الخرطوم تعتقل خليفة وتنقل الترابي لجهة غير معلومة
اعتقلت السلطات الأمنية في السودان نائب زعيم حزب المؤتمر الوطني الشعبي محمد الأمين خليفة، وفي هذه الأثناء قالت مصادر سودانية للجزيرة إن أجهزة الأمن قامت بنقل الدكتور حسن الترابي من سجن كوبر إلى جهة غير معلومة.
فقد ذكر مصدر في قيادة حزب المؤتمر الشعبي لمراسل الجزيرة في الخرطوم أن طائرة مروحية نقلت الترابي من سجن كوبر إلى جهة غير معلومة، وأن السلطات الأمنية تواصل عمليات بحثها عن قياديي المؤتمر الشعبي الذين لم يتم اعتقالهم حتى الآن.
وكان الدكتور حسن الترابي الحليف السابق لحكومة الرئيس البشير قد اعتقل أمس على خلفية توقيع حزبه لمذكرة تفاهم مع الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي يتزعمه العقيد جون قرنق، رأت الحكومة أنها تستهدف وحدة البلاد واستقرارها الأمني، كما تهدف إلى إسقاط الحكومة بالوسائل العسكرية.
ومحمد الأمين خليفة هو واحد من أعضاء مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني في السودان، وكان من المقربين للرئيس البشير، وتولى رئاسة اللجنة السياسية لمجلس قيادة الثورة التي تبنت مؤتمر الحوار الوطني الذي أقر النظام الفدرالي كنظام للحكم في السودان.
كما شغل محمد الأمين خليفة منصب رئيس المجلس الوطني الانتقالي (البرلمان السوداني قبل إجراء الانتخابات العامة). وكان آخر منصب شغله قبل أن يتقدم باستقالته وينضم لحزب الترابي هو وزير رئاسة مجلس الوزراء.
من جهة أخرى شكل الرئيس السوداني عمر البشير في وقت متأخر من ليل الخميس حكومة جديدة ضمت 31 وزيرا معظمهم من حزب المؤتمر الوطني الحاكم. وأفادت مصادر سودانية أن تشكيل الحكومة تأخر بسبب محاولات الحزب الحاكم إقناع حزب الأمة بالمشاركة، بيد أن الأخير تمسك بشروط سابقة يعتبرها الحزب الحاكم تعجيزية.
وضمت الحكومة السودانية الجديدة 16 وزيرا من الوزراء الخمسة والعشرين القدامى، وثلاثة من أعضاء مجلس قيادة الثورة الذي تشكل عقب الاستيلاء على السلطة في انقلاب يونيو/حزيران 1989. ودخل إلى التشكيلة الجديدة وزيران من حزبين مواليين للحكومة.
واحتفظ ثمانية وزراء بمناصبهم في حقائب الدفاع، والخارجية، والعدل، والطاقة والتعدين، والري والموارد المائية، والإعلام والثقافة، والقوى العاملة، والنقل. وأصبح الوزير السابق لشؤون الرئاسة عبد الرحيم حسين وزيرا للداخلية.
وعاد إلى المالية الاقتصادي عبد الرحيم حمدي الذي سبق له أن تولى الحقيبة، حيث كان من أبرز مهندسي سياسة الخصخصة في السودان أوائل التسعينات.
وضمت الوزارة الجديدة ست شخصيات من جنوب السودان في حقائب القوى العاملة، والنقل، والثروة الحيوانية، والطيران، والتربية، وشؤون مجلس الوزراء.
وتولى الدكتور عصام أحمد البشير -من جماعة (الإخوان المسلمون) المتحالفة مع المؤتمر الوطني الحاكم- حقيبة الشؤون الدينية والأوقاف، كما تولى الدكتور أحمد بلال من الحزب الاتحادي الديمقراطي جناح الشريف الهندي الموالي للحكومة حقيبة الصحة.
وقال الدكتور بلال بعد إعلان التشكيل الوزاري في تصريحات للجزيرة إن الاشتراك في الحكومة في هذا الوقت بالذات يأتي كخطوة أساسية في مرحلة التطور السياسي والإصلاح الدستوري والقانوني والتشريعي والاقتصادي في البلاد، وتهيئة لاستكمال التبادل السلمي في السلطة وتحقيق الوفاق والسلام الاجتماعي.
ردود أفعال متباينة
في غضون ذلك استمرت ردود الأفعال على اعتقال زعيم حزب المؤتمر الوطني الشعبي الدكتور حسن الترابي و30 من مسؤولي حزبه. فقد انتقدت شخصيات سياسية سودانية بارزة اتفاق الترابي- قرنق، وقال النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه إن مذكرة التفاهم تدعم المتمردين وهي خارجة عن إطار الشرعية.
واعتبر زعيم حزب الأمة رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي الاتفاق مكايدة سياسية، وأما السياسي البارز في حزبه مبارك الفاضل فقد أوضح أن قرنق أراد عبر اتفاقه مع الترابي الإفادة من التناقضات القائمة بين الترابي والحكومة.
وأفادت أنباء صحفية أن كبار الضباط في الجيش السوداني وصفوا الاتفاق بأنه تمرد على الحكومة. واعتبر زعيم تيار (الإخوان المسلمون) في السودان صادق عبد الله عبد الماجد أن اعتقال الترابي هو أقل ما يستحقه.
وكان الرئيس البشير قد انتقد الاتفاق مؤكدا أن حكومته لن تتساهل إزاء أي تصرفات مماثلة، وقال في تصريحات تلفزيونية إن الاتفاق يمثل انتهاكا للقانون، وإن السلطات اتخذت التدابير اللازمة تجاه حزب المؤتمر الشعبي.
أما الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير الإعلام السوداني غازي صلاح الدين فقد وصف في اتصال هاتفي مع قناة الجزيرة الاتفاق بأنه "اتفاق بين انتهازيين لا مبادئ لهم". وأضاف أن "كل واحد منهم يستغل الآخر، ولا أحد منهم يؤمن بالآخر".
قرنق: ملتزمون بالوحدة
وفي السياق نفسه أكد زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق في تصريح للجزيرة الخميس أن مذكرة التفاهم التي وقعتها حركته مع المؤتمر الوطني الشعبي تأتي ضمن "إجراء حوار مفتوح بين التيار الإسلامي الذي يمثله الترابي والبشير وتيار السودان الجديد الذي نمثله". واعتبر أن الخلاف بين الترابي والبشير هو خلاف سياسي ضمن التيار الإسلامي الواحد.
وأوضح قرنق الذي يقود حربا في جنوب السودان منذ 18 عاما أن الحوار مع جماعة الترابي إنما يهدف للوصول إلى حل سياسي شامل يجمع الشعب السوداني.
وأضاف "نحن ملتزمون بوحدة بلادنا، وهذه الوحدة يجب أن تكون على أسس جديدة تشمل أطراف الشعب السوداني كافة بغض النظر عن دينهم ومناطقهم أو أجندتهم السياسية".
وأعرب قرنق عن استعداده للقاء الرئيس السوداني الفريق عمر البشير، وقال نحن ملتزمون بحوار مفتوح مع النظام الحاكم ونقوم بذلك عبر مبادرة الإيغاد والمبادرة المصرية الليبية ومبادرة أسمرا".