الطوفان الرقمي يبتلع "ماريان".. فرنسا تودّع النسخة الورقية من طابع رمز الثورة والجمهورية

تكمن أهمية الطوابع في أن المرسل هو الذي يدفع ثمن الرسالة، وليس مستقبل الرسالة، كما كان الوضع قبل اختراع الطوابع (الجزيرة)

باريس – أعلنت السلطات الفرنسية أنها تستعد لإلغاء الطابع البريدي الأحمر الشهير. وتأتي الخطوة في إطار المراجعة التي يقوم بها البريد الفرنسي لمجموعة الخدمات الأساسية بغرض الحد من النفقات، ومواكبة تطور التواصل والمراسلة.

البريد الفرنسي قال إنه سيتوقف عن تسويق الطابع الأحمر المخصص للرسائل العاجلة ذات الأولوية والذي يحمل صورة "ماريان"، اعتبارا من الأول من يناير/كانون الثاني 2023.

قبل 10 سنوات، كانت العائلات الفرنسية تكتب حوالي 50 رسالة عاجلة سنويا. وفي عام 2021 كانت 5 فقط (الجزيرة)

وسيتمكن من يملكون طوابع حمراء من استخدامها حتى تنفد أو استبدالها بالنسخة الرقمية، على أن يطرح البريد في السوق ظروفا جاهزة عليها صورة طابع أحمر.

وقال رئيس مجموعة بريد فرنسا فيليب واهل، في وقت سابق لوسائل إعلام محلية، "قبل 10 سنوات، كانت العائلات الفرنسية تكتب حوالي 50 رسالة عاجلة سنويا. وفي العام 2021 أصبح الرقم 5 رسائل فقط سنويا".

وتأثر نشاط البريد التقليدي بشكل خاص بأزمة كورونا في العام 2020، إذ انخفض حجم المبيعات بنسبة 13%، وانخفضت أحجام الرسائل بنسبة 18% خلال عام واحد، أي 1.6 مليار حرف أقل. ولم تكن الزيادة البالغة 29% في أحجام الطرود التقليدية كافية لتعويض هذا الانخفاض بحسب الإحصائيات المنشورة على موقع البريد الفرنسي.

طابع ماريان الأشهر في فرنسا ظهر لأول مرة عام 1792 (ماريان)

تاريخ طابع مريان

في العام 1792، جسد هذا الاسم الأول "ماريان"، الشائع جدا في ذلك الوقت، الجمهورية الفرنسية لأول مرة. وتقول القصة الرمزية إن الشاعر والناشط الثوري الجمهوري غيوم لافابر ألّف أغنية ثورية بعنوان "شفاء ماريان"، سرعان ما أصبحت شائعة في تلك الفترة.

ويتعلق الأمر بشابة مريضة تتعافى بفضل رياح الحرية والمساواة وانتصار الجمهورية ونهاية عهد الملكية، ومنذ تلك الفترة اعتُبر اسم "ماريان" مرادفا للجمهورية الفرنسية، وتمت الإشارة لذلك حين إصدار أول طابع بريدي فرنسي.

وظهر أول طابع أحمر في فرنسا في أبريل/نيسان 1849، وكان يُدعى "الفرنك القرمزي"، وكان جزءا من العدد الأول من الطوابع للاستخدام الفرنسي اليومي، الصادر في الأول من يناير/كانون الثاني 1849.

ولاحقا تم استخدام اللون الأحمر الموجود على الطوابع في الحرب العالمية الأولى والثانية، لدعم الصليب الأحمر. ويباع هذا الطابع الأحمر بأسعار خاصة ويتم التبرع بجزء من ثمنه لجرحى الحرب.

استخدام الطابع الأحمر "ماريان" كما يعرفه الفرنسيون اليوم، بدأ عام 1969، حين أصبح يستعمل للمراسلات العاجلة ذات الأولوية (الجزيرة)

ومع ذلك، فإن استخدام الطابع الأحمر "ماريان" كما يعرفه الفرنسيون اليوم، بدأ في العام 1969، حين أصبح هذا الطابع يستعمل للمراسلات العاجلة ذات الأولوية بينما يستخدم الطابع الأخضر للرسائل العادية.

ومنذ ذلك التاريخ، أصبحت ملامح الشابة "ماريان" تتغير في تصميمها مع كل ولاية رئاسية جديدة. بدءا من الشعر الخفيف إلى الفضفاض أو المكلل بالغار أو الحامل لقبعة.

صندوق بريد من الأردن في متحف البريد بباريس (الجزيرة)

ومن "ماريان" الجنرال ديغول عام 1944 الذي اتخذ شعار "المقاومة" تماشيا مع المرحلة، إلى "ماريان" جاك شيراك الذي تبنى شعار "الحرية"، إلى "ماريان" فرنسوا هولاند الذي كان تحت شعار "الشباب"، وصولا إلى "ماريان" إيمانويل ماكرون الذي كان شعاره "الالتزام".

ويختلف ويتنوع كل خيار من الخيارات التي اتخذها رؤساء الجمهورية المتعاقبون ويتم تحديد كل شعار حسب سياقه السياسي والتاريخي والثقافي والفني.

رموز البريد في حقبات تاريخية مختلفة في فرنسا (الجزيرة)

من الطابع المادي إلى الرقمي

وبخصوص التمشي الجديد نحو الرقمنة، تتعلق المسألة بالنسبة للمسؤولين الفرنسيين بـ"مستقبل البريد" والحفاظ على الخدمة البريدية الشاملة، وفقا للمتغيرات التي يشهدها المجتمع.

والعام الماضي أطلق البريد الفرنسي خطته الإستراتيجية 2021-2030، بهدف جعل المجموعة العامة "أول منصة أوروبية للروابط والتبادلات"، من خلال الحفاظ على توزيع البريد وتعزيز مكانتها في الطرود وتطوير خدمات جديدة.

وتظهر الإحصائيات الأخيرة للبريد الفرنسي، أن استخدام الطوابع البريدية في تراجع في فرنسا في ظل الانتشار لوسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت. لذلك يعيش الطابع الأحمر الشهير "ماريان" أيامه الأخيرة، وسيتم التخلي عنه العام المقبل واستبداله بنموذج رقمي.

نموذجان لصناديق بريد معروضان بمتحف البريد في فرنسا (الجزيرة)

وحسب المسؤولين، سيكون من الضروري استرداد رمز أبجدي رقمي مكون من 8 أحرف عبر الإنترنت، والذي يكفي لنسخه على البطاقة أو الظرف. وستتم طباعة المستند بالقرب من المرسل إليه، ووضعه في مظروف وتوزيعه في اليوم التالي. "في سرية تامة". وتبلغ تكلفة هذه الخدمة 1.49 يورو مقارنة بـ 1.43 يورو للطابع الأحمر الحالي.

وسيكون هذا التحول الرقمي هو الأول من نوعه في العالم، وفقا للبريد الفرنسي، الذي يحاول تجديد نفسه والاستمرار في إحياء طابع البريد، لمواجهة الطفرة في الرسائل الإلكترونية والدفع عبر الإنترنت.

التغيير الرقمي لن يكون كليا، وإنما سيكون تدريجيا، والعملية -كما قال المسؤول- هي عملية هجينة بين الرقمي والورقي؛ أي أنه سيتم الاستغناء عن الطابع بحذ ذاته توفيرا للورق، وبيع ظرف جاهز عليه صورة طابع أحمر، كما أن التحول أيضا سيكون في الرسالة المرسلة في حد ذاتها والتي ستتحول إلى رسالة إلكترونية وليست مكتوبة بخط اليد، يرسلها المرسل عبر موقع البريد.

جانب من متحف البريد في فرنسا حيث تظهر بعض ملابس موزعي البريد وبعض صناديق البريد (الجزيرة)

أول طابع بريدي في أوروبا

وعلى المستوى الأوروبي والعالمي صدر أول طابع بريدي في بريطانيا في مايو/ أيار عام 1840، وتعود فكرة الطابع البريدي لرولاند هيل الذي اخترع طابع بريد لاصق في العام 1837. وكان أول طابع بريدي يحمل صورة لرأس الملكة فكتوريا رسمها الفنان هنري كوربولد.

وتُعتبر سويسرا ثاني دولة تُصدر طابع بريدي خاص بها عام 1842، تلتها البرازيل عام 1843، ثمّ الولايات المتحدة التي أصدرت طوابع رسمية في عام 1847، أما فرنسا فقد أصدرت أول طابع بريدي في يناير/كانون الثاني 1849.

جانب من مقتنيات متحف البريد في فرنسا (الجزيرة)

وبحلول ستينيات القرن الـ 19 أصدرت معظم دول العالم طوابع بريدية خاصة بها. ولم تكن الإصدارات الأولى من الطوابع تحمل اسم البلد الذي أصدرها وذلك لأن جميع الطوابع في ذلك الوقت كانت بريطانية. وحتى هذه اللحظة لا تطبع بريطانيا اسمها على الطوابع الخاصة بها، بل تكتفي بوضع صورة الملك للدلالة على أنّها بريطانية.

وتكمن أهمية الطوابع في أن المرسل هو الذي يدفع ثمن الرسالة، وليس مستقبل الرسالة، كما كان الوضع قبل اختراع الطوابع.

المصدر : الجزيرة