ضعف التنمية الاقتصادية في الجنوب مقارنة بباقي أقاليم البلاد.
لكن المحلل الاقتصادي المسلم إسماعيل عبد الله يرى أن المسلمين" يسهمون بقدر كبير في تخلف مناطقهم نسبيا، بسبب عدم إقدامهم على استثمار مدخراتهم في مشاريع اقتصادية تحرك رؤوس أموالهم وتعزز من قوتهم الاقتصادية في مواجهة رأس المال (البوذي) النشط والجريء".
مسؤولية المحليات
وتكاد تنحصر مشكلة المسلمين مع الحكام الإداريين لمناطقهم، وليس مع الحكومة أو الأسرة المالكة في بانكوك، كما يؤكد الشيخ عبد الرحمن عبد الصمد رئيس المجلس الإسلامي في نراتيوات للجزيرة نت "مشكلتنا ليست مع الحكومة ولكن مع الإدارات المحلية التي تعينها الحكومة، فهي التي تتسبب في تراجع التنمية في مناطق المسلمين، والمسلمون أولى بإدارة مناطقهم ممن يأتون من خارجها".
أما فكرة الانفصال عن تايلند فلم يعد لها – نتيجة الرصد الميداني- رصيد يذكر لدى المسلمين، وباتت مجرد مطالبة وشعار سياسي يرفعه ممثلو الحركات الانفصالية المقيمة خارج البلاد.
أما المسلمون وقياداتهم الدينية والسياسية فقد تعايشوا مع الواقع المفروض عليهم، رغم احتفاظهم بذاكرة حية لمملكة فطاني التاريخية، التي أبادها السياميون البوذيون في مطلع القرن الماضي، وضموا أراضيها قسرا إلى تايلند.
إلا أن أبو شهيد الناطق باسم حركة تحرير فطاني (بولو) رفض في حديثه للجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني من مقر إقامته في السويد مقولة تراجع تأييد الفكرة الانفصالية وانحسار مؤيديها، وقال "نحن فقط غيرنا تكتيكنا في عدم إعلان عضوية أتباعنا لحمايتهم من بطش الحكومة، والسماح لهم بالحركة بحرية في أرض الوطن"، وعلى الصعيد السياسي أكد أبو شهيد قبول حركته خيار الحكم الذاتي، المهم أن يمنح شعب فطاني حق تقرير المصير كحق طبيعي لشعب احتلت أرضه بالقوة. وأضاف "ماليزيا تسعى بصفتها الرئيسة الدورية لمنظمة المؤتمر الإسلامي إلى تحريك القضية على المستوى الدولي، دعما لفكرة الحكم الذاتي".
ـــــــــــــ
مراسل الجزيرة نت