توقيت نابلس الرمضاني.. ماذا تعرف عن الخشخشة؟

نابلس- حشرجة بالصوت تخرج من أسفل الحلق أو نفخة هواء أو نقرة بإصبع اليد على مكبر الصوت (الميكروفون) تحدث صدى في المسجد ثم تنتشر عبر شبكة الأذان الموحد لتعم مساجد مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة، وتصب في آذان الصائمين أن كفوا أيديكم عن الطعام، ومن كان له حاجة في شيء فليقضها بسرعة.

وهذا الصوت يسمى "الخشخشة" كما يعرفها أهالي نابلس كبرى مدن شمال الضفة، وتوصف بأنها توقيت في الإمساك عن الطعام والشراب عند السحور، ووقتها قبيل أذان الفجر بين 3-5 دقائق، وأهميتها للنابلسيين لا تقل عن أهمية الأذان.

والخشخشة يُراد بها -وفق الشيخ حسام أبو صالح مؤذن شبكة الأذان الموحد بمدينة نابلس- تحذير الصائمين وتنبيههم بالتوقف عن تناول طعام السحور، واستغلال الوقت لتناول دواء أو شربة ماء أو قضاء حاجة سريعة قبل الأذان الأخير.

بشكل عفوي

والخشخشة أيضا تقليد خاص تنفرد به نابلس عن سائر مدن الضفة والتي يصدح المؤذنون في بعضها بالتسابيح أو قراءة القرآن أو بكلمة "كفوا عن الطعام" منبها الصائمين للتوقف.

ويضيف أبو صالح (47 عاما) "وهنا بنابلس سكنت الخشخشة قلوب الناس، وكلما رأوني يقولون بلهجتهم (هذا اللي بخشخش)" ومثلما يثير غضبهم عدم فعلها ينال الشيخ صالح الدعاء بالخير من كل من يسمعها.

وتعود الحكاية إلى عام 1979 مع انطلاق شبكة الأذان الموحد في "عش العلماء" بنابلس، وحدثت بشكل عفوي ودونما قصد من مؤذن المدينة آنذاك الشيخ محمود القدومي، بعد أن طرق خطأ على مكبر الصوت دونما انتباه، فاستلطفها الناس وظنوها مقصودة، حتى أنهم سألوه عنها اليوم الثاني إلى أن أضحت واقعا.

ومن بضعة مؤذنين كانوا يداومون على الخشخشة بقي الشيخ أبو صالح، وهناك متطوعون يواظبون عليها وعلى التسابيح المختلفة كعادة نابلسية رمضانية وأهمها "التوحيشة" وهي أذكار تتلى في العشر الأواخر من رمضان.

ورغم التطور والدقة في الساعة عبر الهواتف وغيرها فإن الخشخشة أكثر أهمية لأهالي نابلس، فهي توقيتهم للإمساك عن طعام السحور أو حتى أنها منبه للسحور نفسه وتناول شيء من الطعام أو الشراب بشكل سريع.

ويقول رامي الحمَّامي (53 عاما) للجزيرة نت إن الخشخشة "متعته" الوحيدة في رمضان، وكان يسمعها وهو طفل صغير "وبأوقات كثيرة تداركت نفسي بشربة ماء بعد أن تنبهت من نومي على الخشخشة".

جامع النصر.. الاسم والتاريخ

هناك وفي مسجد النصر أحد أقدم مساجد نابلس وأعرقها وحيث وجد الأذان الموحد قبل أن ينتقل لمسجد الحاج نمر النابلسي قبل نحو عقدين، انطلقت الخشخشة بصوت الراحل الشيخ محمود القدومي لتصبح تقليدا مميزا لنابلس.

ووسط نابلس القديمة وبين جبيليها عيبال وجرزيم، وبالتحديد في الجهة الغربية من باب الساحة (ساحة النصر) يتربع مسجد النصر حيث برج الساعة العثمانية التي أهداها السلطان عبد الحميد الثاني للأهالي بعيد ميلاده عام 1901، فشيدوا لها برجا تكريما له.

وهي واحدة من 7 ساعات أهداها السلطان العثماني لأهالي حيفا ويافا وعكا والناصرة وصفد، في حين هدمت السابعة التي شيدت بمدينة القدس بُعيد الانتداب البريطاني.

ومعماريا يتكون جامع النصر -المقدرة مساحته بحوالي 1500 متر مربع ويتسع لمئات المصلين- من طابقين: الأول عبارة عن مخازن تجارية ومقابر إسلامية خاصة، والآخر مبنى بيت الصلاة والمئذنة، وبداخله المكتبة ومصلى النساء.

وأقيم المبنى الحالي للمسجد -كما ظهر من بقايا العناصر المعمارية السابقة وبعض المصادر التاريخية وسجلات محكمة نابلس الشرعية- على أنقاض الجامع القديم وبشكل مغاير لتخطيطه السابق، فالجامع القديم تهدَّم إثر زلزال سنة 1927 الذي أتى على مبناه كله وتصدعت مئذنته، وعام 1935 قام المجلس الاسلامي الأعلى في فلسطين بإعادة بنائه بشكله الحالي.

ويقول عبد الله كلبونة المدير السابق لدائرة الآثار بنابلس إنه سنة 1874 زار الجامع القديم -وقبل أن يُهدم- الباحث الفرنسي غانيو (Ganneau) وقام برسم وعمل مخططات أفقية ورأسية له، وتبين أن المبنى القديم للجامع كان يعود أثريا لمبنى كنيسة صليبية قد أسست في القرن الـ 12 الميلادي.

وبعد تحرير المدينة من الاحتلال الصليبي سنة 583هـ/1187م على يد صلاح الدين الأيوبي تم تحويلها إلى جامع عرف باسم جامع النصر تخليدا لذكرى هذا الانتصار الكبير "وهذه كانت سياسة متبادلة ما بين الأيوبيين والصليبيين، كما أن مثل هذه الكنائس كانت تمثل رمزا للاحتلال الصليبي ولم تكن تمثل فئات سكانية".

ويوضح كلبونة أن هناك 5 مساجد بنابلس هي: الصلاحي الكبير والبيك والحنبلي والخضراء والنصر، أقيمت على أنقاض كنائس أوجدها الصليبيون، ويظهر من مخطط الجامع القديم -حسب كلبونة- أن المسجد كان مستطيل الشكل يمتد من الشرق إلى الغرب وكان أخفض من مستوى الشارع، حيث يُنزل إليه عبر درجات قليلة، وكان يتكون من 3 أروقة يتوسطها صفان من الدعامات والأعمدة.

وللمسجد مدخل غربي و3 حنايا شرقية، فتح في الأوسط منها مدخل شرقي تؤدي له الدرجات المذكورة، وبعد تهدمه لم يبق منه سوى قسم من جداره الشرقي الخارجي والمقابر الإسلامية الخاصة بزاويته الشرقية الجنوبية وفي جهته الغربية.

مقابر ومئذنة وحكاية سبيل الماء

وبالعودة للبناء الحديث المُشيَّد عام 1935، يحوي الطابق الأول منه مخازن تجارية ومقبرتين خاصتين تعودان للعهد العثماني، إذ إن الشرقية الجنوبية منهما أسسها كمقبرة خاصة له حاكم نابلس محمد بن فروخ باشا المتوفي سنه 1048هـ/ 1649م والمدفون فيها، غير أنه دفن فيها فيما بعد بعض حكام ورجالات نابلس الآخرين، ومنهم صالح باشا طوقان المتوفي سنة 1155هـ/1782م، وإلى الآن يحمل آل طوقان وحدهم مفتاح المقبرة.

وتعود المقبرة الغربية من الجامع "الشيخ طه" وهو من ذرية محمد المنير السنونو الذي يعود نسبه إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما، يقول كلبونة.

ويؤدي درج كبير يخترق الطابق الأول للطابق الثاني حيث "بيت الصلاة" وهو بناء حجري واسع وكبير، يحتل كامل مساحة سطح الطابق الأول ويتوسط جداره الجنوبي محراب كبير، وبجانبه منبر حجري رخامي وفي جدرانه نوافذ جميلة مقوسة حَوَت زركشات زجاجية وأخرى جصية ملونة وفق الطراز المعماري الإسلامي.

وتتوسط بيت الصلاة مجموعة من الأعمدة والدعامات الإسمنتية تعلوها عقود إسمنتية لتكوين رقبة دائرية تستند إليها القبة الكبيرة العالية الارتفاع وحولها قباب صغيرة يظهر كشكل هندسي وجمالي قلَّ نظيره.

وفي الجهة الشمالية الغربية تقوم قاعدة المئذنة الأسطوانية الشكل، وعند أعلى مدخلها الصغير يقوم نقش حجري كتابي يشير لتاريخ المسجد، وإلى الشمال منها يقوم المتوضأ، وبالقرب منه يقود درج حجري لمكان الطهارة (المراحيض) بالطابق الأول.

عراقة التراث

وكواحد من أكثر من 300 مسجد تنتشر بمدينة نابلس، يكتسب أهميته من موقعه ليس بمركز المدينة فحسب، بل يتوسط مركز البلدة القديمة (ألفي عام) وحاراتها الست العريقة، حيث النشاط الديني والاقتصادي والاجتماعي، فضلا عن التراثي والثقافي.

وإلى الجنوب من المسجد يقع مبنى السرايا العثمانية وبداخله السجن، وفي واجهة المسجد الشرقية الجنوبية عين ماء تعرف "سبيل الست" نسبة إلى ثروت الجيطان زوجة أحد أمراء المدينة، وقبرها موجود بالمقبرة الإسلامية أسفل المسجد.

وفي الناحية الشمالية للمسجد يقع "درج الخان" أو "درج النصر" كما يسميه آخرون، ويتصل بخان التجار المبني على الطراز العثماني.