مؤتمر مدريد يخفق في تحقيق الهدف الأميركي

جاء الإعلان عن حجم المبالغ التي تعهد بها المانحون الدوليون في مؤتمر مدريد أقل بكثير من مستوى توقعات الولايات المتحدة التي كانت تتطلع لمساهمة دولية أكبر لمواجهة الوضع في العراق.
فقد تلقت عملية إعادة بناء العراق في فترة ما بعد الحرب دعما مع تعهد الدول من اليابان إلى السعودية العربية بتقديم 13 مليار دولار على شكل معونات جديدة، هي أدنى بكثير من مبلغ 20 مليار دولار المقدمة من الولايات المتحدة.
غير أن معظم التعهدات جاءت على شكل قروض لتضيف عبئا جديدا على اقتصاد هذا البلد المدمر والمثقل أساسا بديون تزيد عن 120 مليار دولار.
ورغم أن ما تم التعهد به في مؤتمر مدريد أقل بكثير من 56 مليار دولار قدرت لحاجات إعادة بناء العراق الذي دمرت الحرب بنيته التحتية، فإن البلدان المانحة وعدت بتقديم مساهمات ليست بقليلة.
ولم تلامس تعهدات المانحين نصف ما طالبت به واشنطن (35 مليار دولار)، ورغم ذلك شدد وزير الخارجية الأميركي كولن باول في ختام المؤتمر الذي استمر يومين على أن هذه التعهدات تظهر أن المجتمع الدولي متكاتف من أجل تحقيق هدف بناء أمة جديدة في العراق.
لكن باول أقر بأن القروض ستعطى لبلد يرزح تحت أعباء ديون كبيرة، وشدد وزير الخزانة جون سنو على أن واشنطن ستواصل مساعيها لدفع الدول الدائنة للعراق إلى خفض قيمة هذه الديون باعتبارها "مسألة ملحة". لكنه لاحظ أن البنك وصندوق النقد الدوليين اللذين تعهدا بتقديم أكثر من تسعة مليارات دولار لا يسعهما أن يفعلا غير ذلك، وقال "إنهما لا يعملان في حقل الهبات بل في مجال القروض".
وتسعى الإدارة الأميركية للضغط على الكونغرس للحيلولة دون صدور قرار يحول نصف المليارات الـ20 التي تطلبها إلى قروض.
ومعلوم أن هذا المبلغ سيخصص للقطاعات التي تعطيها واشنطن أولوية مدروسة وهي الأمن والجيش والنفط. وما عدا ذلك مما يتعلق بالشعب العراقي وعيشه الكريم من كهرباء وماء وخدمات أخرى فينتظر المساعدات الدولية.
وتنوعت أشكال المساهمات التي قدمتها الدول والهيئات الدولية المشاركة في هذا المؤتمر، إذ تعهد البعض بمنح مالية والآخر بقروض ميسرة الفوائد في حين قالت دول أخرى إنها ستتبرع بالمواد الغذائية والمياه، وتعهد البعض بتدفق سياحي للعراق.
وأصبحت اليابان في المركز الثاني كأكبر جهة مانحة بعد الولايات المتحدة حيث تعهدت بتقديم 1.5 مليار دولار كمنح، ثم أضافت على ذلك 3.5 مليارات دولار في هيئة قروض منخفضة الفائدة.
وتعهدت السعودية بدفع مليار دولار أعلنت أن نصفه سيكون قرضا مستحق الدفع عام 2007 فيما سيستخدم النصف الآخر "لتمويل وضمان الصادرات في العراق".
غير أن الرياض اشترطت عدم التنازل عن ديونها لدى العراق والبالغة 24 مليار دولار، لكنها قد تعيد جدولتها لتمكين العراق من استعادة عافيته الاقتصادية.
وتعهدت الكويت بمنحة قيمتها 500 مليون دولار إضافة إلى مليار دولار تقول إنها سبق أن أنفقتها على مساعدات أرسلت إلى العراق خلال الأشهر القليلة الماضية بعد سقوط بغداد يوم التاسع من أبريل/ نيسان الماضي.
ولم تتعهد أي من الدول الكبرى المناوئة للحرب وهي فرنسا وروسيا وألمانيا، بأي تعهدات مالية أو خدمية وهو ما اعتبر موقفا "صارما من استمرار السيطرة الأميركية على مقاليد الأمور في العراق".
وفي ذلك يقول أحد المحللين العرب إن مؤتمر مدريد للمانحين لم يقدم للعراق ما يحتاج إليه أو ما توقعه، وعزا ذلك إلى "الصلف الأميركي" لأن الولايات المتحدة لم تتمكن رغم القرار الأخير لمجلس الأمن "من أن تزيل اقتناع سائر الدول بأنها ليست في صدد المساهمة في تمويل الاحتلال".
واعتبر أن مؤتمر مدريد أظهر استعدادا دوليا ملموسا للمساعدة في إعادة إعمار العراق، لكن "أي عراق؟ الجواب غير معروف".
__________
* الجزيرة نت