شارون يبدأ بتشكيل حكومته وسط ترقب عالمي

يكثف رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد أرييل شارون جهوده لتشكيل حكومته بعد أن أعلنت النتائج فوزه الكاسح على منافسه رئيس الوزراء السابق إيهود باراك. وقد شكل فريقا لبدء مفاوضات مع أحزاب سياسية للانضمام لحكومته، وقد شكك مسؤولون في نجاحه في تشكيل حكومة ائتلافية.
وقال شارون إنه يريد تشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة قبل نهاية مارس/ آذار المقبل وهي المهلة المحددة لتشكيل الحكومة. ويمكن للحكومة أن تباشر عملها حال حصولها على ثقة الكنيست قبل انتهاء المدة المحددة، وإلا فإنه سيضطر لإجراء انتخابات برلمانية جديدة. ويعني الفشل في الوفاء بهذا الموعد النهائي ومن ثم عدم إقرار ميزانية السنة المالية القادمة أن تجرى بشكل تلقائي انتخابات جديدة على رئاسة الوزراء والبرلمان.
وناشد شارون حزب العمل مشاركته في محاولة التوصل إلى معاهدة سلام تاريخية مع الفلسطينيين، ودعا إلى توقف الانتفاضة الفلسطينية المستمرة منذ أربعة أشهر.
جو من التشاؤم
في غضون ذلك خيم جو من التشاؤم على منطقة الشرق الأوسط بعد إعلان شارون برئاسة الحكومة. فقد أثار الفوز الساحق القلق في أوساط الجناح اليساري في إسرائيل وزاد من حدة التشاؤم الفلسطيني إزاء التقدم في عملية السلام في حين اتسمت ردود الفعل العربية والدولية بالحذر.
ودعا شارون فور إعلان فوزه الفلسطينيين التفاوض من أجل ما وصفه "بسلام واقعي" وقال إن البحث عن السلام الدائم يتطلب تنازلات أليمة من كل الأطراف.
وكان شارون قد ألقى خطابا أمام مؤيديه عقب فوزه قال فيه إنه يريد استئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين شريطة إبقاء القدس بشطريها عاصمة أبدية لإسرائيل.
وأعرب الفلسطينيون من جانبهم عن خشيتهم من أن تتوقف عملية السلام، وأعلن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات أنه يحترم خيار الشعب الإسرائيلي، كما أعرب عن أمله في استمرار عملية السلام. وأكد نبيل أبو ردينة أحد مستشاري عرفات أن السلطة الفلسطينية "مستعدة للتعامل مع أي حكومة إسرائيلية".
لكن وزير الإعلام الفلسطيني ياسر عبد ربه وصف انتخاب شارون بأنه أكثر الأحداث حماقة في تاريخ إسرائيل. وقال إن سياسات شارون المتشددة ستقتل عملية السلام.
ودعت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" التي يتزعمها الرئيس عرفات إلى تصعيد الانتفاضة وعدم الدخول في مفاوضات مع حكومة شارون، وطالبت الدول العربية بفرض عزلة عربية ودولية عليه. وتوعد مروان البرغوثي أحد قادة "فتح" في الضفة الغربية بتصعيد الانتفاضة وقال "سيندم الإسرائيليون على انتخاب شارون".
وأعلنت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أن فوز شارون يشكل "حافزا قويا لاستمرار مقاومة الاحتلال الإسرائيلي". وقال إسماعيل أبو شنب أحد قادة الحركة إن "وجود شارون لا يخيفنا ولا يخيف شعبنا, بالعكس فهو يعطي حافزا قويا للتحدي وحافزا لاستمرار المقاومة وينبه الشارع العربي والإسلامي على مخاطر وجود إسرائيل في المنطقة".
حذر وتريث
من ناحية أخرى تميزت التعليقات العربية على انتخاب شارون بالحذر الشديد. فقد دعا الرئيس المصري الذي وقعت بلاده معاهدة سلام مع إسرائيل قبل 23 عاما إلى التريث قبل إصدار الأحكام على شارون.
وقال الأردن إنه سيحكم على سياسات الحكومة التي سيشكلها شارون على أساس التزامها بعملية السلام والعمل من أجل تحقيقه. وكان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قد قال إن بلاده لن تتأثر بنتائج الانتخابات في إسرائيل.
واعتبرت بيروت إن إسرائيل دخلت في مأزق خطير بانتخاب زعيم الليكود اليميني رئيسا للوزراء وستدفع ثمن هذا الاختيار، وقال وزير الإعلام اللبناني غازي العريضي إن وصول شارون إلى رئاسة الحكومة هو تعبير عن توجه المجتمع الإسرائيلي إلى مزيد من التطرف
وأكدت دمشق تمسكها بالمطالبة بسلام يستند إلى استرجاع كل الأراضي العربية المحتلة من قبل إسرائيل. واعتبر أن على العرب ألا يصابوا "باليأس" من انتخاب شارون الذي قال إنه "سفاح سبق أن تعرف العالم كله عليه حين احتل عاصمة عربية.
بوش يهنيء
على صعيد آخر أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي جورج بوش اتصل هاتفيا بشارون لتهنئته على الفوز وتأكيد تعاونه معه من أجل دفع عملية السلام إلى الأمام والاستقرار في المنطقة. وقال بوش إنه ينوي تشجيع "الاستقرار" في الشرق الأوسط وإعطاء شارون فرصة للعمل من أجل السلام.
وهنأت الرئاسة السويدية للاتحاد الأوروبي شارون، وأعرب رئيس الوزراء يوران بيرسون عن أمله في استمرار التعاون مع إسرائيل وأن يحافظ شارون على المسيرة السلمية والحوار مع جميع الأطراف المعنية.
واتصل رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بشارون هاتفيا لتهنئته، وذكر بيان صادر عن مكتب بلير أنه لا يشك في تصميم شارون على العمل من أجل السلام القائم على أساس استقرار المنطقة وأمن إسرائيل، وكانت وزارة الخارجية البريطانية قد هنأت شارون على فوزه لكنها شددت على وجوب عدم التخلي عن جهود السلام مع الفلسطينيين.
وأعربت النرويج التي رعت مفاوضات أفضت إلى اتفاق إعلان المبادئ الشهير باتفاق أوسلو عن قلقها إزاء فوز شارون في الانتخابات، وقال وزير الخارجية النرويجي إن لديه "ما يكفي من الأسباب التي تدعو إلى التخوف على الوضع في الشرق الأوسط إذا ما وضع شارون برنامجه الانتخابي موضع التنفيذ".
أما في باريس فتميزت اللهجة بالحذر، وأكد الرئيس الفرنسي جاك شيراك ثقته في متابعة الحكومة التي سيشكلها شارون في متابعة عملية السلام، لكن وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين قال إن فرنسا ستقيم سياسة شارون وفقا "لأعماله".
كما رحبت برلين بنتيجة الانتخابات، وأكد المستشار الألماني غيرهارد شرويدر مواصلة حكومة بلاده في تقديم الدعم اللازم من أجل إحلال السلام العادل والدائم في المنطقة.
وأعربت موسكو التي تشارك واشنطن في رعاية عملية السلام في الشرق الأوسط عن أملها في أن يستأنف رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد عملية السلام مع الفلسطينيين على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي والاتفاقات المبرمة.
ودعت اليابان شارون إلى متابعة جهود السلام مع الفلسطينيين وعدم التضحية بالتقدم الذي تحقق حتى الآن. وأعلن وزير الخارجية الياباني يوهي كونو أن "اليابان ستستمر في تقديم دعمها وتعاونها لتحقيق السلام والاستقرار".
نزاع في حزب العمل
وفي السياق نفسه فتحت استقالة باراك من حزب العمل -بعد هزيمته الساحقة بفارق كبير- الباب أمام نزاع حاد على خلافته بين قادة حزب العمل.
ودعا عدد من نواب الحزب إلى "الوحدة" وإلى "إعادة الخناجر إلى أغمادها", غير أن النزاع الذي تتردد أصداؤه داخل الحزب بدأ ينكشف. وكان اسم رئيس الوزراء الأسبق شمعون بيريز الأكثر تداولا لتولي رئاسة الحزب للفترة الانتقالية. وقال التلفزيون إن بيريز وشارون أجريا اتصالا هاتفيا بعد إعلان فوز الأخير.
وأعلن رئيس الكنيست إفراهام بورغ بعد إعلان باراك استقالته أنه يأمل في أن "يفكر الحزب في سبل رص صفوفه لا سيما حول صورة شمعون بيريز" بانتظار الانتخابات العامة التي قال إنه يأمل أن تجرى في غضون "ثلاثة أشهر".
وبورغ من المرشحين لرئاسة الحزب، لكنه يواجه عددا آخر من المرشحين للمنصب مثل وزير الخارجية شلومو بن عامي أحد أبرز "الحمائم" في حزب العمل, وهناك كذلك حاييم رامون وزير الداخلية. وسيتعين على حزب العمل كذلك اتخاذ قرار بشأن عرض شارون المشاركة في حكومة وحدة وطنية التي ينقسم مسؤولوه بشأنها.
ويعارض "الحمائم" مثل بن عامي ووزير العدل يوسي بيلين بشدة الاشتراك في حكومة يترأسها شارون. لكن وزير الصناعة بنيامين بن أليعازر -وهو من "صقور" حزب العمل- أعرب عن تأييده المشاركة في حكومة مع الليكود. ولم يستبعد باراك تماما مثل هذا الخيار, وإن كان ربطه بشروط عدة.