شعار قسم ميدان

كيف تموّل مشروعك الناشئ؟

ميدان - رجل أعمال
المعضلة الأساسية التي تواجه أي شاب، بمجرّد أن ترد في ذهنه فكـرة الدخول إلى عالم ريادة الأعمال وتأسيس شركته الخاصة، تتلخص في سؤال: من أين سآتي برأس المال الذي يمكنني من بدء المشروع؟
 
هذا السؤال يمثّل ما يشبه بوابة عملاقة تقف مانعاً بينك وبين دخول القلعة؛ إذ لا توجد منافذ أخرى للدخول سوى اجتياز هذا الباب الذي لا يجتازه سوى عدد محدود للغاية، وإلاً – لو كان الأمر بهذه السهولة- لاستيقظنا صباحاً لنجد أن كل سكان العالم أصبحوا روّاد أعمال، ومؤسسي مشاريع.

النظام الرأسمالي ربما يكون خسيساً فيما يخص النواحي الإنسـانية، ولكنه -رغم كل شيء- هو النظام الاقتصادي الوحيد الذي استمرّ بعد زوال كافة المنافسين؛ ومن ثم فيجب أن تلعب بقواعده، طالما تسعى لتأسيس شركة تجارية خاصة.

أن يكون لديك رأس مال جيّد حصلت عليه من خلال مسيرة وظيفية جيدة، يجعلك قادراً على استخدامه دون اللجوء إلى القروض أو مصادر التمويل

والقاعدة الأساسية تقول: تريد أن تؤسس شركة، أو مشروعا رياديّا، أو حتى مشروعا صغيرًا؟ .. إذن فأنت في حاجة إلى رأس المال الذي لا يتوفر إلا من خلال ست طرق هي:

• أن يعطيـك أحد إياه، كأن ترثه مثلاً.
• أن تسرقه.
• أن تفوز به من خلال جائزة أو قمار أو ياناصيب ما.
• أن تتزوّج منه.
• أن تكسبه.
• أن تبحث عن مصادر التمويل.

طبعاً لا تتوقع مني أن أعالج الأساليب الأربعة الأولى، ولكن يمكن القول: إن الحصول على رأس المال من خلال "السرقة" أو "القمار" هو أسلوب عجيب فعلاً لبدء مشروع ريادي؛ لأنه – بعيداً عن النواحي الأخلاقية – سيجعلك تكمل هذا المشروع في السجن.

وأما الزواج برأس المال أو وراثته، فهي أمور خاصة بك أولاً وأخيراً، وإن كانت – في النهاية – ربما تفقدك الكثير من لذة النجاح. ويظـل رأس المال القادم من خلال المكسب الخاص هو الأفضل.

أن يكون لديك رأس مال جيّد حصلت عليه من خلال مسيرة وظيفية جيدة، يجعلك قادراً على استخدامه دون اللجوء إلى القروض أو مصادر التمويل، هو حتماً الوسيلة الأفضل والأكثر راحة للأعصاب خلال مسيرتك في تأسيس الشركة.

بالطبع العيب الأساسي هنا أنك ربما تضطر لإهدار سنوات طويلة من عمرك؛ لتحصيل هذا المبلغ، ثم تشعر بأن مجرّد التفريط في هذا المال الذي جمعته طوال هذه الفترة هو قمة الحماقة، وبالتالي تستقر في منطقة الراحة إلى الأبد، وتنسى الأمر برمّته.

إذن، غالباً ستجد نفسـك تتعامل مع الخيار الأخير "الواقعي" الوحيـد: البحث عن مصـادر التمويل، وهذا البحث – حتماً – يستلزم المرور بعدة محطات.

المرحلة الأولى: الأيام الصعبة!

مرحلة التمويل المبدئي التي يطلق عليها اسم "تمويل البذرة Seed Funding"؛ لأنها تشبه عملية وضع البذرة الأولى في التربة قبل البدء في الزراعة؛ فالأموال التي تبدأ برصدها في البداية الأولى للمشروع تكون عادة تمويلاً ذاتياً. والقيمة عادة ما تكون 10 آلاف دولار في المتوسط، وقد تقل عن ذلك بكثير، وقد تزيد بحسب نوع المشروع الناشئ، وبحسب الاقتصاد المحلي. وهذه المرحلة تنقسم إلى قسميــن:

الأول: البدء بالتمويل الشخصي (1)
من الصعب قول ذلك، ولكن طالما ارتضيت أن تؤسس شركة، فلا بد أن تقوم أنت بنفسك ببعض التضحيات، مدخراتك الشخصية ربما تقوم ببيعها، أو تقوم برهن منزلك أو ائتمانك، وغالباً ستقوم ببيع السيارّة، أو ممتلكات غالية، وهنا تأتي ميزة أن تكون شاباً في مطلع العمر وأنت تقرأ هذه السطور؛ لأن بيع ممتلكات خاصة، أو توفير مبالغ كبيرة بشكل شخصي في الوقت الذي تكون فيه عائلاً لأسرة أو مرتبطا بارتباطات عائلية، حتماً يكون قراراً مصيرياً مؤلماً، وعدد قليل من المغامرين هو الذي يخوض تلك المغامرة. وستكون هناك بعض التنـازلات والآلام في ضربة البداية، بلا شك، المفتـرض أن تتحمّلها عن طيب خاطر.

المراحل الأولى للمشاريع الناشئة تمثل مرحلة الحسابات الدقيقة
المراحل الأولى للمشاريع الناشئة تمثل مرحلة الحسابات الدقيقة

الثاني: البدء بجمع تمويل من الأقارب
مصدر التمويل الثاني بعد تجهيز كل التمويل الذي تستطيع أن تشارك به، هو اللجوء إلى الأقارب، ربما من أسرتك المباشرة أو العائلة أو الأصدقاء المقرّبين.

الحقيقة أن هذا التمويل أيضاً يعد بغيضاً جداً على النفس؛ لأن الكثير جداً من المتحمّسين لتأسيس شركات ناشئة يرفضون تماماً طلب الأموال من الأقارب أو الأصدقاء؛ لأنها تمثل لحظات مُحرجة فعلاً، يتصبب فيها الكثير من العرق، ويتبادل فيها الجميع النظرات.

ولكن الجانب المشرق أن التمويل من خلاب الأقارب تكون له ميزة هائلة لك ولهم، ميزة بالنسبة لك لأن تمويل الأقارب يعني أنك تحصل على أموال بقيمـة أقل، وبالتالي تدفع فائدة أقل، وتقدم حقوقاً أقل من البنك أو المؤسسات، فضلاً عن كونها قائمة بشكل أساسي على (الموثوقية المشتركة) قبل أي شيء آخر.
صحيح أن المخاطر عالية جداً في حال فشل المشروع؛ لأنك ستتحمل خسارة كل الأقارب، ولكن هذه الحالة يمكن تجاوزها بأن تقوم بإشراكهم أيضاً في الإدارة والتنفيذ والتخطيط، بما يشكل نواة شركة حقيقية ..

"كريس هاناي"، و"سكوت آبوت" صحفيّان مرَّا بمشاكل مهنية، وقررا أن يطلقا شركة منصّة ألعاب بفكرة مبتكرة، ولم يكن لديهما أي تمويل، إلا أنهما قاما بوضع خطة محكمة للمشروع، ثم البدء في التحدث لكل فرد يعرفانه ويثقان فيه؛ لإقناعهم بالاستثمار معهم في الشركة الوليدة.

في النهاية، استطاعا -بعد جهد جهيـد- أن يقنعا 32 شخصاً من أصدقائهم وأقاربهم ومعارفهم وزملائهم السابقين في الاستثمار بالمشروع، من خلال جمع حوالي 40 ألف دولار ساهمت في إطلاق الشركة الشهيرة باسم "Trivial Pursuit" عام 1979..

كان هذا التمويل هو الخطوة الأولى لواحدة من أشهر منصّات الألعاب في العالم، التي باعت أكثر من 100 مليون نسخة خلال 35 عاماً. (2،3)

المرحلة الثانية: ما بعد انطلاق المشـروع

بعد المـرور بهذه المرحلة الصعبـة "التمويل الذاتي" -التي تعد مرحلة حتميّة، مهمـا كانت الطريقة التي سوف تتبعها لعبـورها- تأتي المرحلة الثـانية بخيارات مختلفة:

معظم الشركات الكبيرة، والأشخاص الأثرياء حول العالم، يقومون بدور المُستثمـر الملاك الذي يدعم المشروعات الصغيرة الناشئة ويتبنّاها

لحظـة قدوم المـلائكة (4)
"المستثمـرون الملائكة Angel Investors" .. مصطلح معروف في عالم ريادة الأعمال، ورغم أنه قديم جداً كنشاط إلا أن المصطلح ارتبط مؤخراً بعالم تأسيس الشركات الناشئة.

المستثمـرون الملائكة، أو المستثمـرون غير الرسميين، أو المستثمـرون الداعمون .. كلها أسماء متعددة لمعنى واحد.

باختصار، "المستثمـر الملاك" هو فرد أو عائلة لديه أصول كبيرة يستهدف بشكل دوري الاستثمـار في الشركات الناشئة في مراحلها المُبكّـرة، مقابل حصص في ملكيّة المشروع. وقيمة التمويل في هذا النوع تتراوح غالبا ما بين 25 ألف دولار – 100 ألف دولار، وقد تكون أكثر من ذلك.

هذا التمويل يأخذ أوجهاً كثيرة، ولكنه – في الغالب – لا يكون استثماراً مادياً فقط، وإنما يمتد ليشمل مشاركات فنّية، وتعزيز علاقات عامة، واستشارات مهنية. ويعد حالة من حالات تبنّي مفاصل المشروع بناءً على أساسيات متفق عليها بين صاحب المشروع وصاحب الاستثمار.

"رأس مال الملائكة Angel Capital" يعد الحلقة الأهم بعد مرحلة إطلاق المشروع وتمويله المبدئي. الحصول على هذه النوعية من رأس المال هو الهدف الأساسي أصلاً بعد إطلاق المشروع.

المستثمـر الملاك عادة لا يضخ أمواله في مشروع ريادي إلا بعد أن تتم دراسة هذا المشروع من طرفه، وبعد عرض خطة العمـل عليه، ومستوى التقدم الذي أحرزه المشروع في بدايات انطلاقه (مرحلة التمويل الذاتي)، وحتى المجالات التي من المتوقع نموّها في حالة ضخ الاستثمار.

معظم الشركات الكبيرة، والأشخاص الأثرياء حول العالم، يقومون بدور المُستثمـر الملاك الذي يدعم المشروعات الصغيرة الناشئة ويتبنّاها.

لحظـة قدوم أصحــاب المخاطرة (5،6)
يسمّونه "رأس المال المخاطر "Venture Capital، أو رأس المال الجريء، كما يحب أن يسمّيه البعض. أحياناً ستجد نفسـك بصدد هذه النوعية من التمويل التي تتشابه في بعض الأمور مع الاستثمـار الملائكي، وتختلف في أمور أخرى.

بشكل عام، رأس المال المخاطر – كما يشير اسمه – هو مال خاص بأفراد أو شركات ذات رؤوس أموال كبيرة يتم توظيفها في الاستثمار بأعمال أو مشاريع صغيـرة ناشئة، ولكنها عالية المخاطر.

رأس المال دائماً يبحث عن فرص الاستثمار، فإذا كانت هذه الفرص عندك، فتأكد أن مشوارك الذي سوف تقطعه للوصول إلى رأس المال لن يكون مستحيلاً
رأس المال دائماً يبحث عن فرص الاستثمار، فإذا كانت هذه الفرص عندك، فتأكد أن مشوارك الذي سوف تقطعه للوصول إلى رأس المال لن يكون مستحيلاً

ومثل أية مخاطرة، فمن الطبيعي أن يكون هذا النوع من الاستثمـار محفوفاً ببعض القيود.. بعضها قد تجدها أنت مزايا كبيرة، وبعضها قد تجده أيضاً عيوباً مُرهقة. وقيمة التمويل غالباً تتجاوز النصف مليون دولار على الأقل، ومع ذلك فقد تتغير بحسب الدول واقتصادياتها المختلفة.

المستثمـرون المخاطرون عادة ما يكونون مستثمـرين متخصصين مهنيين، يدرسون المشروع بدقة وتفحّص أكبر، ويتفهّمون وجود مخاطر عالية لفشل المشروع، وبالتالي فهناك خصائص لهذا النوع من التمويل هي:
• أن يكون المشروع المقدّم جريئاً له توقعات بوجود سوق كبيرة في المستقبل رغم المخاطر الكبيرة.
• رأس المال المخاطر عادة ما يكون بمبالغ استثمارية كبيــرة، ومن ثم يطالبك بمعدلات فائدة عالية أكثر من أي استثمار آخر، أو حصص كبيـرة في مشروعك الناشئ.
• الحصول على تمويل رأس مال مخاطر يكون صعباً، ويحتاج إلى خطط عمل شديدة التفصيل والدقة لإقناعهم بضخ المال في هذا المشروع العالية خطورته.

عام 1984، قام كل من "ساندي ليرنر" و"لين بوزاك" بتأسيس شركة "سيسكو للأنظمة"، بوجود وحدة معالجة مركزيّة في كراج صغير تابع لهما، وقاموا بإقناع أصدقائهم وأقاربهم بالتمويل المبدئي أحياناً، أو العمل معهم مقابل الدفع المؤجّـل.

وبعد 3 سنوات من بدء المشروع استطاعوا الحصول على تمويل من شركة "سيكويا كابتال Sequoia Capital"، بعد أن قاما بالتركيز على أمر أساسي يتمثل في وجود سوق كبيرة محتمـلة لمنتجات سيسكو، وإن كانت هناك مخاطر كبيرة في الطريق.

وهذا ما حدث فعلاً، فبعد أن حصلت سيسكو على التمويل واجهت نقصاً حاداً في النقد لسنوات عديدة، إلا أنها تجاوزت هذه السنوات، وأصبحت الآن من كبرى شركات العالم في الأنظمة.

ستحتاج إلى بذل مجهود كبير لإقناع المموّلين بمشروعك بين عشرات أو مئات المشروعات الأخرى، وتعمل على جمع تصويت لمشروعك

متى حصلت سيسكو على التمويل المخاطر؟.. يقال إن التمويل جاء أخيراً بعد طـرق أبواب أكثر من 70 جهة من مموّلي المشروعات المخاطرة، حتى وصلت إلى هدفها. (7)

طــرق الأبواب

على الرغم أن الوسائل السابقة هي الأكثر شهرة وثقلاً بخصوص المشروعات الريادية المتنامية، وفقاً لثلاثية (بدء المشروع – بحث عن مستثمـر – الوصول إلى المستثمـر)، إلا أن هناك أيضاً بعض الوسائل الأخرى، بعضها تقليدي وبعضها ظهـر بالتوازي مع التمدد الهائل للأنشطة الريادية حول العالم، من أبرز هذه الوسائل:

المسابقات الريادية
التي تُعــرف باسم "منصّات التمويل Crowd Funding"، أو (التمويل الجماعي للمشروعات الريادية). وهذا الأسلوب هو طريقة جديدة -نوعاً ما- في تمويل الشركات الناشئة، ارتبط ظهـوره بصعود ريادة الأعمال، وتأسيس الشركات بوتيرة متسارعة خلال السنوات الأخيرة، وتتلخص فكـرته الأساسية في عرض المشـروع علنياً على منصّة عامة؛ لجمـع التمويل المطلوب من مُرتادي المنصّة.

ظهر مؤخراً ما يسمى
ظهر مؤخراً ما يسمى "صناديق للإسهامات الأولية للمشاريع" التي تستهدف تحديداً الشركات الصفرية التي لم تبدأ بعد أصلاً

المنصّات من هذا النوع دورها يتمثل في عرض المشروع على الراغبين في التبرع أو الدعم، وهذا التمويل الجماعي يعد من أفضل أنواع التمويل الذي من الممكن أن يحصل عليه رائد أعمال شركة ناشئة؛ لأنه يكون بتسهيلات كبيرة (9)، ويكون التمويل والدعم مجانيا ولا يُسترد، ولا يؤثر نهائياً على اتخاذ قراراتك. ومع ذلك، يعيب هذه النوعية من التمويل:
• أنك سوف تحتاج إلى وقت طويل نسبياً لجمع التمويل.
• أنك ستحتاج إلى بذل مجهود كبير لإقناع المموّلين بمشروعك بين عشرات أو مئات المشروعات الأخرى، وتعمل على جمع تصويت لمشروعك، وبذل مال (لإقناع) الممولين لدعم مشروعك.
• أن التمويل نفسه لا يكون كبيراً؛ حيث يكون مبلغ 50 ألف دولار هو التمويل المتوسّط الذي يمكن الحصول عليه، مع استثناءات بسيطة لمشروعات معينة.

إن منصات التمويل الجماعي العربية والعالمية أصبحت منتشرة للغاية، عالمياً وإقليمياً وحتى على المستوى المحلي لبعض الدول العربية، ومن أشهر هذه المنصات: "كيك ستارتر"، و"ذومال"، و"إيرويكا"، و"يمكن"، و"أفكار مينا"، وغيرها ..

القروض والإسهامات المالية الأوّلية في المشروعات Seed Money
هذه الآلية لتمويل المشروعات تشبه كثيراً القروض البنكيـة، والإسهام المالي الأوّلي في مشروع هو رأس المال الذي تحصل عليه شركتك قبل أن تبدأ العمل كشركة فعلاً، والهدف منه نقل الشركة من وضع التصوّر إلى وضع الشركة الوليدة.

بمعنى آخر، الإسهام المالي الأوّلي يكون منتجك كاملاً، وخططك التسويقية جاهزة، وجدول الموظفين جاهز، وخطة العمل جاهزة وتمت مراجعتها، والاتصالات الأوّلية بالعملاء والتجار تمّت، وأسماء البائعين والقانونيين والمحاسبين في شركتك معروفة أيضاً، كل شيء جاهز على الورق، لا ينقصك إلا (المال) لتبدأ.

عادة هذه المنهجية هي أكثر منهجية مناسبة للحصول على قروض بنكيّة، أن تقدم للمصـرف كل التفاصيل الكبيرة والصغيرة، وبعض الضمانات، فتحصل على قرض جيد وتبدأ العمل.

ومع ذلك ظهر مؤخراً ما يسمى "صناديق للإسهامات الأولية للمشاريع"، أو الـ "Pools Of Money" التي تستهدف تحديداً الشركات الصفرية التي لم تبدأ بعد أصلاً.. وهذا هو الفرق الأساسي بين هذه الصنـاديق وبين المستثمرين الملائكة أو الجريئين الذين يقدمون التمويل بعد انطلاق المشروع وتحقيقه لإنجازات جيّدة ملفتة للانتباه.

حاضنـات الأعمال Buisniess Incubators (10)
مصدر آخر للتمويل ظهـر مؤخراً مع تنامي حركة ريادة الأعمال العالمية، يتمثل في حاضنـات جماعية عامة، هدفها الأساسي هي المساعدة على بقاء المشروعات الريادية الوليدة على قيد الحياة؛ ومن هنا جاءت تسمية "الحاضنة"، إنها حالة قريبة من الحاضنات التي تحافظ على حياة الأطفال في المستشفيات بعد ميلادهم بساعات أو أيام أو أسابيع.

هذه الحاضنات هدفها الأساسي ليس تمويلياً بقدر ما تستهدف توفير مساعدات ميسرة لنمو الأعمال والمشروعات، من نوع:
• تمويلات بسيطة في جوانب معينة للمشروعات الناشئة.
• توفير مساحات عمل مكتبية جيدة للمشروعات الناشئة التي لا يوجد لها مقرّ عمل.
• توفير خدمات استشارية ومهنية لهذه المشروعات؛ لتسريع نضجها وجذب أرباح مبدئية.
المراحل الأولى لإطلاق المشروعات الريادية تكون حرجة وصعبة، وبها الكثير من المشاكل؛ لذلك فحاضنات الأعمال الجماعية تعد حلاً ممتازاً في احتضان هذه المشروعات والمساهمة البسيطة في توفير نفقاتها ودعمها فنياً ومهنياً.

وإن كانت – طبعاً – غير كافيـة لإحداث تطورات كبيرة في مسار عمل المشروع، هي فقط تلعب دور حاضنة الطفل الوليد، والطفل الوليد "شركتك" يجب أن يكون صحيحاً بالأساس، وليس مريضاً.

تذكّـر دائماً أنك ستخوض الكثير من المعارك في طريق إنشاء شركة ناشئة ناجحة، ولكن تبقى معركة "التمويل" هي "أم المعارك"
المسابقات الريادية
تبقى الإشارة إلى أنه من وقت لآخر يبرز ما يُسمّى "مسابقات الشركات الناشئة" التي تكون عادة ضمن أحداث واحتفالات تنظمها جهات داعمة لحركات ريادة الأعمال المحلية والإقليمية، وتقوم من خلالها بضخ تمويل لأبرز المشروعات الريادية المتسابقة. وأهم المشروعات التي نالت بريقاً إعلامياً هي التي تحصل على التمويل من هذه المسابقات، وغالباً ما يكون تمويلاً للمرحلة الثانية، فهو استثمار ملائكي أو جريئ، أو حتى منحة ماليّة لا ترد بشرط وجود المشروع وتطوّره على الأرض مسبقاً.

المشهد ليس بهذه الكآبة التي كنت تتصوّرها بخصوص حصولك على رأس مال جيد لتمويل مشروعك، ولكنه ليس بهذه السهولة التي يمكن أن تتصورّها أيضاً.

هناك أموال أكثر من اللازم في هذا العالم، وهناك مستثمـرون مستعدون لاقتناص أية فرصة جديدة تبدو واعدة ويقف وراءها شباب مميز لديه وضوح في الرؤية والهدف.

رأس المال دائماً يبحث عن فرص الاستثمار، فإذا كانت هذه الفرص عندك، فتأكد أن مشوارك الذي سوف تقطعه للوصول إلى رأس المال لن يكون مستحيلاً، قد يكون صعباً ويحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد والصبر، إلا أنك ستصل إليه في النهاية حتماً.

انظر إلى الجانب المشرق في الموضوع، عادة الكسالي يبتعدون عن هذه المهمة البغيضة، ويفسحون المجال لك ولأمثالك لخوضها، ويكتفون في النهاية بأن تقوم بتوظيفهم لديك، وربما تتفق معي أن هذا ثمن عادل تماماً.

تذكّـر دائماً أنك ستخوض الكثير من المعارك في طريق إنشاء شركة ناشئة ناجحة، ولكن تبقى معركة "التمويل" هي "أم المعارك" فالانتصار فيها يحقق بقية الإنجازات على الأرض.

المعركة كلها تتلخص في السعي للحصول على رأس المال، وليست في النوايا الحسنة أو الأحلام الوردية، وهو المعنى الذي عبّـرت عنه مقولة مختصرة تنسب للمرأة الحديدية "مارجريت ثاتشر" رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة: "لم يكن لأحد أن يتذكـر السامري الطيب لمجرّد أنه كان يملك بعض النوايا الطيبة، بل لأنه كان يملك المال أيضاً".(11)

المصدر : الجزيرة