محاكمة لوكربي.. الأسئلة أكثر من الأجوبة

بقلم: أحمد كامل
من النادر أن تحمل وجوه بشرية الأسئلة الكثيفة والمتداخلة التي حملتها وجوه الحاضرين في قاعة المحكمة الأسكتلندية في زستي الهولندية، وهي تنتظر الحكم في قضية لوكربي.
وسواء كان الحاضرون رجال قانون أم صحافيين أم أسر ضحايا أم متهمين أم دبلوماسيين أم متفرجين فضوليين، فقد كانوا جميعاً يأملون في جواب شافٍ لكل أسئلتهم بمجرد النطق بالحكم، لكن.. لا شك أنهم جميعاً أصيبوا بخيبة أمل كبيرة. فالأسئلة التي طرحت طوال 12 عاماً من الجدل السياسي والقانوني لاتزال ذاتها تقريباً مُشْرعة وتنتظر الإجابة التي لم يحملها الحكم.
أول الأسئلة وأحدثها هو لماذا سحب الادعاء تهمتي التآمر على القتل وخرق قانون حماية الطيران المدني؟ وهو ما سمح بتسريع إجراءات المحاكمة وصدور الحكم بأسرع مما كان متوقعاً، وأوصد الباب أمام احتمالات مساءلة أو إثارة الشبهات حول دور مسؤولين ليبيين كبار في القضية الأشهر في القرن العشرين.
لا أحد -حتى من كبار الحقوقيين المحترفين- وجد جواباً لهذا السؤال عن هذه الهدية التي قدمها الادعاء للدفاع، والتي رد عليها الأخير بأحسن منها حين تنازل عن طلب شهود إضافيين واكتفى بثلاثة منهم فقط. أليس غريباً أن يتبادل الخصوم الهدايا في دعوى جنائية خطيرة؟
أقدم الأسئلة التي لم تجد جواباً بعد 12 عاماً من التحقيق والتحليل هو: من كان وراء تفجير الطائرة.. دولة أم دول؟ منظمة أم منظمات أم خليط من كل ذلك؟ ولماذا قام بالتفجير؟ وهل قام به أصالة عن نفسه أم نيابة عن آخرين؟
تساؤل آخر يفرض نفسه مع تجدد الحديث عن تورط منظمات فلسطينية أقل من متوسطة الحجم في الحادث.. هل يمكن لمنظمة أن تدبر وتنفذ عملية كبيرة معقدة بهذا الحجم؟ ثم من كان المستهدف؟ من كان على متن الطائرة وكيف وصل عملاء الـCIA والـ FBI بسرعة مدهشة إلى مكان الحادث؟ ولماذا غيروا في الحطام ودمروا؟
سؤال آخر لابد أنه ألح على أذهان القضاة طويلاً.. هل الوثيقة الموجودة في سوريا حسب زعم الدفاع حقيقية أم خيال؟ وهل هي حاسمة فعلاً أم أن محامي الدفاع يريدون بها تشكيك المحكمة فقط؟ هل هي دليل على تورط آخرين وبراءة ليبيا أم دليل على تورط آخرين مع ليبيا؟ وهل يمكن للآخرين أن يقدموها هدية ومساعدة لليبيا إن كانت لا تؤذيهم؟
أما المراقب فلا شك أنه دهش مراراً من مواقف الحكومة الليبية كيف تسلم رعاياها بعد حكم محكمة العدل الدولية الذي أكد أنها غير ملزمة بذلك.. هل وقعت ليبيا في فخ محكم نصب لها لتسليم مواطنيها؟ وما الضمانات السرية إن وجدت؟ وما ضمان احترام تلك الضمانات؟
ومما يثير الشكوك الكبيرة أن المحكمة حكمت بإدانة عبد الباسط المقرحي وأشارت في حكمها إلى ضعف في أدلتها هي، فهل تفتح بذلك الباب أمام حكم استئنافي معاكس لحكمها؟ كيف يبرّأ فحيمة وهو شريك المقرحي الذي قال عنه الادعاء إنه ما كان له أن ينفذ الجريمة لولا مساعدته الحاسمة؟
لماذا أشار الحكم إلى صلة المقرحي بالمخابرات الليبية؟ وما الذي يضمن عدم ملاحقة مسؤولين ليبيين؟ أليس من الممكن أن يتحول حكم المحكمة إلى سيف مسلط على رقبة الحكم في ليبيا ويجبر طرابلس على الحد من نزوعها الدائم لتحدي وكسر المألوف والمتوافق عليه دولياً؟ ما الضمان في عدم فتح الملف ثانية ضد جهات أخرى فلسطينية أو سورية أو إيرانية بحسب الحاجة؟
أخيراً يظل أكثر الأسئلة مرارة ويوجهه دون شك الشعب الليبي: من يدفع ثمن خطأ باهظ التكاليف حَمَّل الليبيين حصارَ عشر سنوات عجاف ومقابل أي شيء؟
لقد بدأت قضية لوكربي لغزاً سياسياً وقانونياً واستمرت كذلك، وها هي تنتهي –إن انتهت حقاً– لغزاً محيراً في مصاف الأحاجي التاريخية.
الواضح أن هذه القضية مازالت حبلى بالمفاجآت، ومازالت خفاياها قادرة على تهديد كل محاولة لإغلاق ملف القضية وإعادة جميع الأطراف إلى نقطة الانطلاق في أي لحظة.