شارون في ثوب جديد.. تغير أم تنكر؟

زعيم حزب الليكود


undefined

بقلم: إلياس زنانيري
ليس غريبا أن ينادي مرشح اليمين أرييل شارون ليل نهار بحكومة وحدة وطنية، فهو يدرك أنه بدون حكومة كهذه يبقى أسيرا لصوت من هنا أو صوتين من هناك وبذلك تكون أيامه في رئاسة الوزراء قصيرة جدا قد لا تمتد إلى نهاية العام.

ونستطيع المراهنة بشيء من راحة البال على أن انتخابات عامة في إسرائيل ستجري في شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم، الأمر الذي يقلل إلى حد كبير من أهمية التصويت صباح الثلاثاء على اعتبار أن رئيس الوزراء القادم لن يعمر طويلا بالمفهوم السياسي، وسيتعين عليه تقديم استقالته أو استقالة حكومته أو ربما سيفقد ثقة البرلمان (الكنيست).


undefinedكنيست منقسم يضعف الفائز

إن نظرة فاحصة لتركيبة الكنيست الحالية والتي أكد رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو وبحق أنها تمثل حالة مثلى من الشلل السياسي، تشير إلى أن عدد أعضاء الكنيست الذين سيشكلون قاعدة برلمانية لليمين لا يتجاوز 58 عضوا، ولذلك يظل شارون بحاجة إلى تأييد ثلاثة أعضاء على الأقل حتى تكون له الأغلبية المطلوبة -ولو غير الثابتة- للاستمرار في الحكم.

وستتجه أنظار شارون نحو أربعة أعضاء كنيست معروفين اليوم كأعضاء عائمين في بحر السياسة الإسرائيلية وهم روني ميلو ودان مريدور اللذان أعلنا رسميا معارضتهما لرئيس الوزراء إيهود باراك من جهة وأعربا عن تأييدهما بتحفظ لشارون، ويضاف إليهما الأخوان دافيد ومكسيم ليفي الضائعان دوما في صحراء الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة نظرا لتنقلهما من حضن حزب العمل الى ذراعي الليكود وبالعكس على امتداد سنين عديدة خلت.

إعلان

أما سائر أعضاء التحالف المحتملين في حكومة يشكلها شارون فهم: حزب الليكود (19 عضوا) وشاس (17) وإسرائيل بعاليه (شرانسكي 4) ويهودت هتوراه (5) والحزب الوطني الديني "المفدال" (5) وحزب التوحد الوطني (3) وحيروت (1) وإسرائيل بيتنا (4).

وفي ظل ائتلاف كهذا سيكون وضع شارون صعبا نوعا ما خاصة وأنه سيبقى أسير الأحزاب المتطرفة من مثل الوحدة الوطنية (رحبعام زئيفي الملقب بغاندي) الذي طالب بتدمير الصفوف الأولى لأي منازل عربية تطلق من محيطها النيران الفلسطينية على المستوطنات الإسرائيلية.

وشارون سيكون هدفا لضغوط يمينية متطرفة من جانب الأحزاب المتطرفة في ائتلافه، بينما سيواجه بعض المعارضة من أعضاء حزبه الليكود خاصة "المعتدلين" منهم مثل مائير شتريت، إضافة إلى ضغوط دولية متوقعة إذا ما تجاوز شارون حدود "المعقول" في رده على استمرار الانتفاضة الفلسطينية.

ويبدو أن هذه هي أهم العوامل التي دفعت شارون إلى الإعلان على الملأ أنه يفضل تشكيل حكومة وحدة وطنية تعفيه من ابتزاز جانبي من الوسط أو من اليمين من جهة، وتضمن له فوزا ساحقا في الانتخابات ضد منافسه باراك لكونه يطرح ذاته رمزا وعاملا للوحدة الوطنية في مثل هذه الظروف التي تعيشها إسرائيل والتي لم يعد أحد يتردد في وصفها بحرب الاستنزاف التي يشنها الفلسطينيون ضد إسرائيل.

لاحظ المراقبون أن شارون أتقن في الفترة الأخيرة فن التنكر والتستر وراء قناع من التجدد، فصار يقلل من تصريحاته للصحفيين وإن تحدث فلا يخرج عن إطار العموميات مخلفا وراءه سحابة كثيفة تجعل من شبه المستحيل التعرف على حقيقة برامجه السياسية أو خطته للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. ولدى استفزازه بشأن هذه الضبابية يرد هو أو أحد مستشاريه: إن رجل السياسة العاقل كما الجنرال الناجح لا يكشف أوراقه مسبقا ولا يكرر الخطأ الذي وقع فيه باراك حين حدد مسبقا جدولا زمنيا للانسحاب من لبنان ورسم سقفا محددا للتنازلات الإسرائيلية في المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.

إعلان

شروط السلام
ما هي خطة شارون للتسوية؟ يقول شارون في اللقاء ذاته إن أمن الإسرائيليين يقع على رأس سلم أولوياته، ولكنه لا يحدد كيف سينجح حيث فشل باراك في تحقيق الأمن الذاتي للإسرائيليين، بل اكتفى بالقول إن على إسرائيل أن تنتهج طريقا آخر غير الذي سار عليه باراك.

وأساس التوجه الجديد الذي يتحدث عنه شارون هو التوصل لاتفاق مرحلي بعيد الأمد مع الفلسطينيين تكون فيه الفرصة متاحة لاختبار نواياهم أولا بأول ولفحص مدى جديتهم في تطبيق هذا الاتفاق.

وقال إنه نقل إلى الجانب الفلسطيني في لقاء فيينا الشهر الماضي أنه معني أولا بالهدوء في المناطق الفلسطينية لأنه بدون هدوء لن يكون على استعداد للسير حتى ولو خطوة واحدة باتجاه الفلسطينيين.

ويرى شارون أن أسلوبه في معالجة المفاوضات مع  الفلسطينيين يمر عبر طريق متعدد المراحل ويمتد لفترة زمنية طويلة يتم فيها اختبار النوايا الفلسطينية وقدرة السلطة الفلسطينية على تنفيذ هذه الترتيبات الأمنية الشاملة على قاعدة التبادلية التي أكثر رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو من الحديث عنها في فترة حكمه قبل ما يزيد عن العامين.


undefinedبرنامج شارون للسلام

أما الخطوط العامة للاتفاق الذي سيطرحه شارون على الفلسطينيين فهي الاحتفاظ بشريطين أمنيين أولهما على امتداد نهر الأردن لمنع عبور "قوات أجنبية"، والآخر على امتداد المرتفعات الجبلية في غربي الضفة الغربية لتفصل بينها وبين إسرائيل.

لكنه يعلن أن هذين الشريطين الأمنيين لن يظلا إلى الأبد، وإنما سيزولان بمجرد زوال الحاجة اليهما. وبطبيعة الحال فإن شارون لا يحدد أي سقف زمني لإزالة الحزامين الأمنيين.

ويوافق شارون على قيام دولة فلسطينية فوق ما لا يزيد عن 42% من مجمل مساحة الضفة الغربية وهي المساحة التي تشرف عليها السلطة الفلسطينية حاليا والتي تتكون من المنطقة (أ) حيث تسيطر السلطة الفلسطينية على الشؤون الأمنية والإدارية، والمنطقة (ب) حيث الإشراف الأمني بيد إسرائيل والمدني بيد السلطة الفلسطينية.

إعلان

ويعلن شارون أنه لن يبني مستوطنات جديدة لكنه لن يصدر أي أمر بإخلاء أي مستوطنة حتى ولو كانت نائية.

ويطرح شارون على الفلسطينيين التعاون ضد ما يسميه بالإرهاب، وتعاونا اقتصاديا في شتى المجالات، ومشاريع مشتركة لتحلية مياه البحر ولكنه يصر على الاحتفاظ بكل مصادر المياه الجوفية في الضفة الغربية والسيطرة على شبكة واسعة من الطرق الرئيسية في الضفة الغربية.

أما فيما يتعلق بمدينة القدس فيعرض شارون بقاء القدس موحدة تحت السيادة الإسرائيلية، لكنه يعلن من جهة أخرى أنه سيحافظ على الوضع الراهن فيها، ويؤكد أن لديه النية بتوسيع أعمال البناء حول المدينة للحيلولة دون التوصل إلى أي اتفاق مستقبلي بين إسرائيل والفلسطينيين يقضي بإعادة تقسيم المدينة أو بإعادة الشطر المحتل منها إلى الفلسطينيين.

ويطرح شارون برنامج بناء مكثفا مماثلا في الجليل الفلسطيني بهدف تعزيز الوجود اليهودي في الجليل والحيلولة دون تحول العرب في إسرائيل إلى قوة بارزة قد تطالب في المستقبل بحكم ذاتي!

وعن حق العودة يقول شارون إنه لن يوافق على أي شكل من أشكال عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وإن كان على استعداد للنظر في بعض القضايا على أساس جمع شمل العائلات لأسباب إنسانية!


undefinedالاقتصاد عماد البقاء

ومن الملفت للنظر أن خطة شارون للأيام المائة الأولى بعد الانتخابات ركزت على الجانب الاقتصادي أكثر من أي قضية أخرى. فقد استأجر شارون عددا من الخبراء في مجالي البنى التحتية والاقتصاد ومن بينهم شموئيل سالفين الذي عمل في السابق مديرا عاما لوزارة الرفاه الاجتماعي ووزارة المالية. ويستدل من هذه الخطوة على أن شارون الذي وضع نصب عينيه الموضوع الاقتصادي ينوي فعلا البقاء في الحكم أطول فترة ممكنة حتى يتمكن من تحقيق برنامجه الاقتصادي، وقد يعني ذلك وضع مسألة المفاوضات مع الفلسطينيين على الرف أو حتى في جهاز التبريد طالما أن التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين سيبدو بعيد المنال.

المحللة والكاتبة الإسرائيلية إبيرما غولان كتبت في صحيفة هآرتس مؤخرا تقول إنه لا فرق بين الخطتين الاقتصاديتين اللتين يتبناهما كل من شارون وباراك.

إعلان

وترى غولان أن انعدام الفارق بين المرشحين يجب أن يزيل الغشاوة عن أعين أولئك الذين يدعون اليسار في إسرائيل. وتساءلت "هل ينوي شارون الاستثمار في المستوطنات؟"، وأجابت بأن شارون ليس في حاجة لإدخال أية تغييرات على الموازنة الخاصة بهذا البند لأن باراك نفسه استثمر في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية أكثر مما استثمره رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.

وتخلص غولان إلى القول إن رجال شارون ليسوا بحاجة إلى إعادة ترتيب جدول أولويات الحكومة الجديدة في مجال الاستيطان لأن باراك لم يبادر إلى إعادة العجلة إلى الوراء للسير على خطى معلمه رئيس الوزراء الأسبق إسحق رابين بل واصل العمل وفق خطط نتنياهو.

المصدر : الجزيرة

إعلان