شعار قسم ميدان

يورغن كلوب.. أن تفشل بأجمل طريقة ممكنة!

ميدان - يورغان كلوب

تنويه: كل المعلومات الواردة في التقرير صحيحة وليست من خيال كاتب. ورغم أن يورغن كلوب لم يكتب هذه الخطابات فعلاً إلا أن الكاتب يظن أن المدير الفني الألماني يحمل المشاعر التي تحاول الكلمات التعبير عنها.

الخطاب الأول

(كتبه في فجر الثاني من مايو/أيار 2019)

العزيز ماوريسيو..

أكتب إليك من غرفة فندق فارهة في برشلونة، ولكني لا أشعر منها إلا بطاقةِ عداءٍ كبيرة ضدي. ربما لو كنتُ في دورتموند أو ليفربول، لنزلت أمشي مسافة طويلة، فالمشي طريقتي لمواجهة الأوقات التي أشعر فيها بالتشتت. لقد أحرز ميسي هدفًا من مسافة بعيدة، 30 ياردة ربما أو 10 أميال .. لا أدري في الواقع. فقط أشعر بشيء من قلة العدل. لقد قطعت سنوات طويلة وها أنا في مواجهة ما أردت الهرب منه طيلة حياتي؛ الفشل فيما أحب.

الشمس على وشك الخروج من مخبئها، ولا أستطيع النوم. كلما حاولت إغلاق عينيّ، أرى نفسي في حفلة التخرج من المدرسة الثانوية. أرى ذلك الشاب مفرط الطول إلى درجة البلاهة ومدير المدرسة يمازحه قائلاً: «أتمنى حقًا أن تجد مهنة في مجال الرياضة يا يورغن؛ فأنا لا أرى لك أيّة فرصة مستقبلية في أي شيء آخر». لقد كان الرجل على صواب يا ماوريسيو؛ فلم أكن ذكيًا على أي وجه، ولكن تخيّل أني أردت في طفولتي أن أصبح طبيبًا!. ولم أكن أحد هؤلاء الشباب الموحين بالثقة في بدلة فخمة، تتسابق الشركات لتوظيفهم. دائمًا ما ناسبتني الملابس الرياضية أكثر.

لم أمتلك يومًا عقلاً نابغًا، ولكني أدّعي امتلاك قلب حار، ينبض بشغف، كرة القدم كانت شغفي. والجحيم هو أن تحب شيئًا بصدق وألا تكون جيدًا فيه. هذا هو عنوان سنوات قضيتها بثياب اللاعبين في ماينز. كنتُ مهاجمًا لا يُميّزه إلا طولٌ فارع، ولا يمكن وصفه بالجيد أبدًا. حتى أنّي بعد 5 سنوات في ذلك المركز تحولت إلى اللعب كقلب دفاع!. في تلك اللحظة كانت لديّ أمنية؛ تمنيت لو أنّي قابلتُ مدربًا يستطيع أن يُخرج منّي أداءً أفضل، أو أن يكتشف موهبة خفيّة بداخلي. وفي ذات السنة قررت أن أصبح أنا هذا المدرب.

undefined

كان في داخلي شعور بأني أعرف كيف تُلعب كرة القدم، وكأن أقدامي في الدرجة الرابعة ولكن كرة القدم في عقلي من الدرجة الممتازة. أندرياس مولر كان لاعبًا جيدًا جدًا، رأيته يلعب ذات مرة فقلت: «لو أن هذه هي كرة القدم، فأنا ألعبُ شيئًا مختلفًا تمامًا. هو لاعب من طراز عالميَ، وأنا لا أمتلك أي طراز على الإطلاق». لكني كنت أعرف لماذا هو جيد، ولو كنت لم أجد المدرب الذي يستطيع تحويلي من كلوب "المديوكر" إلى مولر الفذ، فسوف أصبح أنا ذلك المدرب. وقررت أن أمتهن التدريب وأن أدرسه.

الخطاب الثاني

(كتبه في عصر الثاني من مايو/أيار 2019)

العزيز ماوريسيو ..

أكتب الآن من الطائرة التي تُحلّق من برشلونة إلى ميرسيسايد. أحاول أن أبتسم كالمعتاد في وجوه الفتيان من حولي. ولكنّي لا أُخفي عنك أن الصورة الوحيدة في رأسي الآن تعود إلى تاريخ أعرفه جيدًا .. 18 مارس/آذار 2015 .. يوم أن خرجت خاسرًا بثلاثية نظيفة أمام يوفينتوس!

هل تعلم أني تقاعدتُ عن اللعب وأنا الهداف التاريخيّ لماينز؟!. معلومة غريبة لكنها حقيقة؛ أحرزت 56 هدفًا. ولنكن واقعيين، فهذا ماينز الذي لعبت له أكثر من 10 سنوات وعجزنا فيه عن الصعود من الدرجة الثانية، لذلك فإن لقب الهداف لا يعني الكثير. ولكن كمدرب فالحكاية تختلف. لقد استغرقني الأمر أقل من 4 سنوات كي أصل معهم إلى الدرجة الأولى. لقد شعرت في ذلك اليوم أني قد نجحت تمامًا في الوصول إلى ما أردت إثباته؛ الإيمان بمجموعة من الفتيان الطموحين يكفي لأن تترقى إلى الأمام. لم أُنفق الأموال ولم أتعاقد مع لاعبين يتقاضون آلاف الدولارات كل يوم، ورغم ذلك صعدت. وفي دورتموند وجدت ميشيل زورك، إنه منقّب عن الذهب. امنحه فقط بعض الوقت وسوف يأتيك بلاعبين لا يراهم أحد غيره من تحت التراب، وعليك كمدرب أن تزيح عنهم التراب وسوف يلمع الذهب.

في دورتموند استطعت أن أحقق ما لم أجرؤ على تخيّله كلاعب، لقد فزت بالبوندزليجا بعد 3 سنوات فقط. لقد صعدتُ إلى نهائي دوري الأبطال بمجموعة من الفتيان لم أدفع فيهم إلا أقل الأموال، والفضل يعود لزورك؛ فهو من جاء بليفاندوفسكي ورويس، وهوميلز وغوندوغان، وأنا فقط نجحت في التحول إلى صائغ الذهب.

الأمر بسيط؛ لا تنفق الأموال وابحث عن الذهب، لا تجلب الأسماء الكبيرة ولكن اصنع نجومك الخاصة، لا تدافع وانطلق إلى الأمام واترك استعادة الكرة للمهاجمين ولن تحتاج حارس مرمى أو مدافعين. اعتنق هذه القواعد، ولا تفكر في تغييرها وإلا فقدت كل ما يميزك.. ولكن احذر العواقب، لأنها قد تكون وخيمة، ويمكن أن ينهار كل شيء فوق رأسك، فتصبح كمن أطلق سهمًا إلى السماء، ثم انتظره ليسقط مباشرة مخترقًا جمجمته!

undefined

في مارس/آذار 2015 خرجت من ملعب الإيدونا بارك خاسرًا أمام يوفينتوس.. خرجت وأنا أعاني مع دورتموند حتى أني بلغت مرحلة الصراع ضد الهبوط. لقد انهار كل شيء مثلما حدث في المواسم الأخيرة مع ماينز. النجوم التي صنعتها، طارت بعيدًا إلى ميونخ. والقواعد التي آمنت بها خذلتني مثل حصان لا تستطيع ترويضه، فيطرحك وهو يركض. يركض وتشعر بأنك مُحلق، وفي لحظة واحدة تجد نفسك طريحًا على الأرض منكسر الظهر. لقد أوشكت مع ماينز ومع دورتموند على بلوغ قمة المجد، ثم سقطت. والآن ميسي يحرز هدفًا من مسافة ألف ميل، وبيب يلتهم خصومه ولا ينوي أن يخسر نقطة واحدة، وأنا خائف لا أنكر هذا.. أخاف أن أقف في الأنفيلد صفر اليدين بعد أن كنتُ على مسافة أمتار قليلة من حسم كل شيء!


الخطاب الثالث

(كتبه في مساء الثالث من مايو/أيار 2019)


العزيز ماوريسيو ..

عندما أنظر إلى فيرجل أشعر أني كنت لاعبًا لكرة الشاطئ وليس لاعب كرة قدم. إنه كذلك أفضل منك بما لا يُقاس يا ماوريسيو.. فاعذرني على وقاحتي. فيرجيل لا يستحق 75 مليون إسترليني، بل يستحق وزنه ذهبًا. ماني كذلك مبهر، إنه أفضل مني كمهاجم بعشرات المرات. لا أخجل من قول ذلك؛ فأنا لم أبلغ قدر هؤلاء الفتيان، ولكني مؤمن أنهم على استعداد للموت من أجلي. إني ألعب دور الرجل العجوز الآن، ولكني مؤمن أن الشباب والعجز هي قرارات لكل إنسان. ودعني أوضح ذلك أكثر..

إني أحترم أرسين فينغر كثيرًا، وأعتقد أنه يعلم كل شيء عن كرة القدم، وأحترم مورينيو كذلك واستماتته الدائمة على الفوز، ولكني أعلم أنهما قد قررا عند نقطة ما أن يتحولا من ثائرين يحطمان القواعد الراسخة إلى عجوزين خائفين يتمسكان بأشباح الماضي ويرفضان مراجعة القناعات والأفكار. الشجاعة والثبات على الرأي والمبدأ هي أمور قد تبدو متلازمة دومًا. ولكن في بعض الأحيان تصبح الشجاعة هي التراجع عن القناعات لأنها لن تمنحك إلا الفشل.

يورغان كلوب: أشعر بأني عسير الحظ وأن كل شيء ضدي.. حتى الرياح تهب في وجهي.. للمرة الأولى أشعر بالإحباط .. صدقني.. إنها أول مرة!
يورغان كلوب: أشعر بأني عسير الحظ وأن كل شيء ضدي.. حتى الرياح تهب في وجهي.. للمرة الأولى أشعر بالإحباط .. صدقني.. إنها أول مرة!
 

في لحظة ما خلال العام الماضي أدركت أن قناعاتي التي خرجت بها من ألمانيا لم تُختبر بما يكفي. فهناك لم أنفق الأموال، ولكن هل كان البايرن في المقابل ينفق الأموال!؟. ولو أني أردت أن أنفق، فهل كان دورتموند ليوفر 50 مليون للتعاقد مع مدافع!؟. هناك كنتُ أفكر أن الدفاع هو مهمة خط الهجوم والوسط قبل كل شيء، ولكن هل في ألمانيا فريق يمكنه أن يحرجك ويهزمك وهو ينافس ضد الهبوط، بينما تنافس أنت بين الأربعة الكبار؟ .. وإجابة هذه الأسئلة جميعًا هي بالقطع لا!. الأمور في إنجلترا مختلفة فعلاً، وهذا بغض النظر عن أن الإنجليز يفعلون كل شيء بطريقة معكوسة عن قصد، ولكن الأمور هنا بالفعل مختلفة. والتجربة هي الاختبار الحقيقي للقناعات، فالكل زاهد ناسك، حتى تأتي الغانية!

في إنجلترا يمكنني التمسك بكل قواعدي التي خرجت بها من ألمانيا، رغم أنها غير صالحة بوضوح. ويمكنني أن أكون العجوز الذي تجاوز الخمسين، ولكني رأيت الشجاعة في التراجع والتغيّر والتطور. نعم لقد أنفقت الأموال، واشتريت نجومًا جاهزين. ولكي أتسق مع نفسي حتى النهاية، قررت ألا أعيد تأويل قناعات الماضي بأثر رجعيّ. لقد غيّرت رأيي.. هذا ما حدث ببساطة. لقد قررت أن أخفض من إيقاع الميتال المحموم وأن أشتري حارس مرمى بأموال طائلة، ومدافع وخط وسط جاهزين تمامًا.

أظن أني أقدم أفضل ما لديّ. وأظن كذلك أني وصلت لدرجة من التوازن. ولكني ولأول مرة أشعر بسوء الحظ. يمكنك أن تقدم أكبر عدد من النقاط في تاريخ ليفربول، ويمكنك أن تقدم عددًا من النقاط لم يقدمه فيرغسون في تاريخه ويمكنك أن تبلغ نصف النهائي للمرة الثانية على التوالي، ثم تقابل بيب الذي لا ينوي أن يفقد نقطة واحدة، وميسي الذي يحرز هدفًا من ألف ميل! والتتويج يأتي بأن تتغلب على خصمك المباشر لا بأن تتغلب على الأرقام التاريخية، ولكي تبلغ منصة التتويج يجب أن توقف ميسي وأنا لا أعلم طريقة واضحة لذلك

للمرة الأولى أشعر بأني عسير الحظ وأن كل شيء ضدي.. حتى الرياح تهب في وجهي.. للمرة الأولى أشعر بالإحباط .. صدقني.. إنها أول مرة!

الخطاب الرابع

(كتبه في فجر السابع من مايو/أيار 2019)

العزيز ماوريسيو..

أكتب إليك قبل ساعات قليلة من مقابلة برشلونة مرة أخرى، وأشعر بهدوء شديد من حولي، وأنه لا شيء تحت السيطرة، لذلك يمكن أن أهدأ قليلاً. أشعر بالابتسامة تتسرب إلى وجهي كلما تذكرت هدف أوريغي في نيوكاسل، لقد ذكرني هذا الصبي بما كنتُ أن أحاول تعليمه إياه. وهذا هو أجمل ما في الإيمان؛ عندما تشعر بتسربه منك، تكتشف أنك بقصد أو بدون قصد قد نشرته قبل تسربت على من حولك، وأن هذا الإيمان سوف يجد طريقه إليك مرة أخرى من خلال عيون من نشرته لهم.. وهذا ما فعله ديفوك!. كنا متعثرين أمام نيوكاسل وأوريغي في اللحظة الأخيرة، جاءنا بالفوز.

سوف أذهب إلى الأنفيلد أمام برشلونة وميسي وسوف أقف على الخط، وسوف أنتظر. لدي أمل ضعيف بالفوز، وربما يمنحني القدر إياه 
سوف أذهب إلى الأنفيلد أمام برشلونة وميسي وسوف أقف على الخط، وسوف أنتظر. لدي أمل ضعيف بالفوز، وربما يمنحني القدر إياه 
 

أشعر يا ماوريسيو أن كرة القدم تقوم على رهان الآمال الضعيفة؛ أمل خافت تصدقه وتسعى وراءه، وتسلم قدرك له. الهدف احتمال ضعيف، والفوز احتمال ضعيف ولكنك تتشبث به. ليفربول تحديدًا يقوم دومًا على ذلك الأمل. أتذكر ذلك اليوم عندما عدنا أمام دورتموند 4-3 وكان هذا بعد شهور قليلة من قدومي لإنجلترا. وأقول لنفسي إن كنت لن تنتصر، فحاول أن تبذل كل مجهودك كي تفشل بأجمل طريقة ممكنة!

هذا هو أنا يورغن كلوب.. لست ذكيًا ولست عظيمًا ولكني مؤمن أن كرة القدم تُلعب بالقلب أولاً. سوف أذهب إلى الأنفيلد أمام برشلونة وميسي وسوف أقف على الخط، وسوف أنتظر. لدي أمل ضعيف بالفوز، وربما يمنحني القدر إياه.

ربما لا أستطيع اللحاق بفريق بيب، ولكني سوف أذهب لمباراة وولفز، ربما أفوز وربما يخسر.. أو ربما يحدث الأقرب؛ فيفوز كلانا ويصعد هو وحيدًا إلى منصة التتويج. ربما أفشل، ولكني سأحرص على تحقيق الفشل المميز.. سوف أجتهد في أن أصبح الفاشل الذي لا ينساه أحد!

رد على الخطابات

(كُتب في فجر التاسع من مايو/ أيار 2019)

عزيزي يورغن ..

وصلتني خطاباتك، وسوف أحاول الرد عليها قريبًا. وحتى ذلك الحين نحن على موعد هناك في مدريد.. في النهائي!

المخلص/

ماوريسيو بوتشيتينو