صدام يجتمع مع مساعديه وواشنطن تحتفظ بحق الرد
اجتمع الرئيس العراقي صدام حسين للمرة الثانية في أقل من أسبوع مع اثنين من كبار مساعديه لبحث تحسين الدفاعات الجوية العراقية، في الوقت الذي حذرت فيه الولايات المتحدة من أنها تحتفظ لنفسها بحق ضرب الدفاعات الجوية العراقية مجددا بعد تعرض طائرات أميركية كانت تحلق فوق منطقة الحظر الجوي جنوب العراق لنيران عراقية.
وقالت وكالة الأنباء العراقية إن صدام حسين اجتمع مع مدير هيئة التصنيع العسكري عبد التواب ملا حويث وقائد الدفاع الجوي الفريق شاهين ياسين محمد بعد خمسة أيام من الغارات الأميركية البريطانية على أهداف قرب بغداد. وكان صدام اجتمع الأحد مع المسؤولين العسكريين وبحث معهما سبل تطوير الدفاعات الجوية بعد الغارات الأخيرة.
وقالت وزارة الدفاع الأميركية إن العراق استأنف إطلاق النار على الطائرات الغربية في منطقة حظر الطيران في جنوبه رغم الغارات التي شنتها الطائرات الأميركية والبريطانية ضد دفاعاته الجوية مؤخرا. وأوضحت أنها تحتفظ لنفسها بحق الرد على النيران العراقية.
وقال المتحدث باسم الوزارة الأميرال البحري كريغ كيغلي "إذا شعرنا في المستقبل أن لدينا معلومات تتيح لنا تحديد أهداف تلحق الضرر بقدرتهم (المضادة للطائرات) فإننا نحتفظ لأنفسنا بحق مهاجمة هذه الأهداف". وأوضح أن الجيش الأميركي لم يرد حتى الآن على إطلاق صواريخ أرض-جو وقذائف مضادة للطائرات.
وقد أعلن العراق في وقت سابق من مساء الثلاثاء إطلاق صواريخ على طائرات أميركية وبريطانية كانت تحلق جنوب البلاد وأرغمتها على الفرار إلى الأجواء السعودية والكويتية.
وتدور يوميا تقريبا مواجهات بين العراق والمقاتلات الأميركية والبريطانية التي تحلق فوق منطقتي الحظر الجوي اللتين فرضتهما واشنطن ولندن بعد حرب الخليج سنة 1991 شمال وجنوب العراق. ولا تعترف بغداد بهاتين المنطقتين اللتين لم يصدر بشأنهما أي قرار دولي.
البنتاغون يتهم الصين
وجاءت تصريحات البنتاغون بعد وقت قصير من تصريح مسؤول دفاعي أميركي بأن غارات الجمعة تمت في هذا التاريخ من أجل تفادي إصابة عمال صينيين يساعدون في تركيب كيبلات من الألياف البصرية تحت الأرض، بهدف تحسين الدفاعات الجوية العراقية.
وقال البنتاغون إن الضربات الجوية التي وافق عليها الرئيس جورج بوش قصد منها خفض قدرات أنظمة الدفاع الجوي في العراق التي طورت حديثا للتصدي للطائرات الأميركية والبريطانية التي تقوم بأعمالها الدورية في مناطق حظر الطيران في الجنوب.
وقال مسؤولون في الأمم المتحدة إنهم لا يعلمون إن كانت الصين تساعد العراق في بناء نظام متكامل من أجهزة الرادار والصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات، إلا أنه من غير الممكن أن تكون الصين قد حصلت على موافقة لتنفيذ خطوة من هذا القبيل.
عنان يخرج عن صمته
من جانبه خرج الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان عن صمته وقال إنه لم يبلغ سلفا بالعملية الجوية على العراق، وأن الخارجية الأميركية أبلغته بعد القصف الجوي وقالت له إن الهجمات ليست تصعيدا وليست اختلافا نوعيا في أنشطتها في العراق.
وقال عنان إن العراق أكد له حضوره المحادثات مع المنظمة الدولية التي من المقرر أن تجرى الأسبوع القادم بخصوص العقوبات، رغم الهجوم الأميركي البريطاني على مشارف بغداد.
وتابع "من الواضح أن توقيت القصف غير مناسب بالنسبة للمحادثات التي سأجريها يوم 26، لكن العراقيين أكدوا أنهم قادمون".
وقال مندوب تونس ورئيس مجلس الأمن حاليا سعيد بن مصطفى إن المجلس ناقش في جلسة مغلقة رسالة وزير الخارجية العراقي محمد سعيد الصحاف التي يطالب فيها بإدانة الهجمات الجوية، لكنه لم يتخذ أي إجراء.
ولا يتوقع الدبلوماسيون أن يسفر الاجتماع الذي سيعقد بشأن العقوبات عن شيء يذكر، ما لم تجر الولايات المتحدة أو بغداد تغييرا في سياستها. إلا أنه في الأسابيع الأخيرة قال دبلوماسيون في الأمم المتحدة إن العراق الذي يكسب تأييدا في العالم العربي وخارجه ربما لا يحتاج إلى تقديم أي شيء جديد، ويمكنه أن ينتظر ليرى إن كان أي طرف آخر سيفعل ذلك.
العقوبات الذكية
في غضون ذلك اعتبر وزير الخارجية الأميركي كولن باول أن استراتيجية احتواء العراق خلال العقد الماضي كانت ناجحة, وطالب باستمرارها "طالما لم يحترم الرئيس العراقي الاتفاقيات". وأكد أن بغداد لن توقف محاولاتها لتطوير أسلحة الدمار الشامل.
وقال باول أثناء مؤتمر صحفي في واشنطن إلى جانب وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر "لكن علينا إيجاد الوسائل الكفيلة بتطبيق هذه السياسة من دون الإساءة إلى الشعب العراقي". وأشار إلى أن وزارة الخارجية الأميركية "تدرس مع البنتاغون والوكالات الأخرى المعنية كل الخيارات المتوفرة, وسنعلن قراراتنا في الوقت المناسب".
وأعربت مصادر في لندن عن اعتقادها بأن دعوة وزير الخارجية الأميركي كولن باول لتنشيط العقوبات تتماشى مع التحول نحو "العقوبات الذكية". وقال وزير الخارجية البريطاني روبن كوك إن الولايات المتحدة وبريطانيا تعتزمان جعل العقوبات المفروضة على النظام العراقي "أكثر فعالية".
هذا ومن المقرر أن يجري رئيس الوزراء البريطاني توني بلير والرئيس الأميركي جورج بوش مراجعة شاملة بشأن سبل زيادة فعالية العقوبات المفروضة على العراق خلال محادثات يعقدانها الجمعة المقبل في كامب ديفد.
وتصر واشنطن ولندن على إبقاء العقوبات المفروضة على العراق منذ نحو عشر سنوات، لكنهما تفكران حاليا في إعادة النظر في سياستها تجاه بغداد، على أن تنصب العقوبات على برنامج التسلح العراقي وعلى الجوانب المالية وعلى حرية التنقل لكبار المسؤولين العراقيين.
ويقول مراقبون إن ثمة إقرارا ضمنيا بأن العراق أخذ يكسب الحرب الإعلامية مع الولايات المتحدة وبريطانيا.
وكانت الغارة الجوية التي شاركت فيها ثماني طائرات بريطانية وست عشرة طائرة أميركية على الدفاعات الجوية العراقية، قد صعدت الاحتجاجات في الدول العربية ولاقت تحفظات من بعض الحكومات الغربية أيضا.
واشتد الانقسام بين أعضاء حلف شمال الأطلسي حول القصف الأميركي البريطاني، مع تنديد فرنسا بالغارات وامتناع ألمانيا عن تأييدها علنا.
ولقيت الهجمات الأميركية والبريطانية تنديدا حادا من جانب الجامعة العربية بمن فيها مصر وسوريا والسعودية، كما لاقت انتقادا من روسيا والصين العضوين الدائمين في مجلس الأمن.
وشجبت سوريا والسعودية الغارات الجوية على العراق، وجاء في بيان مشترك في ختام اللجنة المشتركة للبلدين في دمشق "إن الجانبين أكدا مشاعر الشجب والقلق للتصعيد الأخير الذي استهدف جنوب بغداد".