هكذا أحيت لندن ذكرى مرور 70 عاما على حكم الملكة إليزابيث

لندن – أينما وليت وجهك في شوارع العاصمة البريطانية لندن سترى أعلام المملكة المتحدة، يتوسطها علم باللون البنفسجي مكتوب عليها "اليوبيل البلاتيني"، احتفالا بمرور 70 عاما على جلوس الملكة إليزابيث الثانية على عرش بلادها عام 1952.
وحرصت المملكة المتحدة بكل أجهزتها الحكومية والأمنية على جعل الاحتفال بهذا التاريخ حدثا مميزا وتاريخيا، وهو بالفعل يستحق هذا التخليد، فلم يسجل التاريخ أن سيدة حكمت بلادها لمدة 7 عقود متتالية، ولا يتفوق على الملكة في طول مدة الحكم إلا الملك الفرنسي لويس الـ14.

ولم تبخل شوارع لندن ولا ساكنوها بالإبداع في التعبير عن حبهم واحتفائهم بملكتهم التي تحوّلت لأيقونة عالمية، فحسب مجلة "فوربس" (Forbes) تعد "إليزابيث الثانية" أشهر حاكمة في العالم.
ولن تخطئ عين المتجول في شوارع لندن أجواء الاحتفال الباذخ، خصوصا في مركزها، من "أوكسفورد ستريت" إلى "ريجنت ستريت" عبورا بساحة "الطرف الأغر" وصولا إلى قصر الملكة، حيث الأعلام العملاقة معلقة وصور الملكة في كل مكان.

نحتاج للفرحة
اختار كريس ملابسه بعناية لتليق بيوم الاحتفال بذكرى الملكة، من قبعة وعلم في القلب منه صورة للملكة، واللون البنفسجي الذي هو اللون الرسمي لاحتفالات هذه السنة، ولا يكاد يمر من أمام مجموعة في الشارع إلا وصاح بصوت عال "ليحمي الرب الملكة"، وهو الشعار الأثير الذي يردده الحرس الملكي، وانتقل هذه الأيام لتلهج به ألسنة العامة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsسنة مشؤومة وصراع نسائي ونقطة سوداء.. مشاهد من سيرة ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية
العمر والعمل والزواج والأسفار.. إليزابيث الثانية ملكة الأرقام القياسية
بالفيديو.. أجواء الاحتفال بالذكرى 70 لاعتلاء الملكة إليزابيث الثانية العرش
مبتسما يقول كريس للجزيرة نت "كنا في حاجة لأجواء الفرح بصفة عامة بعد سنوات البريكست الثقيلة ثم سنوات الوباء التي كانت سنوات حزن".
ويضيف، وهو يشير بيديه للجموع المحتشدة قرب قصر باكينغهام في لندن، "كل هؤلاء عاشوا حالة من الانقسام الحاد بعد البريكست والانتخابات، والآن وجدوا شيئا يوحدهم ويبعث البهجة في نفوسهم، ولهذا أقبلوا بهذه الأعداد الكبيرة للاحتفال".

ولطالما كانت نظرة الشباب عن المؤسسة الملكية وعن الملكة تحديدا مختلفة عن جيل الآباء والأجداد، خصوصا الذين عاشوا الحرب العالمية الثانية، ولهذا تجدهم يحملون نظرة نقدية عن المؤسسة الملكية، إلا أن هذا لم يمنع الشباب من حضور بكثافة لاحتفال اليوبيل البلاتيني.
"أنا قادمة من مدينة ليفربول لزيارة لندن ومشاهدة الاحتفالات مباشرة"، تقول ليزا وهي شابة في عقدها الثالث، قبل أن تضيف بكل حماسة "هذه احتفالات لا تحدث كل سنة، ولندن كلها تحولت لمهرجان مفتوح، وشابة مثلي لا يمكنها أن تضيع مثل هذه الفرصة".
ليزا هي نموذج للكثير من الشباب الذين يرون في الحدث كله فرصة للاحتفال والفرح والاجتماع بالأصدقاء، خصوصا بعد أن جاد الطقس بأيام صحوة لا يكدرها المطر الذي يهطل فجأة ودون سابق إنذار.

الملكة متعبة
كانت اللحظة الأفضل في الاحتفال التي انتظرها الجميع هي ظهور الملكة من شرفة قصر باكينغهام لتحي الحاضرين، وتشاهد سلاح الجو وهو يقدم لها التحية واستعراض الحرس الملكي. قبل أن تختفي الملكة عن الأنظار ويظهر محلها بلاغ صادر عن القصر، يقول فيه إن الملكة متعبة، وستتغيب عن بقية احتفالات اليوبيل البلاتيني، سواء حضور القداس في كنيسة القديس بول، أو حتى حضور سباقها المفضل للخيول.
بلاغ لم يكن مفاجئا للكثيرين، إذ صدر الكثير منه خلال هذه السنة، بعد تراجع ملحوظ للوضع الصحي للملكة، التي باتت تتكئ على عكاز يساعدها على المشي خطوات قليلة.
وبات ولي العهد الأمير تشارلز ينوب عن والدته في الكثير من الأنشطة الرسمية والاحتفالات، إلا أن موقف الملكة هو الرفض القاطع للتنازل عن العرش وإن أقعدها المرض عن القيام بالكثير من مهامها.

احتفالات للتاريخ
وتعد قضية الإنفاق العمومي على المؤسسة الملكية البريطانية من أكثر القضايا المثيرة للجدل في البلاد، ولهذا كان السؤال الأكبر هو كم كلف الاحتفال باليوبيل البلاتيني للملكة خزينة البلاد، وكان الجواب على لسان وزير الخزانة ريتشي سونالك، الذي كشف أن هذه الاحتفالات كلفت حوالي 32 مليون دولار.
مبلغ ليس بالقليل في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الملايين من البريطانيين، وغلاء الأسعار وارتفاع التضخم.
بيد أن أصوات المعارضة لهذه الاحتفالات قليلة جدا، وهذا راجع لسببين، الأول هو الشعبية التي تحظى بها الملكة، فهي حسب كل الاستطلاعات أكثر الشخصيات المحبوبة في صفوف البريطانيين بنسبة تفوق 95%.
والسبب الثاني وهو الأهم أن الملكة تعتبر الوجه الأبرز للقوة الناعمة البريطانية، وتحوّل اسمها لعلامة تجارية تجذب ملايين السياح كل سنة.
ولهذا حرص المنظمون على أن لا يعكر صفو هذه الاحتفالات أي شيء من خلال إقرار عطلة رسمية لأربعة أيام مخصصة كلها لكل أنواع الاحتفالات، كما أصدرت الحكومة توصيات للمجالس المحلية بالسماح للناس بالاحتفال والتغاضي عن التأخر في إغلاق المحلات التجارية.
وهكذا يخرج الجميع مستفيدا: الملكة تحظى بالاحتفال الذي يليق بها، وينتعش النشاط التجاري والسياحي، والمواطن يحصل على العطلة وعلى لحظات من الفرح والاحتفال.