السيك وظامت والبارتشي… ألعاب شعبية ارتبطت برمضان في المغرب
الرباط- يرتبط شهر رمضان الكريم بجلسات السمر والسهر عقب صلاة التراويح، فبعد يوم من الصيام والصلاة يقضي الناس أمسيات مرحة ومبهجة مع العائلة والأصدقاء في البيوت أو في المقاهي والفضاءات المفتوحة.
وترتبط الأمسيات الرمضانية لدى المغاربة بعدد من الأنشطة الترفيهية والألعاب الشعبية التي تختلف حسب المناطق، فلأهل الجنوب ألعاب يمارسونها في رمضان ولساكنة الشمال ألعابهم الخاصة.
ويوضح الباحث في التراث المغربي إبراهيم الحيسن -للجزيرة نت- أن المسامرات الليلية عقب صلاة التراويح في الجنوب المغربي من أهم العادات الشعبية المتداولة في الصحراء، ويتم خلالها تناول مشروب "ازريك" (وهو اللبن الممذوق الذي ثلثاه ماء)، وإعداد الشاي وتناوله وفق الطقوس المحلية المعروفة، مع ما يتخلل ذلك من إبداعات شعرية وأشكال التسلي بالألغاز "اتحاجي" والحكايات الطريفة، فضلا عن تبادل الآراء ومناقشة المواضيع والقضايا ذات العلاقة بالحياة اليومية في بادية الصحراء.
وفضلا عن اهتمامهم بالعبادة وعمران المساجد خلال هذا الشهر الفضيل، يهتم ساكنة الصحراء بممارسة ألعاب شعبية ذهنية لتزجية الوقت والترفيه من خلالها عن أنفسهم.
السيك.. الأكثر شعبية في الصحراء
من أبرز هذه الألعاب الشعبية الرمضانية لعبة "السيك" التي يشترك في ممارستها النساء والرجال على حد سواء، إلى جانب لعبة "كرور" الخاصة بالنساء، و"ضومينو" و"مرياس" (لعبة الورق) التي يزاولها الرجال.
وحسب الحيسن فإن "السِّيك" (الكاف تنطق كما ينطق المصريون الجيم) لعبة جماعية يمارسها الصحراويون على نطاق شعبي واسع بعد الإفطار.
تتألف هذه اللعبة من 8 أعواد خشبية مجهزة تجهيزا خاصا، ويلعبها فريقان متنافسان يستخدمان أعوادا أو أحجارا يتم تحريكها على أرضية اللعب وفق قواعد وحسابات خاصة.
ويُشترط لممارسة لعبة "السيكْ" عدد من الشروط، يوضحها الحيسن -للجزيرة نت- من بينها رقعة رملية تسمّى "لبْرَ" تشكل أرضية اللعب مقسمة على جزأين على طول قد يصل إلى 60 سنتيمترا، وتنقسم إلى قسمين يضع فيها كل فريق قطعه بشكل متواز ومتناظر مع الفريق الآخر يفصل بينهما خطان من النقط والحفر الصغيرة التي ترسم مجال تحرك قطع السِّيكْ.
ويشترط للعب أيضا 8 أعواد يتراوح طول كل واحد منها ما بين 30 و40 سنتيمترا وتصنع من الخشب أو القصب في القليل من الأحيان، يسمّى كل عود من هذه العيدان "سيكة"، ويكون له وجهان أحدهما أملس مصبوغ بلون واحد، والآخر مقوس نسبيا ومزين بتصاميم وزخارف متنوعة.
ثم يحتاج اللاعبون للبيادق وتسمى باللهجة المحلية "رْشومْ" تتشكل عادة من بعر الإبل، أو الحصى، أو العيدان الصغيرة وهي بيادق يتم تحريكها على ظهر "لَبْرَ" (أرضية اللعب) في اتجاه الفريق المنافس.
ظامت وكرور ومرياس
إلى جانب "السيك" الأكثر شعبية لدى الصحراويين، يلعب الرجال أيضا في رمضان لعبة ظامة أو "ظامت" وفق الاسم المحلي.
تجري أطوار هذه اللعبة على رقعة مشبكة يتم رسمها على الرمال ويبلغ عدد تقسيماتها إلى أكثر من 80 مربعا، يلعبها شخصان يحيط بهما لفيف من الأصدقاء (المناصرين) الذين يحفزون اللاعبين ويشجعونهما على بذل أكبر مجهود للفوز والظفر.
ويقول الحيسن إن هذه اللعبة تسهم في إذكاء مهارات الإنسان وتدفعه إلى التفكير وتحفزه على المواجهة العقلية والتميز بسرعة البديهة والقدرة على اكتشاف مواطن الضعف لدى الخصم للتمكن من التغلب عليه.
ويضيف "هذه اللعبة الشعبية تساعد على إثبات الذات في جو من التنافس الشريف الذي يروم المتعة والتسلية وتحريك نوازع الذكاء والموهبة".
أما لعبة كرور، فهي من الألعاب النسائية التي تمارسها الفتيات وتساعدهن على التمرن لممارسة الألعاب الأكثر تعقيدا، وتقوم فكرة هذه اللعبة على التنافس لملء مجموعة من الحفر بالحجارة أو نوع من الثمار.
وتتأسس لعبة مرياس -وهي لعبة ورق حديثة- على منافسة بين 4 مجموعات أو قبائل هي "البيك"، "الكور"، "الكارو"، "الطريفل"، وتعد "البيك" أكبر القبائل في اللعبة تليها "الكور" ثم "الكارو" وأخيرا "الطريفل"، فإذا كان أحد المشاركين يتوفر على أوراق "البيك" ونطقها، فإنه يقضي على جميع أوراق باقي المجموعات/ القبائل وهكذا بالنسبة للقبيلة التي تليها.
البارتشي في الشمال
وفي شمال المغرب، تنتشر في رمضان ألعاب أخرى من أبرزها وأكثرها شعبية لعبة تسمى "البارتشي" أو لعبة النرد، إذ تتحول المقاهي بعد الإفطار إلى ساحة للتنافس ولا تكاد تخلو طاولة من متنافسين حول هذه اللعبة.
يقول الفاعل المدني يوسف شبعة إن هذه اللعبة دخلت شمالي المغرب من إسبانيا وأصبحت اللعبة الأكثر شعبية في المنطقة.
ويلفت إلى أن "البارتشي" طقس صباحي في المقاهي الشعبية في الأيام العادية، وفي رمضان تلعب بعد صلاة التراويح حيث تمتلئ المقاهي بالرواد، لافتا إلى الشروع في تنظيم دوريات للعبة البارتشي في السنوات الأخيرة في طنجة وتطوان وشفشاون.
تلعب "البارتشي" بنرد بـ6 أوجه و4 أقراص لكل لاعب، يحاول كل لاعب إيصال أقراصه انطلاقا من نقطة البداية إلى خانة النهاية، محاولا عرقلة منافسيه وتجنب الفخاخ التي يضعونها له، واللاعب الفائز هو الذي يوصل أقراصه كاملة لخانة النهاية.
أصول البارتشي
ترتبط لعبة البارتشي الأصلية بالإمبراطور المغولي جلال الدين أكبر، إذ يحكى أن هذه اللعبة كانت تمارس في بلاطه في القرن الخامس عشر.
كانت رقعة اللعب حينها حديقة قصره، بينما كانت الأقراص المستعملة حاليا في اللعبة فتيات هنديات يتحركن على رقعة اللعب، بينما كان النرد عبارة عن أكياس مملوءة بالأصداف، وكانت كل فتاة تلقي بالأصداف التي في كيسها ويتم احتساب خانات التقدم حسب عدد الأصداف التي سقطت من كل كيس، وكان العدد الأقصى للأصداف المسموح به 25 وتقابله في اللغة الهندية كلمة "باتشيسي" (pacisi)، ومنه حملت اللعبة اسمها.
وشغف الإنجليز باللعبة عند غزوهم الهند في منتصف القرن التاسع عشر، فنقلوها إلى باقي دول أوربا ثم إلى العالم، ومنذ عام 1999 تحتضن بلدة إلكرادو الإسبانية بطولة عالمية للبارتشيس.