كيف غيّر سناب شات سياسة فيسبوك؟
من جهة، يُمكن اعتبار أن ما حصل سرقة كبيرة وإنهاء الأمر عند هذا الحد. ومن جهة أُخرى، يُمكن اعتباره نجاحًا كبيرًا جدًّا لتطبيق سناب شات ولإحدى ميزاته، وهنا نحن ننظر لنصف الكأس المُمتلئ. لكن بعيدًا عن اختلاف وجهات النظر حول شرعية هذا الأمر، أثّر تطبيق سناب شات على تطبيقات مارك زوكربيرغ بشكل أو بآخر.
تلك التفاصيل أثّرت على زوكربيرغ الذي دأب منذ ذلك الحين على إيجاد الرد المُناسب بشكل أو بآخر، ليحصد ثمار جهده وانتظاره بعد ثلاثة أعوام من المحاولات الفاشلة، ليكون ردّه قاسيًا جدًّا، فهو قام باستخدام نفس ميزات سناب شات في جميع تطبيقاته. هذا وبحسب بعض التقارير أدّى إلى تجاوز عدد مشاهدات الحكايات في إنستغرام لعدد مشاهداتها في سناب شات، وذلك بعد فترة قصيرة فقط من إطلاقها.(2)
في بداياتها، دائمًا ما كانت الميزات الجديدة تظهر داخل التطبيق نفسه، أي أن الشبكة تُطلق الميزة داخل نسخة المُتصفّح أولًا، ثم تقوم بنقلها إلى تطبيق الهواتف الذكية لتقديم أفضل تجربة استخدام مُمكنة. لكن هذا الطريق لم يعد ينفع معها مع مرور الوقت بسبب كثرة الميزات، فتصفّح فيسبوك على الحاسب أكبر من ناحية أبعاد الشاشة والعرض، كما أن الوصول إلى الميزات المُختلفة أسهل من خلال القائمة الموجودة إلى جانب الشريط الزمني (Timeline).
ومن هُنا، بدأ تفكير فيسبوك يتحوّل نحو إطلاق الميزات وتجربتها أولًا على الهواتف الذكية وتطبيقاتها قبل توفيرها داخل المُتصفّح. لكن هذا أيضًا لم يُساعدها على حل مُشكلة كثرة الميزات، ومن هنا انتقلت لنموذجها الذي استخدمته لفترة طويلة جدًّا.(3)
في 2012، أقدمت فيسبوك على الاستحواذ على إنستغرام لقاء مليار دولار أميركي، وهو استحواذ لم يكن ذو معنى وقتها، فداخل تطبيق فيسبوك يُمكن لأي مُستخدم مشاركة الصور ومقاطع الفيديو دون تعقيد، وإذا كان الاستحواذ بسبب التأثيرات اللونية، فالمهندسين في فيسبوك ليسوا بعاجزين أبدًا عن تطوير نفس الأدوات.
الاستحواذ على إنستغرام عَكَس تفكير فيسبوك الجديد في تلك الفترة القائم على فصل الميزات ونقلها من التطبيق الرسمي إلى تطبيق آخر مُنفصل، وهو ما بدا واضحًا في نظام المحادثات الفورية في 2014 بعدما أعلنت أنها ستزيل تلك الميزة من داخل تطبيق فيسبوك للأجهزة الذكية لتنقلها إلى تطبيق ماسنجر، وبالتالي يحتاج المُستخدم لتثبيت تطبيق آخر لإرسال واستقبال الرسائل داخل فيسبوك.(5)
في 2013، قدّمت الشبكة الاجتماعية تطبيق بوك (Poke) الذي يُمكن اعتباره مُحاولتها الأولى في نسخ سناب شات، والذي فشل وأُغلق بعد سنة ونصف من إطلاقه. بعدها وتحديدًا في (يونيو/حزيران) 2014، تم إطلاق تطبيق سلينغ شوت (Slingshot)، الذي يدل اسمه على لعبة المِقلاع، وهو تطبيق آخر لمنافسة سناب شات.
وإلى جانب تلك التطبيقات، طوّرت فيسبوك -داخل مُختبرات الإبداع (Creative Labs)- مجموعة أُخرى من التطبيقات على غرار ريف (Riff) الخاص بمقاطع الفيديو. وتطبيق رومس (Rooms) الخاص بالمحادثات الجماعية مع إخفاء هوية المُستخدم. إضافة إلى بيبر (Paper) لقراءة آخر الأخبار، ونوتيفاي (Notify) الخاص بإرسال تنبيهات للمُستخدمين عند نشر أخبار جديدة، وأخيرًا مومنتس (Moments) لمُشاركة الصور بين الأصدقاء.(4)
كان الهدف من تلك المُختبرات إطلاق تطبيقات لتجربتها بعيدًا عن الشبكة الاجتماعية، أو بعيدًا عن التطبيق الرسمي للوقوف على إمكانية نجاحها فيما بعد وتوفيرها كميزة أساسية داخل موقع فيسبوك، وبقيّة التطبيقات إن أمكن.
جميع تلك المحاولات عكست تأييد فيسبوك وعملها بالمثل القائل "أعطِ الخباز خبزه"، أي إطلاق تطبيق خاص بكل وظيفة لتسهيل واجهات الاستخدام على المُستخدم قدر المُستطاع لأنه شيء لن يقف عند حد، أي لن تتوقّف فيسبوك عن إضافة ميزات جديدة باستمرار، وبالتالي ستصل لمرحلة لن تستطيع بعدها إضافة المزيد من الأزرار، أو القوائم، أو حتى التبويبات.
بعد فشل زوكربيرغ أولًا في الاستحواذ على سناب شات، وثانيًا في إطلاق تطبيقات مُنافسة له، رأى أن أفضل وسيلة هي نقل الميزات إلى داخل تطبيقاته الحالية، فإلى جانب الحكايات المتوفّرة في كل مكان، تُقدّم كاميرا تطبيقات فيسبوك إمكانية الرسم على الصور، وإضافة النصوص إليها. كما بدأت الشبكة بإطلاق العدسات؛ تلك التأثيرات التي تظهر على وجه المُستخدم عند تشغيل الكاميرا الأمامية، والتي ظهرت للمرّة الأولى في سناب شات أيضًا. باختصار، يُمكن -تقريبًا- إيجاد جميع الميزات التي يُقدّمها سناب شات داخل تطبيقات فيسبوك المُختلفة، ففيسبوك أُصيب رسميًّا بحُمّى سناب شات.
تطبيق إنستغرام لم يعد ذلك التطبيق البسيط لمُشاركة الصور الذي كان يتمتّع سابقًا بتجربة استخدام فريدة؛ بمجرد فتح التطبيق والضغط على زر المُشاركة الموجود في مُنتصف الشاشة يُمكن للمُستخدم اختيار الصورة ثم تطبيق التأثير اللوني ومُشاركتها بكل سهولة. صحيح أن هذا الأمر ما زال مُمكنّا، لكن هناك واجهة ثانية للمُشاركة من خلال الضغط على آيقونة "+" الموجودة في الأعلى، أو من خلال سحب الشاشة إلى اليمين لتظهر واجهة مُشاركة الحكايات.
أما بخصوص استعراض المُحتوى، فسحب الشاشة نحو الأعلى لعرض المزيد من المُحتوى لم يعد كافيًا، بل تظهر الآن الحكايات في الأعلى للراغبين بمُشاهدتها، وبالتالي واجهتين للمُشاركة، واثنتين لاستعراض المُحتوى كذلك. استخدام الحكايات في إنستغرام هو الأنسب -من وجهة نظر شخصية-، فهو تطبيق مُخصّص لمشاركة الصور ومقاطع الفيديو بالأساس، وتقديم فكرة المُحتوى ذاتي التدمير أمر مطلوب ولا ضرر في إضافته، صحيح أن واجهة الاستخدام تغيّرت قليلًا، لكنه أمر يُمكن تجاوزه ولا يجب التوقّف عنده كثيرًا.
نفس الأمر يُمكن رصده في تطبيقي ماسنجر وفيسبوك الرسمي، فشريط الحكايات سيظهر في الأعلى كذلك، وبالتالي لدى المُستخدم خيار لتصفّح المُحتوى عموديًا، وآخر لتصفّح المُحتوى أُفقيًّا، مع وجود زر داخل محادثات ماسنجر أسفل كل صورة لإضافتها للحكاية؛ فبعد سنوات من الاتّجاه نحو تبسيط واجهات الاستخدام للتركيز على المُحتوى، عادت فيسبوك لعرض المزيد من العناصر التي تُشتّت الانتباه وتجعل الواجهة مليئة بالعناصر المُختلفة.
الطامّة الكُبرى لم تكن لا في فيسبوك، ولا في ماسنجر، ولا حتى في إنستغرام، بل هي في تطبيق واتس آب، فهو سُلخ بشكل أو بآخر عن هوّيته الرئيسة. عند فتح واتس آب اليوم سنجد الواجهة ذاتها مع بعض التغييرات البسيطة، فتبويب المُفضّلة (Favorites) لم يعد موجودًا وحلّ محلّه تبويب الحالة (Status)، وهو التبويب الخاص بميزة الحكايات التي تُعرف بالحالة في واتس آب.
إضافة إلى ذلك، يظهر تبويب جديد باسم الكاميرا! تطبيق واتس آب الخاص بالمحادثات الفورية والمكالمات الصوتية والمرئية عبر الإنترنت يوفّر الآن تبويب جديد لا علاقة له ولا بميزة من التي أُنشئ لأجلها، بل لميزة حصل عليها مؤخرًا قبل أشهر قليلة فقط. عزل الحالات -الحكايات- في تبويب مُنفصل أمر أفضل بكثير من عرضها داخل شريط أُفقي مثلما هو الحال في بقية تطبيقات فيسبوك، لكن توفير تبويب مُنفصل لمُشاركة صور أو مقطع فيديو ضمن الحالة أمر مُستغرب جدًّا.
الأغرب من هذا كُلّه هو أن واتس آب لا يوفّر أيقونة داخل تبويب المُكالمات للاتصالات المرئية، فالخيار الوحيد هو للمكالمات الصوتية الذي وعند الضغط عليه تظهر قائمة الأصدقاء لاختيار أحدهم للاتصال بهم صوتيًا. أما للاتصال بهم مع فيديو، فالمستخدم بحاجة لإنشاء محادثة جديدة معهم، أو فتح القديمة إن كانت موجودة، ثم الضغط على أيقونة الاتصال المرئي. كل تلك الخطوات لإجراء مُكالمة مرئية التي تُعتبر من الميزات الرئيسة. أما لمُشاركة الحالة، وهي ميزة ثانوية تقريبًا، فالتطبيق وفّر تبويبًا خاصًّا لها.
ما سبق لا يهدف إلى إظهار سناب شات على أنه الملاك البريء وأن فيسبوك هو زعيم العصابة الذي يرغب بالقضاء على كل ما هو جيّد، بقدر ما يهدف إلى عكس التغييرات التي طرأت على فيسبوك منذ 2012 وحتى يومنا الحالي. بعد السير في طريق تبسيط واجهات الاستخدام والتركيز على المُحتوى أولًا وأخيرًا، وفصل الوظائف المُختلفة لتقديم تجربة استخدام أفضل، بدأنا نرى تطبيقات مُحمّلة بالكثير من الميزات.
لو كان هذا الأمر من مُخلّفات حُمّى سناب شات فهو أمر مقبول نوعًا ما، فجميع ميزاته الآن نُسخت، ولم يتبقّ أي شيء، لكن أن تتكرّر نفس التجربة في ميزات جديدة أو مُحالاوت استنساخ أُخرى، فهذا يعني ابتعاد فيسبوك عن سياستها التي لاقت رواجًا كبيرًا في وقت من الأوقات، والاتجاه نحو تعقيد تجربة الاستخدام، وهو أمر لا يرغب به أي مُستخدم أيًّا كانت درجة تعلّقه بمُنتجات زوكربيرغ المُختلفة.
في العالم التقني، لا يوجد شيء ثابت أبدًا، فرغبة المُستخدمين فوق كُل شيء. وبكل تأكيد لم يُقدم زوكربيرغ على تلك الخطوات ما لم يكن مُتأكّدًا من ضرورة وجودها في تطبيقاته، لكن وفي الوقت نفسه، إرضاء المُستخدم والابتعاد عن الهويّة قد يُعقّد الأمور نوعًا ما، ولنا في آبل أُسوةٌ حسنة، ومن الضروري إيجاد نوع من التوازن في مثل هذه الأمور.