الناجون من الموت في مخيم جنين فقدوا صلتهم بالحياة

undefined

يجهل الفلسطيني أحمد حسين فراج أين أصبحت زوجته ولا يجد أثرا لجثة ابنه الذي قال له جيرانه إنه استشهد, ومن فرط حزنه وانفعاله يعجز عن تحديد المكان الذي كان فيه منزله بعد أن تحول إلى كومة من الحجارة في مخيم جنين.

لقد فقد الرجل السبعيني صلته بالحياة بفقدان أغلى ما يربطه بها, وبات يشعر بأنه "كالميت".

ويصعد فراج بصعوبة بضع درجات تقود إلى شقة عائلة أبو غتنة في حي لم ينل ما ناله غيره من الأحياء من الدمار الهائل في المعارك وتحت ضربات الآليات والجرافات الإسرائيلية.

ويروي الرجل المسن معتمرا كوفيته حافي القدمين وهو ينحني فوق قضيب يستخدمه عصا يتكئ عليها ما حدث له في الأسبوعين الأخيرين بعد أن اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منطقة جنين شمال الضفة الغربية.

ويقول الرجل -الذي كان عاملا ويملك منزلا من طابقين في وسط المخيم- إنه اختبأ في بداية المعارك مع زوجته وبناته الثلاث وأبنائه الأربعة في غرفة اعتقد أنها محمية أكثر من غيرها من قصف الصواريخ. وبعد ثلاثة أيام أمر أسرته بالمغادرة وقال "كان همي أن أنقذهم، أنا بقيت لأتابع ما يجري". وذهبت بناته إلى أبناء عم لهن، ورحلت زوجته وولداه الصغيران اللذان لا يتجاوز عمرهما الثالثة عشرة دون أن يأخذا معهما شيئا. ومنذ ذلك الحين لم يسمع عنهم، فهل رحلوا مع مئات آخرين إلى مدينة جنين أم إلى أطراف المخيم؟ "لا أعرف", هذا كل ما يستطيع قوله.

انتظر الرجل ليلا ونهارا وقرر هو أيضا الرحيل، وقال "رأيت الجرافات تقترب من بيتي فخرجت مسرعا، ومنذ ذلك الحين وأنا أبيت عند جيراني". وقال إن الجنود لم يكلفوا نفسهم عناء تفقد ما إذا كان هناك أحد في المنزل, خلافا للمرات السابقة حيث كانوا يدعون الناس بمكبرات الصوت لإخلاء منازلهم، وأضاف "لو أنني لم أنتبه لكانوا قتلوني".

undefinedوبعد مقتل 13 من الجنود الإسرائيليين قام الإسرائيليون بتدمير ساحة الحواشين وسط المخيم حيث وقعت أعنف المعارك، ومعها جرفوا منزل فراج. ومنذ ذلك الحين وهو ينتظر وتأتي إليه الأخبار، فقد قالوا له قبل أسبوع إن ابنه عبد الرحمن استشهد، لقد رأى أحدهم جثته لكنه لا يعرف شيئا آخر.

وبعد ذلك نقل إليه أحدهم قصة غريبة عن ابنه الثاني يحيى الذي "ظهر يوما وقد خرج من بين الأنقاض". وكان أحمد حسين فراج ينتظر رحيل الدوريات الإسرائيلية ليبدأ البحث عن زوجته، وقال إنه سيسأل الناس أين رأوها آخر مرة.

وردا على سؤال عما إذا كان يعتزم إعادة بناء بيته يقول العجوز "لا, أبدا". ويضيف "كيف تريدونني أن أفعل ذلك، ليس لدي أي شيء، ليس لدي المال، فقدت كل شيء".

وأضاف "إنني كالميت", لكنه يستدرك "لا تزال هناك بناتي وأنا مسؤول عنهن". ويقترب عجوز فلسطيني آخر من الساحة ببطء، هو أيضا وحيد، هو أيضا رأى بيته تجرفه الجرافات، هو أيضا يتملكه الذهول.

ويقول "الأطفال الإسرائيليون يذهبون إلى المدارس، يلعبون ويسبحون، نحن هذا بحرنا" ويشير بحركة واسعة من ذراعه إلى أكوام الدمار الكبيرة التي تحولت إليها الساحة. ويضيف بحرقة وغضب "كل النزاعات لها حل, كلها.. إلا قضيتنا".

المصدر : الفرنسية