عرب الداخل بين رغبة الانتقام من باراك والخوف من شارون

بقلم: إلياس زنانيري
الرغبة في الانتقام من رئيس الوزراء المستقيل إيهود باراك هي التي تدفع الشارع العربي في إسرائيل إلى اتخاذ موقفه الحالي من الانتخابات. فالعرب في إسرائيل أصيبوا منذ بداية حكم باراك بخيبة أمل كبرى جراء إهماله لهم، وعدم تعامله معهم كشريك أساسي في ائتلافه رغم تصويت أكثر من تسعين في المائة من العرب لباراك في الانتخابات السابقة.
وجاءت انتفاضة الأقصى لتشعل برميل البارود وتنسف كل جسر أقامه حزب العمل مع المواطنين العرب خاصة بعد لجوء الشرطة الإسرائيلية إلى أساليب دموية وقاتلة لتفريق مظاهرات التضامن التي نظمها المواطنون العرب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي فسقط منهم ثلاثة عشر شهيدا في أقل من أسبوع.
والتخوف اليوم هو من تجدد جولة المواجهات بين العرب والشرطة الإسرائيلية صبيحة يوم الانتخابات بالتحديد وفي هذا الصدد ادعت الشرطة الإسرائيلية أنها حصلت على معلومات تفيد أن المعارضين العرب سيحاولون بالقوة منع كل من أراد التصويت من الدخول إلى صالات الاقتراع وأنها لذلك ستعمل كل ما في وسعها "لضمان سير العملية الانتخابية كما يجب". بيد أن الشرطة ذاتها مازالت مترددة في الأسلوب أو الوسيلة التي يجب اتباعها من أجل تنفيذ هذه المهمة خاصة وأن أي احتكاك قادم مع المواطنين العرب سيزيد من حدة الاحتقان في العلاقات بين الطرفين وقد ينفجر إلى أبعاد مأساوية تماما كما حصل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. لذلك فقد لجأت الشرطة إلى الاتصال بشخصيات بارزة بين المواطنين العرب تطلب منهم العمل على تهدئة الأوضاع وتفادي إثارة المزيد من المواجهات. وحسب الناطق بلسان شرطة المنطقة الشمالية فإن الوضع بالغ الحساسية خاصة في المدن التي سقط فيها الشهداء، وهي الناصرة وعرابة وسخنين وأم الفحم.
وتقول الشرطة إنها تتوقع أن يحاول أهالي الشهداء منع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم بأي وسيلة. إلا إن قيادات بارزة في مختلف الأحزاب العربية التي نادت بالمقاطعة قالت وبكل وضوح إنها لن تحاول منع عملية التصويت بالقوة ولكنها في الوقت ذاته ستواصل حث المواطنين على المقاطعة.
الخوف من شارون
لوحظ في بعض شوارع المدن والقرى العربية انتشار ملصقات تذكر المواطنين العرب في إسرائيل بماضي مرشح اليمين أرييل شارون وتقتبس من تصريحات كان قد أدلى بها قبل نحو عشر سنوات، وهدد فيها عرب الداخل بمصير مشابه لمصير آبائهم عام 1948.
وقد تكون هذه الملصقات وضعت ليلا ودون تطوع من ناشطي حزب العمل العرب ولكنها في المحصلة النهائية لا بد أن تساعد إلى حد ما في التأثير على موقف عرب الداخل وإقناعهم بالتصويت لصالح رئيس الوزراء إيهود باراك.
ولكن في غالبية المدن والقرى العربية اختفت مظاهر الدعاية الانتخابية من الشوارع ولم يتمكن مؤيدو باراك من العثور على متطوعين لخدمة الحملة الانتخابية واضطروا لاستئجار أشخاص لتوزيع البيانات على المواطنين وللإعداد لنقل أصحاب حق الاقتراع من بين العرب إلى صناديق التصويت صباح الثلاثاء.
وحسب بعض التقديرات الإسرائيلية فإن تغيرا ما قد حدث في الصف العربي في إسرائيل وأن عدد الذين غيروا رأيهم وقرروا المشاركة الفعلية في العملية الانتخابية بدل التصويت بورقة بيضاء أو التغيب عن صالات الاقتراع قد ازداد في الآونة الأخيرة.
ويعزو المراقبون هذا التغيير الحاصل في موقف عرب الداخل ليس إلى نجاح معين للدعاية الانتخابية لحزب العمل بقدر ما هو نتيجة طبيعية للتخوفات التي أصابت الكثيرين من مغبة تشكيل حكومة صقور يمينية برئاسة شارون يشارك فيها أمثال رحبعام زئيفي (غاندي) صاحب نظرية تهجير الفلسطينيين (الترانسفير) وأفيغدور ليبرمان صاحب التهديد الأرعن بقصف أسوان وطهران.
غازي سمارة من الطيرة في المثلث قال في تصريح لصحيفة هاآرتس إنه من مؤيدي باراك حتى العظم وإن كل أسرته عملت لصالح حزب العمل طيلة العقود الثلاثة الماضية حتى أن والده قبل ثلاثين عاما باع البقرة الوحيدة لديه وترك أبناءه بدون حليب حتى يشتري أصواتا لحزب العمل في الانتخابات. ولكنه يوم الثلاثاء سيصوت بورقة بيضاء ويفسر موقفه كالتالي "لقد قلب حزب العمل ظهر المجن للعرب في إسرائيل وتنكر لكل وعوده وعلينا أن نلقن الحزب درسا قاسيا لمرة واحدة وللأبد حتى لا يعتقد بعد الآن أن بإمكانه وضع العرب في جيبه".
وحسب بعض التقديرات غير الرسمية فإن ما يقارب الخمسين بالمائة من العرب قد يشاركون في الانتخابات بأصوات حقيقية وليس بورقة بيضاء ولن يكون ذلك حبا بباراك وإنما لدرء الخطر القادم مع شارون الملقب بالبلدوزر أو الجرافة.
كما أن هناك من بين العرب من يرى أن المطلوب معاقبة شارون وليس باراك على اعتبار أن شارون هو الذي قام بالزيارة المشؤومة للمسجد الأقصى المبارك وهو الذي أشعل فتيل المواجهة الحالية بين الفلسطينيين وإسرائيل وهو الذي لم يقم بمثل هذه الزيارة حتى في الفترات التي خدم فيها وزيرا للدفاع في حكومة مناحيم بيغن ثم وزيرا في وزارات الليكود المتعاقبة، إلى أن وصل إلى موقعه الحالي زعيما للمعارضة اليمينية وهو الذي لم يكن ليقوم بتلك الزيارة المشؤومة لو لم يشعر أن حلا سياسيا بدا في الأفق بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل، فلجأ إلى صاعق التفجير فانفجرت العبوة الناسفة وطارت معها فرص التسوية السياسية إلى أمد غير معروف.
اتفاق بين الإسلاميين واليساريين
لكن كل التكهنات قد تذهب أدراج الرياح أمام وقائع أقوى، إذ يتفق اليساريون والإسلاميون من بين عرب الداخل على مقاطعة الانتخابات، أو على الأقل على التصويت بورقة بيضاء وذلك أساسا بسبب الإحباط الذي أصيبوا به من باراك ومن حكومته، ليس فقط بسبب الأحداث الدموية التي عصفت بالداخل في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي والتي سقط فيها 13 شهيدا عربيا بل أيضا بسبب الأسلوب الذي تعاملت به حكومة باراك مع عرب الداخل، واعتبرتهم أتباعا لها من باب تحصيل الحاصل ولم تهتم في رعاية أمورهم بالشكل الذي وعد به رموزها قبل الانتخابات الأخيرة.
وقد يكون حجم الامتعاض والسخط على باراك بحجم التأييد الجارف الذي حصل عليه في الوسط العربي في انتخابات 1999، حتى أنه في أحد لقاءاته الصحفية مع التلفزة الإسرائيلية تباهى باراك أنه في إحدى جلساته مع الرئيس المصري حسني مبارك قال له إنه "أي باراك" حصل على تأييد بين عرب الداخل بنسبة تفوق النسبة التي حصل عليها الرئيس المصري في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مصر!
ولكن هذه الطفرة في التباهي بالمحبة العربية لباراك لن تخدم رئيس الوزراء وخاصة بعد أن أعاد التأكيد مجددا صباح اليوم الجمعة في تصريحات أدلى بها لصحيفة كل العرب الصادرة في الناصرة، أنه لن يعتذر عن مقتل المواطنين العرب الثلاثة عشر برصاص الشرطة الإسرائيلية إبان انتفاضة الأقصى في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. كما تفادى باراك تقديم أي وعود بتعيين وزير عربي في حكومته القادمة إذا ما فاز في الانتخابات.
إلى ذلك كله فقد تبخر بصورة شبه نهائية ذاك الحافز الآخر الذي كان يمكن أن يرسل بأصحاب حق الاقتراع العرب أفواجا إلى صالات التصويت، وهو مفاوضات السلام على المسار الفلسطيني إذ أعلن باراك أنه لن يلتقي بالرئيس عرفات قبل الانتخابات وطلب من مستشاريه الطلب من أمين عام الأمم المتحدة وحكومة السويد بوقف كل اتصال مع السلطة الوطنية الفلسطينية، يهدف إلى الإعداد لهذه القمة التي كان باراك حتى مساء الأربعاء شديد الحرص على عقدها قبل الانتخابات، فأوفد وزير السياحة في حكومته أمنون شاحاك في زيارة سرية إلى غزة التقى فيها الرئيس عرفات وبحث معه تفاصيل اللقاء الذي كان مقررا عقده يوم الأحد في شرم الشيخ بمشاركة الرئيس المصري حسني مبارك.
باراك .. يستنجد بزوجته وبيريز
غير أن من الصعب الجزم في هذه اللحظة بسقوط باراك النهائي سيما وأن الاتصالات جارية على قدم وساق بين ممثليه وبين شخصيات عربية بارزة في الداخل بهدف إحداث التغيير المطلوب كما أن حزب العمل الذي أدرك أن باراك شخصيا بات غير مرغوب فيه في الوسط العربي يعتقد أن مقربين آخرين من باراك يملكون من السحر ما يكفي لتغيير الموقف العربي، وبالذات زوجته نافا باراك التي عقدت لقاء وصف بالدافئ مع ما يقارب الخمسمائة سيدة عربية من الداخل في شفا عمرو وتحدثت إليهن بالعربية التي تتقنها -كما هو زوجها- وطالبتهن بالعمل على إقناع أزواجهن بالتصويت لصالح باراك ليس حبا به بقدر ما هو تلبية لاحتياجات الوسط العربي في إسرائيل ومقتضيات التسوية السلمية مع الفلسطينيين.
وجاء ظهور نافا باراك مع النساء العربيات بعد قرار طاقم الخبراء والمستشارين في حزب العمل بتوظيف الإعجاب الذي تحظى به لدى أوساط عديدة في إسرائيل، من بينها العرب والمهاجرون الروس من الاتحاد السوفيتي سابقا، كي تحقق ما فشل زوجها في تحقيقه.
وبالفعل فقد علقت بعض النسوة العربيات اللواتي حضرن اللقاء بأن أقوال نافا باراك أقنعتهن بأن زوجها صادق في توجهاته السلمية وأنه بالفعل يأسف لسقوط الثلاثة عشر شهيدا من بين عرب الداخل، ولذلك فإنهن قررن إعطاء باراك فرصة أخرى هذه المرة وعدم معاقبته لأنه كما يبدو -حسب رأيهن- قد فعل ما بوسعه لتحقيق اتفاق مع السلطة الوطنية الفلسطينية، ولكنه فشل بسبب مناوراته المتعددة على المستوى الداخلي والتي أضرت بحلفائه الاستراتيجيين من أمثال حزب ميرتس اليساري من أجل زرقة عيون حزب شاس الديني.
أما بيريز الذي حضر اللقاء بين نافا باراك والنساء العربيات فقد اكتفى بالقول إن اليهود في إسرائيل باتوا على قناعة اليوم بضرورة وجود وزير عربي في أي حكومة قادمة مع أنه -أي بيريز نفسه- كان رئيسا للوزراء ولم يعمل في هذا الاتجاه، وذهبت وعوده لعرب الداخل بخصوص الحقيبة الوزارية تماما كما ذهبت مواعيد عرقوب!