جدل عالمي متصاعد حول أسلحة اليورانيوم المستنفد

بدأ خبراء من منظمة الصحة العالمية في فحص تأثير غبار اليورانيوم المستنفد في إقليم كوسوفو على الصحة العامة، وسط تصاعد الجدل بشأن علاقة قنابل اليورانيوم المستنفد بوفاة جنود أوروبيين خدموا في البلقان، وظهور أعراض مابات يسمى بمتلازمة البلقان على عدد آخر من زملائهم.
ويأتي تدخل خبراء الطب في منظمة الصحة العالمية عقب إعلان الأمم المتحدة أن بعثة تابعة لها عثرت على حطام قنابل تحتوي علامات لليورانيوم المستنفد في ثمانية مواقع في كوسوفو من أصل أحد عشر موقعا زارتها البعثة في مناطق تعرضت لقصف حلف شمال الأطلسي.
وكانت قوات حلف الأطلسي حددت 112 موقعا قصفتها بقنابل اليورانيوم المستنفد عام 1999 أثناء حملة حلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لإخراج القوات اليوغسلافية من إقليم كوسوفو.
اليورانيوم يعرقل نزع الألغام
من جانب آخر حذرت بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو من مخاطر محاولات نزع الألغام أو تفجيرها. وقال المسؤول عن البعثة بيكا هافيستو "إذا قمتم بتفجير ألغام في قطاعات يوجد فيها بقايا ذخائر تحتوي على اليورانيوم المستنفد فمن المحتمل أن تنفجر هذه الذخائر وتستنشقوا غبارها".
ولم يستبعد رئيس البعثة احتمال أن تكون صحة بعض الأشخاص قد تأثرت بشكل خطير من هذه الذخائر. وأعرب المبعوث الدولي عن دهشته لوجود بقايا قنابل من اليورانيوم المستنفد قرب بعض القرى, حيث يمكن للأطفال أن يلعبوا بها دون تقدير لمخاطرها، وأشار إلى أن البعض يجمعون هذه البقايا تذكارات من الحرب، ويحتفظون بها في منازلهم، مما يعرضهم للإشعاعات".
وكان برنامج الأمم المتحدة للبيئة أعلن في بيان صدر في جنيف أن البرنامج المكلف بالتحقق من وجود إشعاعات ناجمة عن استخدام حلف شمال الأطلسي قذائف مزودة باليورانيوم المستنفد في كوسوفو سيقدم تقريره في مارس/آذار المقبل.
وقال البيان إن العينات التي أخذها فريق من 15 باحثا يجري تحليلها حاليا في خمسة مختبرات أوروبية في النمسا وبريطانيا وإيطاليا والسويد وسويسرا على أن يجري البرنامج في الربيع القادم تحقيقا مماثلا في يوغسلافيا السابقة التي تعرضت أيضا لقصف بأسلحة مزودة باليورانيوم المستنفد.
تزايد الضغوط على بريطانيا
وفي الوقت الذي ساندت فيه غالبية الحكومات الأوروبية الدعوات المطالبة بإجراء تحقيق حول أسباب الأعراض الغامضة التي ظهرت على أعداد من جنودها والمشابهة لأعراض سرطان الدم، فإن بريطانيا كانت الدولة الأوروبية الوحيدة التي دعمت موقف وزارة الدفاع الأميركية في نفي وجود أي علاقة بين تلك الأعراض وقنابل اليورانيوم المستنفد.
ونتيجة لهذ الموقف تزايدت الضغوط الشعبية والدولية على الحكومة البريطانية للموافقة على إجراء تحاليل لجنودها الذين خدموا في حرب البلقان، بعد أن اعترفت وزارة الدفاع البريطانية بعلمها باستخدام قوات حلف الناتو أسلحة مصنوعة من اليورانيوم المستنفد، لكن الوزارة مازالت تصر على أن مخاطر المرض على جنودها قليلة.
وقال متحدث باسم وزارة الدفاع البريطانية إن وزير الدولة لشؤون الدفاع جون سبيلر أخبر مجلس العموم في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أن الوزارة كانت تعرف منذ حرب الخليج عام 1991 أن الغبار المنبعث من الأسلحة التي يدخل اليورانيوم المستنفد في مكوناتها يشكل خطرا محدودا على الصحة. وأضاف أن الوزارة اعترفت بأنها لم تكشف لوحداتها العسكرية عن مخاطر اليورانيوم المستنفد، وتابع قائلا إن الوزارة لم تبلغ حتى الآن بوجود حالات إصابة بين الجنود الذين خدموا في كوسوفو.
على الصعيد ذاته تعرض حلف شمال الأطلسي لضغط متزايد من عدة حكومات أوروبية بشأن احتجاجات على استعمال قنابل اليورانيوم واحتمال تأثر صحة الجنود بذلك. وحذر تقرير للأمم المتحدة صدر في مايو/أيار من أن معظم المياه في كوسوفو قد تكون ملوثة لدرجة تجعلها غير صالحة للشرب، وأشار التقرير إلى أن تطهير الإقليم من آثار اليورانيوم المستنفد ربما يكلف مليارات الدولارات.
ويستخدم اليورانيوم المستنفد بإضافته إلى رؤوس الصواريخ والقذائف والطلقات لزيادة قدرتها على اختراق الأجسام المدرعة، ويقول الخبراء إن تلك المقذوفات تتحول إلى مسحوق عند اصطدامها بالهدف لتتحول إلى غبار مشع سام. وأطلقت مقاتلات أميركية حوالي 31 ألف قذيفة استخدم فيها يورانيوم مستنفد على أهداف صربية أثناء حملة الناتو على مواقع للجيش اليوغسلافي في كوسوفو عام 1999. كما ألقيت نحو عشرة آلاف قذيفة مشابهة على البوسنة المجاورة عامي 1994 و1995.
وكانت وزارة الدفاع الإيطالية أعلنت مساء أمس أن اللجنة الطبية الخاصة المكلفة بالتحقيق في "أعراض البلقان" تنظر في "18 حالة مشتبها بها" بعد أن ارتفعت حالات الوفاة إلى ثمان حالات في إيطاليا وحدها.
وتظاهر أكثر من خمسمائة يوناني أمام السفارة الأميركية في أثينا للمطالبة بعودة القوات اليونانية المشاركة في قوات حفظ السلام الدولية في البوسنة وكوسوفو. وتعتزم وزارة الدفاع اليونانية إجراء فحوص على حوالي أربعة آلاف من الجنود الحاليين والقدامى العاملين الذين شاركوا في قوات حفظ السلام الدولية.
وكانت أعراض مماثلة لمتلازمة البلقان ظهرت على الجنود الغربيين الذين شاركوا في حرب الخليج الثانية، كما أشارت مصادر طبية إلى ظهور أعراض مرضية غريبة على المدنيين العراقيين وخاصة بين الأطفال بعد حملة القصف الجوي التي تعرضت لها الأراضي العراقية في تلك الحرب.