فوز شارون يثير قلق قادة العالم على السلام

أثار فوز رئيس التكتل اليميني المتطرف في إسرائيل أرييل شارون برئاسة الوزراء ردود فعل عالمية واسعة وقلقا على مصير جهود السلام، بالرغم من أن النتيجة لم تكن مفاجئة. لكن المفاجئ كان الفارق الكبير الذي تغلب به شارون على رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك الذي اضطر للاستقالة من رئاسة حزب العمل، مما فتح الطريق أمام نزاع حاد داخل الحزب على خلافته.
فقد نقلت الإذاعة الإسرائيلية عن اللجنة المركزية للانتخابات أن شارون انتخب رئيسا للوزراء في إسرائيل متقدما بـ 25 نقطة على رئيس الحكومة العمالي إيهود باراك بعد فرز أكثر من 99 % من بطاقات الانتخاب. وأوضحت الإذاعة أن شارون حصل على 62.5% من الأصوات مقابل 37.4% لباراك. ولم تفرز بعد أصوات الجنود لكنها لن تؤثر كثيرا على هذه النتيجة.
أزمة في حزب العمل
وفتحت استقالة باراك من حزب العمل –بعد هزيمته الساحقة بفارق كبير- الباب أمام نزاع حاد لخلافته بين قادة حزب العمل. وتتردد أسماء عدد من الخلفاء لا سيما من سيتولى قيادة الحزب حتى الانتخابات البرلمانية القادمة.
ودعا عدد من نواب الحزب إلى "الوحدة" وإلى "إعادة الخناجر إلى أغمادها", غير أن النزاع الذي تتردد أصداؤه داخل الحزب بدأ ينكشف. وكان اسم رئيس الوزراء الأسبق شمعون بيريز الأكثر تداولا لتولي رئاسة الحزب للفترة الانتقالية. وقال التلفزيون إن بيريز وشارون أجريا اتصالا هاتفيا بعد إعلان فوز الأخير.
وأعلن رئيس الكنيست إفراهام بورغ بعد إعلان باراك استقالته أنه يأمل في أن "يفكر الحزب في سبل رص صفوفه لا سيما حول صورة شمعون بيريز" بانتظار الانتخابات العامة التي قال إنه يأمل أن تجري خلال "ثلاثة أشهر".
وبورغ من الراغبين في تبوّؤ رئاسة الحزب، ويؤكد العديد من المحللين أن حظه في الفوز كبير في هذه الانتخابات.
ولكن بورغ يواجه عددا آخر من المرشحين للمنصب مثل وزير الخارجية شلومو بن عامي أحد أبرز "الحمائم" في حزب العمل, وهناك كذلك حاييم رامون وزير الداخلية. وسيتعين على حزب العمل كذلك اتخاذ قرار بشأن عرض شارون المشاركة في حكومة وحدة وطنية التي ينقسم مسؤولوه بشأنها.
ويعارض "الحمائم" مثل بن عامي ووزير العدل يوسي بيلين بشدة الاشتراك في حكومة يترأسها شارون. لكن وزير الصناعة بنيامين بن أليعازر -وهو من "صقور" حزب العمل- أعرب عن تأييده المشاركة في حكومة مع الليكود. ولم يستبعد باراك تماما مثل هذا الخيار, وإن كان ربطه بشروط عدة.
واشنطن تترقب وأوروبا قلقة
وتلقى شارون التهاني من قادة العالم الذين لم يمنعوا أنفسهم من الإعراب -الضمني من البعض والصريح من البعض الآخر- عن قلقهم إزاء مصير جهود السلام في المنطقة.
وأعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي جورج بوش اتصل هاتفيا بشارون لتهنئته على الفوز وتأكيد تعاونه معه من أجل دفع عملية السلام إلى الأمام والاستقرار في المنطقة. ووجه وزير الخارجية الأميركي كولن باول "نداء مشحونا بالعاطفة" يحث على الهدوء إلى أن تعد الحكومة الإسرائيلية الجديدة موقفا تفاوضيا جديدا.
وقال "هذا وقت للتحلي بالصبر ومنح الفائز فرصة ليقرر ما هو نوع الحكومة التي ستشكل. وحث باول "جميع الزعماء وجميع الشعوب في المنطقة على الامتناع عن القيام بأي أعمال تؤدي إلى العنف".
وهنأت الرئاسة السويدية للاتحاد الأوروبي شارون معربة عن الأمل في أن يواصل رئيس الوزراء الجديد "عملية السلام والحوار مع كل الأطراف المعنية". كما هنأت وزارة الخارجية البريطانية شارون لكنها شددت على وجوب عدم التخلي عن جهود السلام مع الفلسطينيين.
وأعلن وزير الخارجية النرويجي الذي رعت بلاده مفاوضات أفضت إلى اتفاق إعلان المبادئ الشهير باتفاق أوسلو، أن لديه "ما يكفي من الأسباب التي تدعو إلى التخوف على الوضع في الشرق الأوسط إذا ما وضع شارون برنامجه الانتخابي موضع التنفيذ".
أما في باريس فتميزت اللهجة بالحذر، إذ أعلن وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين أن فرنسا ستقيم سياسة شارون وفقا "لأعماله". وقال "سنقيم (سياسة الحكومة الجديدة) وفقا للأعمال والوقائع".
وانضم رئيس الوزراء الأسترالي جون هوارد إلى مهنئي شارون على فوزه الساحق، لكنه أشاد برئيس الوزراء السابق واصفا إياه بالرجل "العظيم الشجاع". وقال "إنني أعتقد أنها لمأساة جليلة أن الفلسطينيين لم يستغلوا عرض السلام الذي قدمه باراك.. إنه موقف فاجع مشحون جدا، وأعتقد أنه أظهر أنه شجاع جدا في الذهاب إلى الحد الذي ذهب إليه".
ودعت اليابان شارون إلى متابعة جهود السلام مع الفلسطينيين وعدم التضحية بالتقدم الذي تحقق حتى الآن. وأعلن وزير الخارجية الياباني يوهي كونو أن "اليابان ستستمر في تقديم دعمها وتعاونها لتحقيق السلام والاستقرار".
رد الفعل الفلسطيني
أما على الصعيد الفلسطيني فقد أعلن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات أنه يحترم خيار الشعب الإسرائيلي، وأعرب عن أمله في استمرار عملية السلام. وأكد نبيل أبو ردينة أحد مستشاري عرفات أن السلطة الفلسطينية "مستعدة للتعامل مع أي حكومة إسرائيلية".
لكن وزير الإعلام الفلسطيني ياسر عبد ربه وصف انتخاب شارون بأنه أكثر الأحداث حماقة في تاريخ إسرائيل. وقال إن سياسات شارون المتشددة ستقتل عملية السلام.
وأعلنت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أن فوز شارون يشكل "حافزا قويا لاستمرار مقاومة الاحتلال الإسرائيلي". وقال إسماعيل أبو شنب أحد قادة الحركة إن "وجود شارون لا يخيفنا ولا يخيف شعبنا, بالعكس فهو يعطي حافزا قويا للتحدي وحافزا لاستمرار المقاومة وينبه الشارع العربي والإسلامي على مخاطر وجود إسرائيل في المنطقة".
واعتبر لاجئون فلسطينيون في لبنان -فور الإعلان عن انتخاب شارون رئيسا للوزراء في إسرائيل- أن وصول "مثير الحروب" إلى السلطة من شأنه على الأقل أن يجعل الوضع في المنطقة أكثر وضوحا.
وقال ماهر شبايطة المسؤول عن حركة فتح في مخيم عين الحلوة بضواحي مدينة صيدا إن "فوز أرييل شارون في الانتخابات يكشف الوجه الحقيقي لإسرائيل". واعتبر عضو آخر في فتح طلب عدم الكشف عن هويته أن "شارون لن يعترف أبدا بحقوق الفلسطينيين, وخيارهم الوحيد هو تصعيد الكفاح المسلح".
تعليقات عربية
وجاءت التعليقات العربية القليلة على انتخاب شارون لتعبر عن حذر شديد. فقد قال وزير الخارجية الأردني عبد الإله الخطيب إن بلاده ستحكم على سياسات الحكومة التي سيشكلها شارون "على أساس التزامها بعملية السلام والعمل من أجل تحقيقه".
وفي دمشق قال المدير العام لوكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" علي عبد الكريم إن سوريا متمسكة بمطالبتها بسلام يستند إلى استرجاع كل الأراضي العربية المحتلة من قبل إسرائيل. واعتبر أن على العرب أن لا يصابوا "بالقنوط" من انتخاب شارون الذي قال إنه "سفاح سبق أن تعرف العالم كله إليه حين احتل عاصمة عربية، وحين أقدم دون وازع من ضمير على القتل الجماعي في صبرا وشاتيلا مسجلا واحدة من أبشع وأفظع صور الجريمة في التاريخ".