الأشعة المقطعية والطباعة ثلاثية الأبعاد تكشف أسرار مومياء "الصبي الذهبي"

Figure 2. Digital unwrapping visualizations using computed tomography (CT) of the mummy TR 21/11/16/16 at the Cairo Egyptian Museum. A series of four three-dimensional (3D) CT images of the mummy in the left lateral position show the steps of the virtual peeling of the bandages from left to right: the outer surface of the wrapped mummy (far left); partial unwrapping reveals the mummy within the bandages; the totally unwrapped mummy is viewed with a CT window level that highlights the soft tissues and embalming materials; the totally unwrapped mummy is viewed with a CT window level that shows the skeleton and dense amulets related to the mummy (far right).
كشف الباحثون أسرار مومياء الصبي الذهبي عبر الأشعة المقطعية (فرونتيرز إن ميديسين)

اعتقد قدماء المصريين أن الأرواح تسعى إلى حياة أخرى مماثلة لهذا العالم بعد الموت، لكن الدخول إلى هذه الحياة الآخرة لم يكن مضمونا؛ ويتطلب الأمر أولا رحلة محفوفة بالمخاطر عبر العالم السفلي، يتبعها حساب وحكم أخير، ولهذا السبب، بذل الأقارب والمحنطون كل ما في وسعهم لضمان وصول أحبائهم إلى "وجهة نهائية سعيدة".

وعن طريق الأشعة المقطعية والطباعة ثلاثية الأبعاد، كشف باحثون مصريون مؤخرا أسرار مومياء صبي مراهق يبدو أنه كان يتمتع بمكانة اجتماعية عالية، وتم نشر نتائج دراستهم العلمية بدورية "فرونتيرز إن ميديسن" (Frontiers in Medicine) في 24 يناير/كانون الثاني الجاري، وتوفر هذه النتائج نظرة ثاقبة فريدة لإجراءات التحنيط والمعتقدات حول أهمية الحلي في القبور في مصر القديمة.

مومياء "الصبي الذهبي"

وأسفرت الدراسات عن الكشف عن هوية هذه المومياء وحالة حفظها وما تحتويه من أسرار، ووفقا لبيان وزارة السياحة المصرية فالمومياء كانت ملفوفة بالكامل بالكتان، داخل مقبرة من العصر البطلمي (حوالي 300 ق.م) بمدينة إدفو بمحافظة أسوان، وتم اكتشافها عام 1916، ومن ثم تم نقلها وتخزينها في الطابق السفلي بـ"بدروم" المتحف المصري في ميدان التحرير بالعاصمة المصرية القاهرة بدون فحص لأكثر من قرن من الزمان.

وقد قام فريق من الباحثين بقيادة الدكتورة سحر سليم -أستاذة الأشعة بكلية الطب في جامعة القاهرة- بالتعاون مع الأستاذة صباح عبد الرازق والأستاذ محمود الحلوجي من المتحف المصري بفحص المومياء لأول مرة عام 2015، باستخدام الأشعة المقطعية واستخدام برامج الكمبيوتر الحديثة، وكذلك الطباعة ثلاثية الأبعاد بشكل آمن داخل المتحف.

ووُضعت المومياء داخل نعشين، تابوت خارجي عليه نقش يوناني وتابوت خشبي داخلي. وفي الداخل، كان المتوفى يرتدي قناع رأس مذهّبا، وعلبة كرتونية صدرية تغطي الجزء الأمامي من الجذع، وزوجا من الصنادل.

وأظهرت فحوصات الأشعة المقطعية أن طول الصبي كان 128 سنتمترا ولم يتم ختانه، ومن درجة اندماج العظام وضرس العقل غير الظاهر، يقدر الباحثون أن الصبي كان بين 14 و15 عاما. وكانت أسنانه جيدة، ولا يوجد دليل على وجود تسوس أو فقدان الأسنان أو أمراض اللثة.

وساعد استخدام التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في التصوير الطبي بالأشعة ثلاثية الأبعاد في تقديم رؤية قيّمة للمومياء، وبناء على هذه النتائج المثيرة، قررت إدارة المتحف المصري نقل المومياء إلى قاعة العرض الرئيسية تحت اسم "مومياء الصبي الذهبي".

ترتدي المومياء قناع رأس مذهّبا وجسمها مغطى بالكامل بلفائف بنية اللون (فرونتيرز إن ميديسن)

عرض شامل للمعتقدات المصرية القديمة

واكتشف الباحثون أن "الفتى الذهبي" هو عرض شامل للمعتقدات المصرية القديمة، وتصورات المصريين القدماء للحياة بعد الموت، وكان يرتدي صندلا وكان مُزينا بالسراخس، وغنيا بالرموز والطقوس.

وتم وضع إكليل السراخس حول السطح الخارجي للمومياء، وباقات من النباتات والزهور بجانب المتوفى وقت الدفن، كما قُدمت للمتوفى نباتات في كل زيارة للموتى خلال الأعياد. وكان قدماء المصريين مفتونين بالنباتات والزهور واعتقدوا أن لديها أثرا مقدسا ورمزيا.

وقالت الدكتورة سحر سليم "يظهر أن جسد هذه المومياء كان مزينا على نطاق واسع بـ49 تميمة، بأسلوب جميل في ترتيب فريد من 3 أعمدة بين ثنيات الأغلفة وداخل تجويف جسم المومياء.

وأضافت "تشمل هذه التمائم عين حورس، والجعران، وتميمة الآخيت وغيرها. وكثير منها مصنوع من الذهب وبعضها مصنوع من أحجار شبه كريمة أو من الطين المحروق أو الخزف، وكان الغرض منها حماية الجسد وإعطاءه الحيوية في الآخرة".

والتمائم هي شهادة على مجموعة واسعة من المعتقدات المصرية. على سبيل المثال، تم وضع ورقة لسان ذهبية داخل الفم لضمان قدرة الصبي على الكلام في الآخرة، وجُندت ما تعرف بـ"قوة إيزيس" في حماية الجسم.

وكانت تهدف تميمة أخرى بزاوية قائمة إلى تحقيق التوازن والتسوية، وكان الصقر المزدوج وأعمدة النعام يمثلان ازدواجية الحياة الروحية والمادية. وتم العثور على خنفساء جعران ذهبية موضوعة داخل تجويف الصدر، وطبع الباحثون نسخة منها بتقنية ثلاثية الأبعاد.

ووفقا لكتاب الموتى، كان على المتوفى أن يرتدي صندلا أبيض ليكون تقيا ونظيفا قبل تلاوة آياته، كما أن تميمة "جعران القلب" كان يعتقد أنها "مهمة في الآخرة عند الحكم على الميت ووزن القلب على ريشة الإلهة ماعت".

Figure 3. Three-dimensional computed tomography (CT) image of the front of the head and torso of mummy TR 21/11/16 at the Cairo Egyptian Museum showing the head mask and the most outer bandages arranged transversely (short arrow) and diagonally in a criss-cross orientation (long arrow).
صورة مقطعية ثلاثية الأبعاد للجزء الأمامي من الرأس وجذع المومياء (فرونتيرز إن ميديسن)

فهم عميق للمعتقدات والطقوس والبراعة التقنية

وأوضحت الأستاذة صباح عبد الرازق أن الدراسة ألقت الضوء على الحياة الاجتماعية في مصر القديمة منذ آلاف السنين؛ فأعطت فهما عميقا لمعتقدات المصريين آنذاك وطقوسهم الجنائزية، وبراعتهم التقنية في التحنيط والحرفية في صياغة التمائم وعمل الأقنعة والزخارف.

كما أشارت الدراسة إلى تقدير قدماء المصريين للأطفال، حيث تمتعت هذه المومياء بطقوس جنائزية مميزة عالية المقام، إلى جانب حالتها الصحية الجيدة.

وفي الموقع الجديد لمومياء "الصبي الذهبي"؛ يمكن للزوار مشاهدة المومياء بجوار صور التصوير المقطعي المحوسب ونسخة مطبوعة ثلاثية الأبعاد من تميمة جعران القلب، للاقتراب قدر الإمكان من عجائب الحضارة المصرية القديمة المذهلة والمحيرة للألباب.

المصدر : مواقع إلكترونية + مواقع التواصل الاجتماعي